الرئيسية تربويات من سكوب السبق الصحفي إلى “سكوب مراكش، وسكوب أكادير”

من سكوب السبق الصحفي إلى “سكوب مراكش، وسكوب أكادير”

كتبه كتب في 16 مارس 2013 - 14:49

بعد أن كانت كلمة «سكوب»، التي تعني السبق، عنوانا بارزا لـ«خبطة» صحفية كبيرة، أصبحت اليوم أكثر التصاقا بمعنى الفضيحة، إثر تناسل الصفحات الافتراضية التي تنشر الغسيل الجنسي لنساء، أغلبهن من القاصرات، بمدن

مغربية عديدة، فأصبحنا نسمع عن «سكوب مراكش» و«سكوب أكادير» و«سكوب برشيد»، وهلم فضحا. وهي الصفحات التي ترتبت عنها مآس حقيقية داخل الأسر التي تنتمي إليها «بطلات» الفيديوهات والصور المنشورة.
المثير في هذا الموضوع هو أن أغلب أصحاب هذه الصفحات «الفضائحية»، وهم شباب في عمر الفتيات المفضوحات وبعضهم زملاء لهن على مقاعد الدراسة، يدّعون أن غرضهم ليس الإثارة أو التسلية وإنما كشف حقيقة بنات مدينتهم، اللواتي يفضلن غرف النوم على الأقسام. غير أن ما يتناساه هؤلاء «الصحافيون»، دون علم وزير الاتصال، أن هناك ظواهر أخطر تعج بها بيئتهم أو هي، على الأقل، أسباب مباشرة لما يدعون العمل على فضحه.. ففي هذه البلاد يعيش المغلوبون على أمورهم يوميا «سكوبات» حقيقية، يعلمها القاصي قبل الداني، ولا أحد من المسؤولين يتحرك لتغييرها.
ففي المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء، يبدأ المواطن البسيط يومه على وقع الانتظار القاتل لوسيلة نقل قد تأتي أو لا تأتي؛ ولأنهم «فرعوا» رأسه منذ نعومة أظافره بأن «الوقت من ذهب»، رغم أنه لا يرى الذهب سوى على واجهات محلات المجوهرات، فإنه لا يترك ساعات انتظاره تذهب هباء، ويمضيها في التضرع إلى الله عز وجل أن ييسر له شراء وسيلة نقل تقيه جحيم الانتظار، ويدعوه أن ينتقم ممن كانوا سببا في هذه «الإهانة» اليومية على قارعة الطريق.
وعندما تأتي الحافلة متثاقلة، وكأنها باتت ثملة في حانة رخيصة، يكتشف المسكين كم هو محظوظ لأنه ليس في مكان السائق، ويتمنى لو ينسخ الله دعوته الأولى، بسبب اختناق حركة المرور في الشوارع، حيث يضطر السائقون إلى شحذ ألسنتهم واستظهار ما حفظوه من لغة الشارع في وجوه خصومهم في «معركة السير» التي تتحول معها الحركة إلى جمود قاتل، لا يكسر توقف عقارب الساعة فيه سوى «صراخ» منبهات السيارات. وتتوالى الأحداث بعد ذلك، على المواطن المسكين، سراعا.. ففي المدينة «الغول» يتحول الآدمي إلى «آلة»، تتكرر عنده الأيام بنفس الرتابة والمعاناة.
وبعد يوم قاس، يركن إلى نفسه للحظات في طرف قصي من «البيت» الذي أراده الممسكون بخيوط اللعبة قفصا يرتد إليه فيه صدى زفراته.. يقرأ جريدة أو يشاهد التلفاز، إذا استطاع إليهما سبيلا طبعا، فتطالعه أخبار العصابات وجرائم الاغتصاب والسطو والاختلاس التي تعج بها مدينته.. يقلب الصفحة أو يغير القناة فيكتشف أن أخبار السياسة والثقافة والرياضة لا تختلف كثيرا عما سبق، فيغير الموضوع برمته، وينكمش على ذاته وهو يتمنى لو أنه كان يعيش في مدينة صغيرة، حتى ينعم مثل سكانها بالهدوء والسكينة، بخلاف هذه المدينة «الوحش» التي التهمته وأمثاله وتأبى أن تلفظه.
ولأن الفرح «ممنوع» على البسطاء، تقع عينه على خبر في الجريدة الموضوعة أمامه: «بوذنيب تشتعل من جديد»، وبجانبه خبر صغير: «مسيرة في زايو»، يقلب الصفحة بسرعة: «غضب هنا، واستياء هناك.. احتجاج على غياب التنمية في هذه المنطقة، وشكاوى من ضعف البنية التحتية في تلك»..
يزدرد المسكين أمانيه، ويتذكر بمرارة حقيقة مرة، ففي المغرب حيث لا أحد يستغرب، متناقضات كثيرة.. فيه يتمنى سكان الحواضر أن ينعموا بحياة أهل البادية و«الفيلاجات الصغيرة»، حيث الحياة على طبيعتها، لم يعكر صفوها «جري» المدينة، وفيه أيضا يحلم من تبقى من أهل البادية بحياة أهل المدن، حيث ضروريات الحياة من عمل وسكن وتعليم.. لكن الجميع، أهل الحواضر والبوادي، يفنون حياتهم يجرُّون «طاحونة» غيرهم، ويَجرُون وراء جزرة تتدلى من عصا تمسكها حفنة من المحظوظين تنعم بخيرات البلاد وتضحك على ذقون العباد.
بعد أن يقف المواطن المسكين على واقع البلاد المرير، ويتأكد من أنه كان ضحية نصب كبرى، يتذكر وعود السياسيين الكاذبة وبرامجهم المزيفة.. يتذكر «كشكشاتهم» أمام شاشات التلفزة و«خبطاتهم» فوق الطاولات، والحروب الطاحنة التي يخوضونها ضد بعضهم في العلن فيما يتشاركون صحون الحلوى وكؤوس الشاي والعصائر في الدهاليز…
بعد أن يستعرض حبل الكذب «الطويل» الذي كان عرضة له، يأوي إلى فراشه وهو يتمتم: «ألا يستحق «السكوبي» اليومي الذي نعيشه ملايين الصفحات على المواقع الاجتماعية؟ نحتاج حقا إلى صفحة «سكوب ماروك»».

عزيز ماكري

الصورة من صفحة سكوب أكادير

مشاركة