مقامات العميري…ثرثرة ومسخرة من الحرب المنكرة

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                                      المقامة الثالثة عشرة.

                     مقامة:ثرثرة ومسخرة من الحرب المنكرة.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

جلست مع بعض الإخوان على رصيف مقهى )هرمان-( الذي عج بهواة ومحترفي السمو بالأدمغة والأذهان،وذلك بعد شرائهم لفرمان الأمان من سلطات الزمان ؟!!!-…ننتظر وصول زهرة مجلسنا خالد أبي عمران،مضحك العبوس،ومبهج النفوس،ومعه يحلو السمر ويطيب الجلوس،وتعذب كل الطقوس،ويشع بدر السعود ويخفت سهى(1 ) النحوس…له مع كل واحد من زملاء المقهى حكاية ،لها بداية ،وليست لها نهاية،فينبز ذا اللحية الأبجر) (2،وينعته بالتيس الغضنفر،ويستفتيه في )الإيتكيت (الذي يجوز والذي لا يجوز في معاشرة العجوز في كربة تموز،وفي أيام برد العجوز…

أما إذا حضر محبوبه،بغيته ومطلوبه-جامع الأوصاف،وفريد الأصداف،مكتنز الأرداف،المبذر المتلاف،يمشي الهوينى ويتخنث ويتثنى-فإن صاحبنا يتزعزع اتزانه،ويذهب وقاره وديدبانه…ويكثر كرمه وإنفاقه،وتقل كزازته وإملاقه،حتى فقد بسببه كل ثروته،ولم يبق فلسا ولادانقا لورثته…

قال صاحب الحديث:

وبينما نحن  نردد مع المؤذن ألفاظ الأذان،إذا بالمذيع يطل علينا بخبر يصم الآذان،ويهز الوجدان ويهد الأركان،ويصحي السكران:السعودية تخرج من المستنقع اليمني وهي تجر أذيال الهزيمة،وبخسائر فادحة جسيمة،ولم تعد قوافيها مستقيمة،وفقدت كل مكرمة وشيمة،ومفخرة وقيمة…

فعلق صديقنا كموم القعوس المهموم ،ومبسمه لا يفارق مبسمه:

–هذه عاقبة العدوان على شعب فقير ، لا يكتنز شروي نقيرأو ذرة قطمير،ولا يملك عافطة ولا نافطة،)   3 (وما ذاق عبكة ولا لبكة ) (4ويكتفي من الأقوات بالقات!!!( 5)

فرد عليه أبو الزنباع وهو يرتشف كوبا من النعناع:

– لم تعد السعودية مخيرة ،بعدما ذاقت وبال الطائرات المفخخة والمسيرة،ومقاومة واستماتة شيعة زيد وحيدرة،وفاطمة الحصان المطهرة،الذين كالوا السواعدة كيل السندرة6) (،وبدعم من طهران وأنقرة،ولم ينفعهم استقواؤهم بمرتزقةالخرطوم ولادكار ولاأسمرة…

وأصبح جنودهم كالحمر المستنفرة أمام القسورة…وبدل أن تلعب السعودية  في الخليج دور القيصرة،أصبحت مَسخرة،ولنزوات) ترامب (وأزلامه مُسخرة،فيا لها من سمعة بالتراب معفرة!!!

فقاطعه أبو الفتوح ورائحة لفافته تفوح:

-كنت أظنك نطاسا في الميكانيك و)السكلسة(،فإذا بك محلل كبير للمواضيع المسيسة-رغم أنك لم تدخل جامعة قط،ولم يطل ثواؤك بالمدرسة؟!!!

ثم تدخل زميلنا أبو مرسي ،وهو يحك عروته بالكرسي:

– لقد اهتزت العمائم والأقباء،وفسا الأمراء،وأحدث المسؤولون والوزراء،وخاف صُّراع الغواني من زوال بحبوحتهم وانصرام حياة البذخ والعربدة والأغاني ،والسياحة في المنتجعات والمغاني …فهم سكارى من الهم حيارى،ولهم من فرقهم أَصِيصُ وكَصِيصٌ7) (…

قال الراوي:

ثم بعدذلك حضر إمامنا خالد،فاشرأبت إليه الأعناق،وحياه كل الرفاق،وطلبنا منه فصل الخطاب  فيما يتداوله الصحاب،فقال:

– ربَّ حربٍ جُنيت من لفظة وربَّ عشق غُرس من لحظة…سُفهتم يا معشر المجانين:لو استمرت الحرب بين تجار الدين،وسدنة زيد مع سدنة الحسين ،لطارت أسعار النفط إلى عليين،ولهوت أسهم البورصات إلى أسفل سافلين،ولبلغ الحزام الطبيين8) ( ولتناسى الناس أمر العراق وسوريا وليبيا ولدفنوا قضية فلسطين،ولأصبح همهم هو تأمين البنزين،والمرور من باب المندب ،ومضيق هرمز دون مخاطر ودون زيادة في عقود التأمين!!!

…فكان لابد للسعودية من المحاورة،وحسن المجاورة،والنأي عن التدخل والمخابرة،ونبذ كل عجرفةوترك كل إملاء ومكابرة،وتجسس ومؤامرة،والتزام الحوار والمشاورة،والتماهي مع كل وساطة أومبادرة. وأن تتغاضى عما مضى،وتغمض العين على القذى …

قال الحاج عمر:

ثم أطلق صاحبنا  للكلام أعنته،وللحديث أسنته فقال:

– لما ظلم العرب واشتطوا

لم ينفعهم غاز ولا نفط،

واسودت صحيفتهم وانحطوا

وأصابهم بعد عزتهم ذل وفقروحط،

وجفاف في الموارد والمواهب وقحط،

ولعب بأذيالهم القرد والوعوع  (9)والقط!!!

قال الراوي:

ولم يكد صاحبنا يتم كلامه،حتى وجد عدوه عبد العزيز أمامه،موجها إليه مدفعه،فلم يجد معه سلاحا ليدفعه،وانتهت بينهما معركة الكر والفر…فأقر بالهزيمة،وصب جام غضبه على أبي أمية المشؤوم المنبوز بالبهيمة،وكف عن الثرثرة والنميمة!!!

الهوامش:

1-السهى:نجم خفي،وفي المثل:أريها السهى وتريني القمر.

2-الأبجر:الغليظ البطن.

3- لا يملك عافطة ولا نافطة:لا يملك نعجة ولا عنزة.

4-ما ذاق عبكة ولا لبكة : ماذاق طعاما خالصا ولا مخلوطا.

5-القات:نوع من المخدرات ،كثير الاستهلاك في بلاد اليمن.

6- السندرة:شجر كانت تصنع منه المكاييل قديما.

7- أَصِيصُ وكَصِيصٌ:رعدة ورجفة.

8- بلغ الحزام الطبيين:الطبيان حلمتا الثدي.

9-الوعوع:ابن آوى،وهو حيوان من فصيلة الثعلب.