الرئيسية اراء ومواقف مقامات العميري…مرونة ورعونة في التعامل مع كرونة

مقامات العميري…مرونة ورعونة في التعامل مع كرونة

كتبه كتب في 2 مايو 2024 - 12:00

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                                 المقامة السادسة عشرة

                       مرونة ورعونة في التعامل مع كرونة

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

بعد شهور من الحجر ،ودهور من الخلوة والهجر،والانعزال والتباعد والقهر،والسآمة والضجر ،وبعد أن ناء بالهم الكلكل والصدر…قررت خرق هدا الحجر –ولو لاقيت في سبيل ذلك ما لاقاه أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر(1 ) … برد الفراش،وارتفع الهراش،وربا الفراك(2)،وزاد العراك،وتفرق الصحاب،وأغلقت الأبواب…فتسللت خفية من داري،وفررت من بقبقة ربة داري،وزقزقة صغاري ،ومن شقشقة ضيوف صلاح الغماري(3)…

قال الراوي :

فإذا بأبي عمارة،يهيئ حماره،بمهارة مختارة ،يقيس له الحرارة، وينزع مخلاته ويضع كمامه،ويعقم لجامه،وسنبكه وبردعته وحزامه،ملتزما بكل قواعد الوقاية والسلامة…

فقلت له:

-حنانيك أبا عماره ،أبعد التقنسب (4)والتقاعد،تلتزم بشروط الوقاية والتباعد…فقال-بعد أن ترك بيني وبينه مسافة متر وياردة،وبضع سنتيمترات زائدة-:

-ويلك ،وويسك، وويبك، وويحك(5) …لا تقترب من ساحي ،ولا تتعلق بجناحي،ثكلتك أمك ،وبكاك خالك وعمك …لماذا فرضت القفازات،وحظرت المآتم والجنازات،وشرعت رخص التنقل والجوازات،ووفرت الكمامات وأغلقت المساجد والحمامات؟… ،فتعامل بمرونة مع كرونة؟، ولا تتعامل برعونة فتظهر في بلدتنا بؤرة وبائية أشد خطرا من بؤرة طنجة و آسفي و للا ميمونة؟

فقلت له:

-بالله عليك أبا عمارة-وقاك الله من ظلم الإدارة،وجور الوزارة،ومن كل امرأة ثرثارة؟-فسر لي معنى المرونة والرعونة في التعامل مع كرونة  الجائحة الملعونة؟…فقال:

-أما المرونة يا أبا عيشونة،فتتجلى في إجراءات (المَخْزَن) ،الذي ملأ المخزن،وأخرج لجينه ونضاره (6)المُخزن،فصار شعار الشعب:إذا كان بجانبك المخزن،فافرح ولا تحزن…حلوله عديدة ،وأسانيده سديدة،وأياديه ممدودة،وتدابيره رشيدة…

وأظهرت الحقيقة بالدليل والوثيقة الدور الكبير للدولة العميقة،وسياستها الدقيقة،فتحولت إلى ظئر(7) شفيقة،بأبنائها رؤوفة رفيقة…وهذا باعتراف الدول العدوة والصديقة،شعارها :الأولوية للإنسان،ولسلامة الأرواح والأبدان:

          وإذا سلمت هام الرجال من الأذى                 فما المال إلا كقص الأظافر

والكلوروكين بروتوكول صحي سيادي-رغم مكر (ماكرون) والسماسرة المغرضين وكل الأعادي-ناهيك عن الدعم المباشر والتعاون، وكل أشكال المؤازرة والتضامن،فانكشفت بذلك  سوأة الرأسمالية المتوحشة،وكشفت عورةا لامبريالية الباطشة،والتي لا تقيم للإنسان وزنا ، و لا تعرف للإنسانية معنى…فشاهد العالم ترامب: نيرون زمانه،وفرعون عصره وإبانه،يستجدي العالم كالبهلول، ولسان حاله يقول:

-هل من مقايض كمامة بحوامة وغواصة وعوامة،ومقابل حفنة من الكلوروكين،سربا من طائرات( ف- ستين)،واشتراك في (الفايسبوك وتويتر والوتساب) إلى يوم الدين،مع محو اسمه من قائمة غسيل الأموال ومن لائحة الإرهاب،واعتباره من الصحاب المرفوع عنهم القلم والكتاب …ولمن تكرم وزودنا بجهاز للإنعاش ،فله مليون مدفع رشاش،وصك براءة ولو أنكر  (الهولوكوست)(8)، وعادى السامية و تخابر مع الحكومتين الكورية والإيرانية..

واستقدم( توم كروز)..فقال له:المهمة مستحيلة ، ،واستقبل( باتمان) و(سبيدرمان) ،فقالا :لا بد من خطة بديلة،واستنفر( رامبو )،فقال:ما باليد حيلة،وعندما حضر عنده (فان ضام) ،قال:كرونة فيروس لا يضام ،ولو اجتمعت عليه أنا وأرنولد وزطام …وخسائره ثقيلة ..فيروس لم يعرف  الخبراء بعد عجره و بجره(9)،ولم يستكنهوا إلى الآن سره و خبره….

فرد عليه ترامب:

-بل هو فيروس صيني مدسوس،لم يذكره أبقراط و لا جالينوس،ولا(عرّاقات الهكسوس)(10)،ولم يتحدث عنه (أفسين) (11)و لا (أفيروص)(12)،وسأحاسب منظمة الصحة العالمية بهذا الخصوص،وليمثلن-أمام محكمة الجنايات الدولية- مديرها العام الشيوعي

الخلاسي الخنفوس ،المتواطئ مع الصين والهند و الروس،من أجل تحطيم قوة العم (سام)،والصهر( جكوبز)،والخال( خيسوس).(13)…

ولما تكالبت عليه الاحتجاجات والشكاوي،استغاث بالسوبرمان المغربي :منصف السلاوي ،عله يخلصه من كل هذه البلاوي،ويعيده-في تشرين-  لمكتبه البيضاوي…وقال له:

-أريد إنجازا، مثل إنجاز مواطنك كمال الودغيري مع( النازا)…

قال الحاج عمر :فقاطعته قائلا:

-يا لهذه العقول المهاجرة والأدمغة العبقرية المغادرة،ويا لتعاسة جدود(14) دولها الأصلية العاثرة ،قضت على آمالنا الإمكانيات الوافرة،و يد الدولار الغادرة، والمغريات الموضوعية والعابرة….ولكن ماذا تقصد بالرعونة في التعامل مع كرونة؟جعلك الله مع الثلث الناجي من هذا الفيروس التاجي…

فأجاب:

-كانت روائح هذه الجائحة نتنة فائحة…اختفى أناس يعدهم (البواجدة)(15) من الأخيار،وتواروا في دهاليز بيوتهم وقطعوا صلاتهم بكل مريد وجار،ولم يساهموا في صندوق تدبير الجائحة بدانق أودرهم أو دينار،وخفتت القلقلة والغنة ،والبكاء والخنة والمواعظ الكاذبة والأذكار،والتذكير بنعيم الجنة والتحذير من عذاب النار…

وأبدى الكير عن خبث الحديد ،فانفضح( أمكراز) وانبطح (الرميد)،واعتبرا الضمان الاجتماعي بدعة مذمومة،وشنشنة مشؤومة ،وعقدا فيه غرر،وللمسلم فيه شر كبير وضرر…ولم يقدما الاستقالة،

لأنها ليست من ثوابت العدالة-نسأل الله أن يعجل لهما بالإقالة-؟…ورغم الانتقادات،وحملات الإعلام،فما لجرح بميت إيلام؟…

وقال وزير سابق للحكامة-ويا للفهاهة والسقامة ،وقلة الاستقامة- :اطبعوا المزيد من النقود،ولا تقترضوا من الفرنجة والمرابين اليهود…فضحك( الجواهري)، وشمت( بنشعبون) ،ومساعدوهما الأقربون…

ودعا( أبو النعيم) إلى خرق الحجر،بعد العشاء وقبيل صلاة الفجر،وأن يتجمع الناس ويسدوا الفرج ،حتى يأتي الله بالفرج…- نسأل الله له الفرج-(16)..وأن يكثروا من  الأكل و النسل  والغسل ،حتى يظهراللقاح والمصل…

وانتشرت الترهات والشائعات والأراجيف،فتصدى لأصحابها مهندسو( عبد اللطيف)…فسجنت الأم نعيمة صاحبة الشتيمة الأليمة،واعتقل الأسد الحزين،نابز الفنانين وقاذف المبدعين…وشتم  رئيس جماعة( بوجادي) العامل،فواجهه أمام القضاء ولم يجامل…رغم أن آله وضعوا القمر في شماله،والشمس  في يمينه،فلم يحنث في يمينه،ولم يتخل عن ديدبانه ودينه…

وتحول أغنياء إلى أهل صفة(17)،يزاحمون المرملين(18) على الدعم والقفة…

واستهدف أناس حياة الجيش الأبيض والأطقم الطبية المدنية والعسكرية المجاهدة ،بمحاولتهم بيعها أجهزة وكمامات فاسدة…أناس نار وطنيتهم خامدة،وإنسانيتهم باردة، وفسادهم موروث عن الوالد والوالدة،ولا ترجى منهم فائدة…

وتحول بعض المقدمين إلى قادة،يتلاعبون بالقفف ويبيعون رخصا فوق العادة،لبعض المحظوظين من السادة…

ونقلت عرائس مع عرسانها من الهودج و العمارية إلى مخفر الشرطة و الكوميسارية،وقضوا فترة العسل في الحجزو الإجراءات القانونية والإدارية…

وتأججت سادية المغتصب والبيدوفيل(19)…في( طاطا )في( إداكيلال) وفي( برحيل)،وفي مناطق عديدة من مغربنا الجميل… ، وضبطت( شيبانية) و( شيبباني) ،متلبسين في أحد المباني…أهي وشاية( أبي الفول)،أم شكاية الجيران…نعوذ بالرحمان من حبائل الإنسان، ودسائس الشيطان…

وماأقبح الحب فوق هضبة الهَرم ،بين عجيز بظراء لخناء(20) وبين شيخ قفندر(21) هرم…تعثر في الانطلاقة،وخور في الجهد والطاقة…ولكنه الفقر والعوز والفاقة؟…

وجاء التعليم عن بعد،فأظهر ما بيننا وبين الدول المتقدمة من بعد، فتعلم عمرو وبقي زيد، واستفادت هند وحرمت سعدى ودعد؟…ولم تتوفر الوسائل لتلاميذ الهشاشة،كما وفرت لابناء المال والجاه والبحبوحة والرياشة… صرفت الملايير لذلك ،في عهد وزارة( ابن المخ طار)،ولم تظهر لها آثار،و لم تنفع ترقيعة (جيني) ولا تقليعة (مسار)،وعاش المدررون(22) والمدرسون أيام الحجر في إجازة،فلم يلقنوا درسا ولم يشرفوا على إجازة، ورغم ذلك يحتجون ،ويرومون زيادة وترقية ودرجة ممتازة، ويتساءلون لم  تأخر تاريخ توقيع محضر الخروج؟ومتى موعد الإجازة؟…

وفي عز كرونة،وما يقتضيه من كياسة ومرونة،وسياسة وليونة ،والشعب- ساه لاه-…تسربت فقرات من قانون تكميم الأفواه، …ضلالة وسفاه،ومضمون واه ،ولا تنطفئ نار ظلمه بمياه…فلاكته كل الألسن ومجته كل الشفاه، وثار الناس وقالوا:نعم للحرية وألف لا للإكراه…لا للقانون (القادري)(23) ،ولمحتواه الباطني والظاهري، وقانا الله من كل خطب داه…

وفي عنفوان كرونة ، ترقص (مايا)رقصة مجنونة،على متن يخت فاره مع كردوس من الصبايا العرايا، بعيدا عن كل المصائب والرزايا، نسأل الله لهن زيادة الألطاف ،و(الغرامات)والهدايا والعطايا،ومزيدا من المريدين والضحايا وأن يملأ من شحم أردافهن، وأن يزيد من زئبقيهن الرج راج،فتنة كل فاسق زنديق، وكل تقي أو حاج ثجاج …

وأن يجعلهن فخرا للمعاصي، وتاجا لها…وأن يديم لصاحب اليخت-النكرة الموصوفة الذي لا يحب الظهور-االحبور والسرور، وأن يمتعه بالغفلة والغرور…

وفي سورة كرونا،يظهر رشيد العلالي-(بالعلالي)-على شاطئ مدينة شمالية موبوءة،ممتطيا صهوة حصان مطهم،بصدره العاري،  كأنه نصب تذكاري، أوفي مشهد إشهاري،في مدينة الكنوز ،يستعرض ريشه أمام نهيلة وأميمة وفيروز…

   لقد هزلت حتى بدا من هزالها                        كلاها وحتى سامها كل مفلس!!!

