الرئيسية اراء ومواقف في دلالات الاحتفال براس السنة الميلادية

في دلالات الاحتفال براس السنة الميلادية

كتبه كتب في 12 يناير 2013 - 02:14

تحاول هذه المقالة رصد أهم دلالات احتفال المسلمين برأس السنة الميلادية والإقبال الكثيف عليها بنفس الطريقة التي يحتفل بها النصارى:

1- التاريخ …رؤية إلى الكون

2- الإمبريالية النفسية

3- التمركز حول التاريخ

1- الرؤية إلى التاريخ… رؤية إلى الكون

ليس التقويم التاريخي المعتمد عند كل أمة هو ذلك الوعاء الزمني الذي تضع فيه أحداثها ومنجزاتها فقط، وإنما كذلك هو انعكاس لفلسفتها وتصوراتها حول الكون إلها وطبيعة وإنسانا فقريش لم تختر عام الفيل مستهلا للتأريخ إلا لما تحمله الكعبة من قدسية عند الإنسان القرشي والنصارى لم تختر ميلاد المسيح إلا لأنه ابن الإله المخلص للبشرية من آثامها وخطاياها والمسلمون لم يختاروا حدث الهجرة إلا لما يمثله من مفصلية في تاريخ المسلمين.

يشير المفكر المصري عبد الوهاب المسيري رحمه الله في مقالة له بعنوان الإنسان والتاريخ إلى أن الرؤية إلى التاريخ تعبر عن الرؤية إلى الكون فنقطة التقاطع بين الخالق والمخلوق في الإسلام كانت القرآن حتى يحافظ المخلوق على نسبيته وتبقىى للإله إطلاقيته وتجرده عن الزمان والمكان، وهذا له دلالته في جعل الإنسان حرا في الاختيار بين الشر والخير والرجوع عن ذنوبه والتوبة عنها. وما موت الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ضمانة من الرب لترك الإنسان حرا في التاريخ على عكس المسيحية التي جعلت التقاطع بين الله والإنسان هو عيسى بن مريم ابن الله ومخلص البشرية ليحل المطلق في النسبي ويختلط التاريخ المقدس مع التاريخ النسبي من خلال التضحية بنفسه فالتصور المسيحي للخطيئة الأولى التي ارتكبها كل من آدم وحواء انسحبت على البشرية ولا سبيل لهذه الاخيرة للتوبة إلا نزول الإله من السماء إلى الارض وحلوله في الإنسان وتضحيته بنفسه حتى يخلص البشرية. ولا يقف الأمر عند هذا االحد فالتقويم الميلادي يؤرخ للصراع التاريخي بين المسيحية والوثنية وبين الديني والدنيوي وبين الكنيسة والأباطرة ذلك أن اعتماد ميلاد المسيح مستهلا للتأريخ لم يتم إلا في منتصف القرن السادس وأما الشجرة التي يتم الاحتفاء بها في أعياد الميلاد فأصلها وثني روماني ولا تمث بأية صلة إلى المسيح عليه السلام وما المزج الذي قام به بولس بين الوثنية من أجل انصهارها في المسيحية مع مرور الوقت والذي انتهى بتروم المسيحية إلا بعض الشواهد على ذلك .

2- الإمبريالية النفسية

أدرك الغرب في مرحلة من المراحل أن الامبريالية العسكرية والمواجهة المباشرة لا تؤتيان أكلهما بطريقة جيدة فطور أساليبه الامبريالية بما يحقق له أرباحا مادية كبيرة ويضمن بها في نفس الوقت تبعية مطلقة لثقافته فصنع قطاعا خاصا سماه المسيري قطاع اللذة يتفنن في إغراء الإنسان من خلال الصناعات الاستهلاكية والتسويق لها من خلال الإشهار اقتناعا منه أن الإنسان ذو بعدين : اقتصادي وجسماني. وهكذا مضى يستغل كل شيء في الترويج لسلعه بما في ذلك الاعياد الدينية والقيم الإنسانية، فإذا كان النصراني لم يعد يمثل له عيد الميلاد السنوي سوى فرصة للتبضع والاستهلاك وممارسة كل ما يشبع رغبة الجسد فكذلك الامر بالنسبة للإنسان المسلم الذي يحتفل بهذه المناسبة ليس اعتقادا ولكن نفسه الطماعة التي لاتشبع هي التي تتحكم فيه فتجعله يقتني قنينة الخمر والحلوى ودمى بابا نويل ويسهر حتى الساعة الصفر ليقوم بحركة متماهية مع الملايين من العالم معلنين في وقت واحد انتصار النمطية والقيم الشهوانية على القيم الربانية والإنسانية

3-التمركز حول التاريخ:

لطالما اعتقد الإنسان الأروبي بتفوقه على الآخرين وعلى أنه يحمل عبء الكرة الارضية على كتفيه من أجل تخليصها من الجهل والتخلف، ومن ثم فلا تاريخ إلا تاريخه، هو مركز كل التواريخ بل إن التواريخ الأخرى تتلاشى أمام التصنيف الاوروبي للتاريخ: قديم، وسيط وحديث فحيث يكون تاريخ الاوروبيين مظلما فالأرض كلها مظلمة وحيث يكون حداثيا ومتنورا فالأرض كلها متنورة ، يحكي المنجرة في كتابه قيمة القيم عن التساؤلات التي طرحها لما وجهت له الدعوة في فرنسا للاحتفال مع زمرة من المفكرين والفلاسفة بإحدى ذكريات الثورة الفرنسية الشهيرة كيف أن ماكانت تعيشه فرنسا قبل الثورة هو نفسه ما تعيشه دول العالم الثالث؟ كيف تدعم فرنسا أنظمة الاستبداد في العالم الثالث ؟ كيف لم تنتشر القيم الكونية التي جاءت بها فرنسا؟ ثم يستغرب كيف أن الفرنسيين سيحتفلون بذكرى الثورة الفرنسية وبالقيم الكونية التي جاءت بها ثم في الصباح سترصد الصحف تكسر كعب حذاء أحد اللاعبين الرياضيين في الوقت الذي يموت فيه العشرات في القرن الإفريقي من الفقر والجوع؟

الخلاصة هي أنه ربما كان الإنسان المسلم الأكثر تأهيلا إلى مقاومة ثقافة الاستلاب منه عن أي إنسان آخر لما يمتلكه من منظومة قرآنية ونبي كان يمتلك رؤية ثاقبة فيما يمثله التاريخ والتعامل معه من فلسفة خاصة بكل مجتمع، ولذلك لما قدم النبي (ص) المدينة فوجد اليهود يحتفلون باليوم الذي نجى الله فيه موسى قرر صيام يوم عاشوراء تعبيرا عن الامتداد الرسالي الذي تمثله الرسالة الخاتمة وفي نفس الوقت عزم على صيام يوم قبله أو بعده تعبيرا عن التمايز العقدي والفلسفي في النظرة إلى التاريخ بين الامم.ولكن أمة نسيت ماضيها ستكون عالة على حاضرها ومستقبلها.

مشاركة