الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات…مقامات العميري(6)

رمضانيات…مقامات العميري(6)

كتبه كتب في 19 مارس 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

  المقامــــةالسادســـــــــــــة.

المقامة الفلسفية الاحصائية

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

دخلت مقهى ( هرمان )بعد خلوه من أعمدة الدخان ،ومن آثار كل من يسمو بالأدمغة والأذهان، ومن جحافل البعوض والذبان ،فإذا بي ألتقي بطالب قديم يعيش في إجازة، منذ حصوله على الإجازة،  يقضي جل أوقاته يستجدي المباسم ،وأعقاب السجائر وجرعات الشاي الممجوج الفاتر،بسبب هذا الزمن الجائر، بعد أن سئم من وعود الحكومة المعسولة وسياستها المشلولة وتسويفاتها المملولة يقضم أظفاره،ويتحسس صلعته وعذاره،ويلعن   (أناكسيمانس) و (أناكسيماندريس ) و( كارل ماركس) و (كارل ياسبريس)وكل من عاشرهم من هيئة الإدارة والتدريس ،ويترحم على (أبي حامد الغزالي) (1)الذي كفر الفلاسفة ولم يبالي، منذالعصور الخوالي، لأن الفلسفة لا تجلب لصاحبها سوى البؤس والنحس وقلة الفلس. فأعدم (سقراط) وسفه (أبقراط ) وأحرقت كتب (ابن رشد) وجلد حتى غاب عن الرشد، ولم يشفع له (فصل المقال)(2)من سوء المآل…

ثم أنشب صاحبنا أصابعه في الجدار، وتملكه الفزع وكاد ينهار، وشاب وجهه الاحمرار والاصفرار، وهو يقول: -أنا لست حالة سيكوباثية ،أنا ضحية الثيوقراطية، والأطوقراطية،والبيروقراطية وغياب الديموقراطية…

قال الراوي:

 فظننت أنه فقد أعصابه ، ودنوت منه أستفسره عما أصابه فقال:

-ابتسم لي الجد(3) هذا العام حيث تم قبولي (باحثا)في الإحصاء العام ،فقررت ألا أضيع هذه الفرصة وأن تكون لي من هذه الغنيمة حصة، فأصبح تاجرا جوالة ،فأتاجر في الهواتف الجوالة، أو حتى في الخبز اليابس والنخالة ويرتفع قدري عند حبيبة القلب ( علالة)فتعلم أن حظها لم يكن عاثرا، وأن حصان رهانها لم يكن خاسرا،وأن من صبر وتأنى تزوج من تمنى…ولكنني خلال فترة التكوين لم أكن أهتم بالتدوين، لأنني كنت شارد الذهن ناعس العين. ووالله لاأدري كيف سيكون مصيري يوم الاثنين؟! كنت دائما خارج التغطية ،ولا أهتم سوى بالازدراد والتغذية ،قال الحاج عمر:فقلت  له :

-أنت ياصاح كعريس عنين دخلته يوم الاثنين ،ولكن لاتقلق فقد قضيت الحاجة فانذرلي رغيفين ودجاجة و(براد) شاي أو زجاجة! خذ قلما وورقة ،ودون هذه المعلقة:

وبعد إن العلم فرض لزما               ***          كل امرئ مكلف أن يعلمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

ماأوجب (الحليمي)(4)من الأحكام***          عليه فرضا في الإحصاء العــــــــــــــــــام

يا سائلاعن صيغة الإحصاء            ***         ركز معي تدركه في صفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء

تملأ لي في الورقة الواحده  ***السكان المحسوبين على حـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــده

وعابرا بفندق قد نزلا***أو مريضا أو مسجونا اعتقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا

برقم الأسرة يا باحث اعتن*** وبالترتيب كذا رقم المسكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن

عن تاريخ الإحصاء اسأل والمرجع***كن حذرا لاتملأن حتى تعـــــــــــــــــــــــــــــــي

باحثة جميلة مليحه***أخطاؤها محسوبة صحيحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه

يجلها المراقب المسؤول***يصغي وينصت لما تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول

وباحث يكون حرا ذكرا***مكلفا والقرب فيه اعتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا

كن مصحوبا دائما بالمقدم***تغذية ومأوى صاح تغنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم

واسأل الله بجاه أحمد***وآله الغر بلوغ مقصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي

قال الراوي:

فانفرجت أساريره ،وتبدت مثل الصبح تباشيره ،فنزع الغمامة(5)،ولبس العمامة، ونسي كل تبكيت وملامة،ثم قال لي:

نذرك مأمون، وحقك مضمون، وحبك في نياط القلب مدفون.!!!

الهوامش:

1- الإشارة هنا إلى كتاب (تهافت الفلاسفة) الذي حمل فيه أبوحامد الغزالي حملة شعواء على الفلاسفة والفلسفة.

2- المقصود كتاب أبي الوليد بن رشد(فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)والذي حاول فيه التوفيق بين الفلسفة والدين.

3-الجد:بفتح الجيم :الحظ.

4-المقصود:أحمدالحليمي العلمي:المندوب السامي للتخطيط.

5-المراد هنا بالغمامة:الكآبة والحزن.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *