رمضانيات: مقامات العميري(12)

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                                المقامة الثانية عشرة   

مقامة: المطالب المنيفة في جداول الحصص الخفيفة

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

دخلت( أولوز)في كربة تموز ،فأحاط بي زبائني متهافتين على منشطاتي ومعاجني ،فإذا بمجموعة من أفراد القوات المساعدة الذين انتدبهم (أبو الأضراس)للتربص بكل حشاش وفاسدة، إلا من قبل المكس والفائدة ،وألم بكل جوانب القاعدة؟!…

قال الراوي:فأطلقت ساقي للريح في بر (أولوز)الفسيح…ولما شعرت بالأمان والاطمئنان من هذا الكمين الذي نصبه لي زبانية ذاك اللعين،وبعد أن استرجعت أنفاسي ،وعددت فلوسي وأكياسي،امتطيت أتاني ، وعادت إلي روحي وجناني ،فقطعت السباسب والأوعار ،والأودية والقفار،ولسان حالي يقول وأنا أصلي على الرسول:

                وإذا سلمت هامات الرجال من الأذى

                                                       فما المال إلا كقص الأظافر!

قال الحاج عمر: وبعدلأي وصلت إلى (برحيل)ظهرا مسافة كانت كلها خوفا وذعرا،ولما اقتربت من باب الثانوية وجدت الناس في هرج ومرج،فاندسست بين الأنام وأنا لاأبالي بكثرة الزحام ,ولا بدوس الاقدام، ولا من بنظرات احتقارمن بعض اللئام ،أنصار المشنقة والهندام…فإذابأصوات نسائية اصطكت لها مسامع كل زوار الثانوية-وداخل مكتب المديرالنحرير -الذي لايفوته نقير ولاقطمير- تدعو بالثبور وعظائم الأمور:

-لماذا لا يهتم هذا المدير العرضي لا بأقدميتي ولا بمرضي؟!! ويفضل علي ذاك الأستاذ الصغير الذي ليس له في الخدمة إلاعهد،يسير!!…ماء كدر،وقفل عسر!…فما أتمت كلامهاحتى قالت أستاذة ثانية وبنبرة عالية:

سقيا لعهد محطم الأوثان،وقاهر الكرادلة الذين يمنحون صكوك الغفران ،ويعدون بالجنة والرضوان، نور الله طريقه، وجعل السعادة رفيقه…

قال الحاج عمر:  فقاطعها أستاذ ملتح ،وقال غير مستح:

عجوزمحتالة،وطفلة مختالة،وكاعب فتانة،وغادة مجانة…

اسكتا أيتها المتبرجتان المتضرجتان ، الأنانتان المنانتان الحنانتان(1)، هيهات هيهات ان يعود ما فات!!نحن في عهد جديد يديره مدير صنديد أسد (البعارير)(2)الشجعان المغاوير،لايحابي سميرة ولا أميمة،ولا يكترث لابن عم ولا لابنة عمة!!

قال الراوي:فخرج المدير من مكتبه،فتهافت الجمهور لاستكناه ما ألم به و قال:

أنا مدير سقيت ماء الأمانة،وغذيت لبان الديانة،مروءتي ظاهرة،وأفعالي طاهرة، كثيرالإنصاف ،كامل الأوصاف …فاعلموا أيها الرجال أنني لن أخضع لتوسلات ربات الحجال،ولن أغير قراري في توزيع الحصص واستعمالات الزمان،ولومات كل من في الثانوية من النسوان ،بذلك أفتى شيخنا صاحب (الطوفان) و(الحوار مع الفضلاء الخلان)(3)…هذه تصرفات تهز المشاعر  ،وتذكرني بقول الشاعر:

اعص النساء فتلك الطاعة الحسنه

                 فلن يفوز مدير يعطي النساء رسنه

يعقنه عن كمال في فضائلــــــــه

                      ولو قضى في الإدارة ألف سنـــــــــــه!!!

قال صاحبنا :فصفت نفوس الجهابذة،وتبددت مخاوف الأساتذة،فأمنواعلى قراره،وعاد جلهم إلى داره…

فقلت لأستاذ يكتم ألمه وسخطه وبرمه بسبب جدول حصته ،مصدر حنقه وغصته:

خطى الآمال واسعة

            ليل سراها صبحه اقتربــا

فقال:الأعمال بخواتمها

            وليس كل ما يلمع ذهبا.!!!

الهوامش:

1- الأنانتان المنانتان الحنانتان :الأنانة المرأة كثيرة الأنين،والمنانة المرأة كثيرة المن على زوجها إما بمالها أو غيره،والحنانة المرأة كثيرة الحنين إلى أهلها وبيت أبيها.

2- البعارير:اسم دوار بإقليم تارودانت.

3- صاحب (الطوفان) و(الحوار مع الفضلاء الخلان) :المقصود به الشيخ عبدالسلام ياسين زعيم جماعةالعدل والإحسان،صاحب رسالة (الإسلام أو الطوفان)وكتاب (حوار مع الفضلاء الديموقراطيين).