…وتطرف أناس ،فأنكروا كرونة،واعتبروها مؤامرة بنائية ملعونة،ومن دقيق الصهيونية معجونة،وبمكاييل رأسمالية موزونة،تتوعد البروليتاريا،وتدغدغ الباطرونة…وكل دواء أو لقاح لها:عواقبه غير مضمونة…

قال الراوي:

فقلت له:

-كلامك بهي ،ولفظك مستعذب شهي،وشرحك يسر الخاطر،وعلمك دونه البحر الزاخر،ونقدك ساخر،ووصفك ساحر… أسأل الله لك العصمة في الدارين،والفوز برؤيته رأي العين…

فرد علي قائلا:

إِذا وَصَفَ المَرءُ شَيئاً وَلَم                       يَكُن مُستَحِقّاً لِتِلكَ الصِفَــه

فذاك دليل على أنـــــــــــه                       قليل البضاعة في المعرفه؟

وبينما نحن كذلك ،نستعرض أحوال هذا الزمان الحالك…إذا بأبي الفائدة،وعميد القوات المساعدة،الذي فوضت له القائدة، أمرالتربص بكل مارق أو مدلج أو متهور أو شاردة،،وكل حالة مشتبه بها أو واردة،أو بائع للكمامات الفاسدة،وكل من خرق قانون الطوارئ،والقاعدة…فأسرعت- مكرها-إلى داري،أجر ذيول ذلي وصغاري… وأغلقت علي الباب، وسددت النافذة،لأن أوامر المخزن وتعليماته نافذة…

الهوامش:

1-أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر: قوم شعيب عليه السلام.

2-الفراك:بكسر الفاء:البغض بين الزوجين.

3-صلاح الغماري :مقدم البرنامج  التلفزي(أسئلة كورونا).

4-التقنسب :لفظة منحوتة من عبارة: التقاعد النسبي.

5- ويلك ،وويسك، وويبك، وويحك: ثلاث لغات في عبارة(ويلك). والويس كلمة أخف من الويل والويح كلمة أخف من الويس والويب كلمة أخف من الويح.

6- لجينه ونضاره:فضته و ذهبه.

7- ظئر:الظئر:المرأة ترضع ولد غيرها.

8- الهولوكوست:المحرقة التي يدعي اليهود أنهم تعرضوا لها على يد الزعيم النازي أدولف هتلر.

   وكل من أنكرها يتهم بمعاداة السامية.وهي من ثوابت السياسة الإسرائيلية.(انظر كتاب:(الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)،للفيلسوف الفرنسي المسلم(رجاء جارودي).

9- عجره و بجره:سره وكنهه.

10- أبقراط وجالينوس:طبيبان

11-العراقات:-عند المغاربة- :نساء خبيرات في التطبب بالأعشاب.مفرده :عراقة (وتنطق بالجيم الخرساء).والهكسوس:قبائل كانت تسكن فلسطين وما جاورها قديما.احتلوا مصرحتى عام

 1570قبل الميلاد.

12-أفسين وأفيروص:ابن سينا و ابن رشدعند الأروبيين.

13- العم سام والصهر جاكوبز والخال خيسوس:كناية عن الأمريكيين واليهود والمسيحيين.

14- جدود:حظوظ.

15-البواجدة :نسبة للبيجيدي(الاختصار الفرنسي لحزب العدالة والتنمية).

16- لأنه يقضي عقوبة حبسية،بسبب تدوينة فايسبوكية.

17-أهل الصفة:بضم الصاد وتشديد الفاء وفتحها: هم فقراء المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

18- المرملين:مفرده مرمل:فاقد الزاد.

19-البيدوفيل:مغتصب الأطفال والقاصرين.

20- بظراء:بينة وطويلة البظر. واللخناء:التي لم تختتن.

21-قفندر:قبيح.

22- المدررون:مفرده:مدرر:معلم القرآن.

23-نسبة للوزير(محمد بن عبد القادر).

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *