رمضانيات: مقامات العميري- الجزء الثاني/ الحلقة الثانية

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                             المقامة الثانية      

                           المقامة المقدسية.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

غادرت وجاري أستفسرعن أحوال جاري،وأكرع من معينه الجاري ،أدق بابه،وأذوق شرابه،وأتذوق كبابه ،وامخر عبابه، وأستقل ركابه،وأستمطر سحابه…

قال الراوي:

فخرج إلي صديقي وقد علا وجهه الاصفرار والاحمرار،وعندما صافحني كاد ينهار…

فقلت له:

-رويدك يا أبا سهام  وأزهار،ماذا أصابك هذا النهار؟!

فقال بعد أن قفل هاتفه الجوال:

 -ألم تسمع آخر الأخبار؟!لقد بالت الثعالب على الأعارب،وأحاطت بهم المصائب والنوائب من كل جانب ،وأصبحوا شماتة للأباعد والأقارب!وعهدي بك رجلا ذا كياسة ،لا يفوتك أمر من أمور السياسة..!

كيف أرتاح وقد صفع (ترامب)العرب صفعة العصر،فأدوا له الجزية عن يد وهم صُغر، وتهدمت قواعد العروبة ودانت أعلامها إلى الكسر،وزكمت رائحة الخيانة  الأنوف من الخليج إلى البحر، وعقم الشعر وأجهض النثر،وغابت(الشهباء)واحتجبت(دار السلام)وانشغلت مصر،وماتت الممانعة وانتحر الثأر،وعادت المصانعة واستشرى الغدر،وبيعت القدس وقضي الأمر،وشرب الصهاينة نخب النصر،وترنموا (بهيلولة) (1)الفوز والظفر،وترحموا على (بلفور) (2) ووضعوا فوق رمسه أكاليل الورد والزهر،ودعا له بالرحمة كل حاخام وحَبر…

قال الحاج عمر :فقلت له:

-لقد هيجت أشجاني وأوصابي،وسعرت أحزاني و مصابي…ثم قلت مودعا،وكنت في خطاي مسرعا:

-باعك طويل كالخيزرانة ،وفي نفسك أنفة وخنزوانة (3)،سلم الله مقامك السامي ،وأسبغ عليك غيث فضله الهامي …!

قال الراوي:

ثم عدت إلى داري،وأنا أستغفر الله من ذنوبي وأوزاري،فحلحلت زناري،ولبست إزاري،وفاضت عيوني بدموع غزار،ثم هويت فوق سريري فانبلجت كالصبح أساريري،وأسمعت زوجتي شذرات من غطيطي ونوبات من شخيري…!!!

الهوامش:

1-الهيلولة:احتفال يقيمه اليهود بأضرحة أوليائهم.و تحدث الدكتور محمد المدلاوي، الباحث في التراث واللسانيات العبرية، عن مصطلح “هيلولة” فقال: إن كلمة “هيلولة” تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود وهي “هاليلو يا” (הללו יי) ومعناها “سبحوا لله”.

2- بلفور:وزير خارجية بريطاني ،صاحب الوعد المشؤوم المعروف باسمه،والذي دعا فيه إلى ضرورة جعل فلسيطين وطنا قوميا لليهود،وصدر هذا الوعد يوم 2نونبر1917.

3-خنزوانة:بضم الخاء:أنفة وعزة نفس.

4-الزنار:المقصود به هنا:الحزام،والزنار في الأصل:حزام يشد به النصراني أو المجوسي وسطه.