الرئيسية مجتمع حجاب ” لايت “.. خمر ورقص وشيشة وسجائر

حجاب ” لايت “.. خمر ورقص وشيشة وسجائر

كتبه كتب في 11 سبتمبر 2013 - 13:48

وسط الصخب في إحدى الحانات بشارع الزرقطوني بمدينة البيضاء، استطاعت فتاة أن تشد انتباه الجميع بالرغم من زيها الذي يحجب جميع تفاصيل جسدها، لتخطف لقب نجمة الليلة بامتياز، رغم أن الكثيرات لم يدخرن جهدا في إبراز تضاريس أجسامهن ومفاتنهن.
شابة في العشرينيات، متوسطة الجمال، لم تلجأ إلى أسلحة الماكياج والأزياء الكاشفة، وحدها قطعة قماش فستقية موضوعة بعناية على رأسها وحلي تقليدية من الفضة رصعت صدرها المستور، توجتها “ملكة” لتكون محور حديث العديدين من مرتادي الحانة تلك الليلة، الذين وجدوا أنفسهم، مكرهين، يفتون في الدين وهم سكارى.
بالرغم من نظرات وتلصص أعين الجميع، تقف إلى طاولة البلياردو برفقة صديقها، غير مبالية، تداعبه بغنج  ظاهر مما أثار استياء العديدين، أحد مرتادي الحانة لم يخف حنقه، من مشهد “الحجاب والحانة”، حنق الروبيو، كما يناديه ندماؤه، كان بسبب ما وصفه بالإساءة إلى الحجاب، الذي يعتبر برأيه رمزا للعفة والطهارة، فـ”إما أن تحترمه أو ألا تضعه”، يصرخ محاولا إسماع صوته للجميع.
فتاة محجبة تحتسي الجعة قبل أن تنتقل إلى النبيذ وسط قهقهات تتبادلها ورفيقها، “مشهد لم يعتده الكثيرون”، يقول ياسين، أحد العاملين بالحانة، في حديث مع “الخبر”، “إنها ليست الأولى من نوعها فهناك فتيات محجبات يزرن الحانة بين الفينة والأخرى”، قبل أن يستدرك قائلا: “لقد انتقلت عدوى مقاهي الشيشة، ومعها المحجبات، إلى الحانات”.

حجاب بطعم “المعسل”

مقاهي الشيشة، وبخلاف الحانات والعلب الليلية، تشهد تردد وفود من “المحجبات” دون أن تثير انتباه العديد من عشاق “المعسل”. سعيد، مسير إحدى المقاهي وسط المدينة بالدار البيضاء، قال لـ”الخبر” إن المقاهي عرفت في البداية تردد فتيات يرتدين العباية الخليجية، قبل أن تتوافد المحجبات على مختلف مقاهي الشيشة. ويؤكد سعيد، الذي سبق له أن اشتغل نادلا بعدد من المقاهي والحانات، أن مشهد المحجبات في مقاهي الشيشة لا يثير الاستغراب كثيرا كما هو الشأن في الحانات والمراقص الليلية.
مريم، طالبة جاءت برفقة زميلاتها لتدخين الشيشة، لا تجد أي حرج في الدخول إلى المقهى وهي محجبة. في حديثها إلى “الخبر”، قالت إن الحجاب “ليس دليلا على العفة كما يتصور الكثيرون، فمحجبات كثيرات يقدمن على ما تستحي المتبرجات فعله”. وعن وضعها للحجاب، توضح مازحة: “أنا قرعة” قبل أن تستدرك بأن الحجاب بالنسبة إليها ليس سوى “زينة”، خصوصا “أنني أتفنن في اختيار الألوان وتناسقها مع باقي ملابسي”.
وإذا كانت مريم لا ترى أي تناقض بين ارتداء الحجاب وتدخين الشيشة، فإن زميلتها حول نفس الطاولة والتي اكتفت بتدخين سجائر “مارلبورو اللايت”، ترى غير ذلك موضحة أن الأمر يسيء إلى الحجاب الذي يبقى له طابعه الديني والأخلاقي رغم التطورات التي عرفها شكله وتعدد أنواعه.
دردشة “الخبر” مع مريم وزميلتها، لم تدم طويلا، إذ بمجرد دخول شابتين إحداهما ترتدي “عباية” خليجية والأخرى حجابا مع سروال جينز يبرز مفاتنها، حتى ختمت بتأكيد “نظريتها” بالقول: “زمن الحجاب كمرادف للعفة والالتزام قد ولى”.

حجاب وسجائر

على كورنيش العاصمة الاقتصادية كما في حرمها الجامعي، فتيات محجبات لا يترددن في معانقة زملائهن والاحتكاك بهم. تصرفاتهن توحي منذ الوهلة الأولى بأن ارتداءهن للحجاب لا ينم عن دوافع دينية.
المكان: مقصف كلية الحقوق عين الشق بالبيضاء، طالبة ترتدي حجابا ورديا مرصعا بإكسسورات “ذهبية” وسروال جينز أبيض لصيق، تلتف برفقة زملائها حول طاولة تدور فوقها جولة من لعب الورق (الرامي)، بين الفينة والأخرى تعانق زملاءها، دون أن يثير المشهد استغراب باقي الطلبة. الحسين، عامل بالشركة التي تتولى تسيير المقصف، يقول إن الأمر أصبح بديهيا ولم يعد محط استغراب، “وحدهم الطلبة المنتمون إلى بعض الفصائل، التي مازالت تنشط داخل الحرم الجامعي يرفضون مثل هذه السلوك الصادر عن المحجبات أو المتبرجات، لكن تراجع تأثيرها، داخل ساحة الكلية، فتح المجال أكثر لمثل هذه التصرفات”. ويضيف الحسين أن عدد المحجبات عرف زيادة ملحوظة، وضمنهن من يتعاطين التدخين داخل المقصف وأخريات يفضلن الاختفاء عن أعين الطلبة للاستمتاع بنكهة سجائرهن في هدوء.

ستر الزينة بالزينة

بعدد من الأماكن والساحات العمومية، وبعيدا عن فضاءات الشيشة وتقديم الخمور، فتيات يرتدين سراويل ضيقة وتنورات حد الركبة، دون أن يكشفن رؤوسهن، بعضهن فقط، يطلقن العنان لخصلات من شعرهن.
وإذا كان جمهور الفقهاء يؤكد ضرورة ألا يكون الحجاب “واصفا ولا كاشفا ولا شفافا وأن لا يكون زينة في نفسه”، فإن الحجاب تحول في الآونة الأخيرة إلى موضة أظهرت ظاهرة “بيزنس الحجاب”. محلات تجارية بأرقى الأحياء والأسواق الشعبية خصوصا “القيصاريات” مختصة في اللباس الإسلامي. آخر الصيحات من الأقمشة والعبايات وموديلات لمختلف الفئات العمرية، أفقدت الحجاب طابعه الديني وأدخلته سراديب العولمة. وبالرغم من فتاوى عدد من العلماء ببطلانه ووصفه بـ”حجاب التبرج” إلا أن تأثيره فتن عقول النساء وسحر قلوب الفتيات ليصير قطعة من أجسادهن لأسباب كثيرة، فهو يضمن للمرأة أنوثتها ما يجعلها محط اهتمام واحترام في نفس الوقت، كما يضمن لصاحبته، أو يوهمها، أنها الأصلح للزواج في نظر الرجل المغربي المحافظ.
أسباب أخرى جعلت هذا النوع من الحجاب هو المفضل لدى العديد من الفتيات، فهو يوجد نوعا من الاطمئنان عند المرأة المسلمة التي تعتبره لزاما وتعتبر التبرج حراما، وفي الوقت ذاته يعفيها من التكاليف اليومية المرتبطة بتصفيف الشعر وحمل إكسسوارات. هذا الحجاب يخفي مفاتن المرأة، لكنه يبرز بالمقابل مكامن تلك المفاتن ويجعل الاقتراب منها أمنية الرجال.
مشهد المحجبات وسط دخان الشيشة، وأضواء العلب الليلية، لم يألفه بعدُ الكثير من المغاربة. بعضهم، ممن تحدثت إليهم “الخبر”، لم يتردد في استهجان هذه الممارسات والتأكيد على أنها تسيء إلى الحجاب، خصوصا، كمعيار للعفة وحسن الخلق وإلى الإسلام عموما. ويكشف فيلم “حجاب الحب” لمخرجه عزيز السالمي موقف المغاربة من هذه الظاهرة المتنامية، حيث لاقى الفيلم، الذي تدور أحداثه حول فتاة تضع الحجاب وتقيم علاقة غرامية مع شاب يرفض أن يتزوجها بعد أن تحمل طفلا منه، انتقادات واسعة وأثار كثيرا من الجدل، خصوصا في أوساط  الإسلاميين.
مقابل ذلك، ترفض المحجبات ربط الحجاب بالجانب الديني فقط، ويبتدعن له غايات أخرى يوضع لأجلها كالزينة والبحث عن الاحترام والاهتمام دون التفريط في أنوثتهن، وفي أحيان أخرى ارتداؤه التزاما بتقاليد أسرهن وذويهن.

من “الحايك” إلى حجاب الموضة

أنواع كثيرة من الحجاب يعرفها المجتمع المغربي، الحايك واللثام والفولار والنقاب وحجاب الموضة. بعض هذه الأنواع يتم ارتداؤه لدواعي دينية والبعض الآخر لدواعي ثقافية محضة، فيما البعض الآخر يحمل دلالات مذاهب دينية بعينها. لكن ومع ظهور حجاب “الموضة” وانتشاره في الآونة الأخيرة، ظهرت فتاوى تقر ببطلانه ودعوات لتصحيحه.
في مناطق كثيرة من المغرب، كانت النساء قبل سنوات قليلة تستعمل ملاءة عريضة من الثوب لستر رؤوسهن وأجسادهن تسمى الحايك. هذا الجلباب التقليدي بدأ يختفي في مناطق كثيرة من المغرب، وليس فقط من مدينة الصويرة، التي كانت مشهورة بنسائها “المحيكات”. وعوضا عنه ظهرت بسرعة فائقة أشكال جديدة من الألبسة.
إلى جانب الحايك، يعتبر اللثام حجابا محليا ظهر في فاس مع بداية القرن العشرين ثم في مدن أخرى مثل مراكش والرباط وطنجة وتطوان وباقي المدن العتيقة المحافظة. وينسب اللثام إلى مدينة فاس حيث يلبس إلى جانب “القب الفاسي”. ويكاد هذا النوع من الحجاب يختفي اليوم، وحتى النساء اللواتي يلبسنه تخلين عنه لصالح الحجاب العادي.
“حجاب” آخر عرف انتشارا واسعا في المغرب، هو “الفولار”. ظهر بداية السبعينيات وهو لا ينطلق من قيم دينية وإنما للوقار وجلب الحياء. ويعتبر “الفولار” حجابا بسيطا على شكل منديل يغطي الرأس، وهو الأوسع انتشارا بين الأمهات المغربيات.
نوع آخر، أفغاني الأصل، ظهر مع أواخر الثمانينات آتيا من أوربا مع ما يعرف بظاهرة رجال الدعوة والتبليغ. إنه النقاب، ويكون في الغالب أسود يغطي رأس المرأة وكل جسدها، وأحيانا لا تظهر منه إلا العيون من تحت ثوب أسود شفاف.

الخبر

مشاركة