الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات: مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة السادسة

رمضانيات: مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة السادسة

كتبه كتب في 4 أبريل 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                           المقامة السادسة.

                            المقامة الناطورية.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

بعد مضي أسبوع على (مسيرة الشموع )التي استفاضت منا الدموع ،وذاع صدى ضحاياها في كل الربوع ،وبعد أن رفضت  الحكومة كل ابتزاز أو خنوع ،حيث لم يزدها الإضراب إلا غطرسة ،رغم اضطراب كل معهد وثانوية ومدرسة ،وبعد تواطؤ النقابات وتزكيتها  لقرارها في اللارجوع ،عن عقد التعاقدوكل بنود المطبوع …

وبينما نحن  عند ( الناطور) في يوم إضراب — غير مأجور- وبمعية شاعرنا الهصور النابغة اليحياوي الجسور …وفي جلسة لطيفة،مواضيعها ظريفة،وألفاظها رشيقة شريفة،تطرب الضيف وتفرح مضيفه،وتسمو بالقلوب إلى عوالم منيفة،تنسي الإنسان رتابة الحياة ،وذل الوظيفة…

قال الراوي :

فبينما نحن كذلك،في غفلة عن أحوال هذا الزمن الحالك…إذ دخل علينا رجل ذو بثور وهو يدعو بالثبور وعظائم الأمور،بفم أشدق كالغار الأخرق، ورأس دردق ،وماء الغضب من جبينه يترقرق ،والرذاذ من خياشمه يتدفق،وكاد –والله-في وجوهنا يبزق و يبسق ويبصق ،  وبجداول رذاذه يشرق ،وفي بحار لعابه يغرق!…

قال الحاج عمر:

فبدأت ظنوننا في حمقه تتحقق وأسباب رعونته تتأكد وتتوثق حينما خاطب صديقنا الناطور،وقال له بلسان عربي مهجور، وبصوت متهدج مكسور:

-لماذا أنت مأجور أيها الناطور؟!!!… لفتح الأبواب والسير في الركاب،وتقبيل الأعتاب ،واستقبال الجهابذة من الأجلاء الأساتذة،وخاصة إن  كانوا بثقافة بودلير ونباهة موليير،)وإتيكيت( (5)فلوبير،وعنفوان روبيسبيير?!!!… أنت هنا بلا فائدة،كواو(عمرو)زائدة،تقصر يدك عن العمل وتطول عند المائدة!!

فرد عليه الناطوروهويفور:

-الدخول بالسيارات إلى الثانوية محظور،فعد إلى المذكرات أيها الأهوج المغرور،وأنا لست سوى عبد مأمور، وبالعدل مشهور،ومناقبي يتقاصر عن كنهها المنظوم والمنثور،فإليك عني أيها المصدور،تربية المزمار والطنبور!!!

أفق أيها المغرور لست بلائق

                              بمثلي وقد شانتك تلك الفضائح!!

قال الراوي فقلت لصديقي اليحياوي:

-يا بدر البدور،أليس لك رأي فيما وقع من اعتداء وجور؟!!فقال لي وهو يمور:

صاحب الخندريس والنغمات            صاحب الفيل ،صاحب اللعنات

رائد الغش والتقاعس جهرا             ناسف الجد ،حامل الموبقات

لم يك عالما،ولم يــــك إلا                غاشما استعار زي الثقــات

قال الراوي،فقلت له:

-هذا هجاء مركز القذفات،وجواب رادع لكل الدعاة،وانتصار لصديقنا الناطوراللبيب ذي المكرمات،يستوجب عليه منا براد شاي والمكسرات ، ولتكن بمقاس هذه الأبيات لشيخنا أبي عمر الدليل-مد الله في عمره،وأراه حفدة عمره-:

أقم الشاي بإبريق جميل                               واصطحب معه كبابا من (فليل)

وليكن حبا رفيعا من (بكين)                             قد روى العطر نقيا من حقول

واصطحب في شربه لوزا وجوزا                        وارتفق خلا بريئا من فضول

فمقيم الشاي يحظى باحترام                             ويسعد الناس بفعل جميــــــل

اصطبح منه كؤوسا مترعات                           توقظ العقل وتحمي من خمول

ارتجز شعرا رقيقا ومقفى                            وليكن نظما على بحر الخليل؟!!.

قال الراوي:

فتحركت أريحية الناطور ،وسرت  في وجهه  دماء الفرحة والحبور،وغنانا النابغة الهصور وعلى إيقاع الدف والطنبور:

فدارت علينا كؤوس الشراب          من الشاي لا من عقيق المدام

فمن أبيض كذؤاب اللجين                ومن أحمر كلهيب الضرام

بنادي كريم نبيل الأصول                 طويل الأيادي عليِّ المقام!!!

الھوامش:

١-الخضلة:الرفاھیة ورغد العیش.

٢- ازداد الضغث على الإبالة:ازدادت مصیبة على أخرى.

٣-الناطور:المقصود بھ :الحارس أو البواب.

٤-رأس دردق:رأس صغیرة ،والدردق :الصغیر من كل شيء.

٥-الإیتكیت:فن معاملة الناس.

٦- واوعمرو:واو زائدة تكتب ولا تقرأولا تشكل،وقد زیدت ھذه الواو في كلمةعمروللتفریق

بینھا وبین كلمة (عمرعند القراءة.

٧-یمور:یرتج ویھتز.

٨-الخندریس:الخمرة.

٩-أریحیة:شعور ینتاب الإنسان لفعل الخیر وإسداء المعروف.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *