الرئيسية ثقافة وفن قراءة في كتاب رحلة عبر الأمواج

قراءة في كتاب رحلة عبر الأمواج

كتبه كتب في 21 أغسطس 2014 - 16:19

رحلة عبر الأمواج، عنوان اختارته نزهة العمراني لقصتها الجديدة، تجربة أبانت من خلالها المبدعة الشابة عن موهبتها الإبداعية بأسلوبها البسيط الذي أصرت على أن تحكي به عن أبطال قصتها ، اسلوب يمزج بين البساطة اللغوية، والسرد التلقائي للأحداث، والبعد عن الوصف الدقيق للأشخاص والأماكن والأزمنة والأجواء.

        قراءة واحدة لأحداث القصة تكفي القارئ لاستيعاب أمواجها السبع، فالكاتبة نزهة العمراني تعمدت من خلال أسلوبها في الحكي أو أو من خلال العفوية في التحرير  أن تقسم فصول قصتها إلى أمواج، أو موجات ، بحيث جعلت من أبطال قصتها شخصيات متضاربة ومتضادة، من حيث التربية والتكوين، والعادات، فمن شاب اختارت له اسم ابراهيم المستقر الوضع، المتزن العقل، المتخلق، والراشد ، إلى يوسف المتقلب السريع التأثر بالمحيط، والمتأرجح بين الرجوع للشرد والإنجراف وراء سبل الانحراف، وانتهاء بيزيد المتعجرف، المنحرف، السكير ، المصر على دفع أصدقائه للإنحراف، لكنه مع كل ذلك تمكن من جمع ثروة مهمة مكنته من امتلاك سيارة فاخرة وشركة .

        أصرت نزهة ، على أن تدعم احداث قصتها وتستدل من خلالها بآيات من القرآن الحكيم، كما لو أنها توجهها للفئة الناشئة وتريد أن توجه عبرها رسالة لهذه الفئة بالضبط، وفي الواقع قصتها تصلح بالفعل لتلقينها للناشئة لأخذ العبرة من فصولها وأحداثها.

        في موجتها الأولى، تحكي القاصة عن يوسف الذي اعتبرته بطل القصة ، عن تقلبه بين رغبة في الاقتداء بصديق طفولته ابراهيم، وبين الانجراف وراء نزوات يزيد الذي حل بنفس العمارة التي يقطنها، ثارة يعود إلى توازنه الأخلاقي، وثارة ينحرف ويدخن مخدرات وسجائر ويعاقر الخمر، تعرف على فاطمة وأحبها ، وضل يكن لها احتراما إلى أن باغتته شيطانية يزيد الذي ذكره بما كان يقوله من أن التي سرت معها يوما في الشارع لا تصلح لأن تكون زوجتك، فهي لا شك سهلة المنال وقد تكون فعلت نفس الشيء مع غيرك ،  حاول يوسف صد يزيد ومنعه من التحدث في أمر فاطمة، إلا أن ذلك لم يمنع من أن يعيد التفكير في علاقته بفاطمة، اقتاده تفكيره إلى خطة وقحة أدت إلى الإيقاع بفاطمة وإفقادها عفتها قبل أن تغادره في اتجاه المجهول..

        نزهة من خلال أمواجها السبع لم تدخر شيئا من الإثارة ، بل تعجل في كل موجة بإثارة القارئ وشده إليها لإكمال قراءة الباقي، أرادت ليوسف أن يتزوج في موجتها الثالثة بعد أن احترس جيدا من ألا يقع في فخ امرأة غير عفيفة ، ترصد للتي رغبت أسرته تزويجه منها، وضل يلاحظ تحركاتها ، حاول التحرش بها دون أن تلتفت له إلى أن اعتقدها المرأة التي يريد، تزوج بها ليتفاجأ مند أول ليلة بسقوط قناع العفة عنها حيث فوجئ بفقدانها بكارتها في واقعة لم يعلم ظروفها، جعلت الكاتبة بطلها يقتنع بوجوب سترها ، عملا بأن من ستر مسلما ستره الله، وتعايش معها لكن بقلب منكسر، داق معها مرارة العيش، مشاجرات مستمرة ، عنف جسدي، ونفسي.

        ويوسف يتسقبل مولودا من زوجته الغاضبة واللابثة ببيت أهلها بعد تعرضها للعنف ، يعود ليتودد إليها فرحا بكون سيصير أبا، ضل على حاله وأبت كاتبتنا إلا أن تجعل من زوجته رافضة للإذعان وفارضة شروطها بأن تبقى ببيت أمها إلى أن تضع حملها وكان لها ذلك.

        عرجت القاصة على والدي يوسف لتظهر ما هما عليه من عدم استقرار داخلي ، وما يعيشانه ويتعايشان معه من مشاكل ثنائية، أوقدت في يوسف رغبة في انتقاد أبيه والانتصار لأمه من خلال خطابه الانتقادي ، لكن يوسف في ذات الوقت نسي أنه يعيش مشاكل أفظع مع زينب زوجته التي لم ينس أن غيره نال منها قبله، ضل يكن لها حقدا، ثم تحولت الأمور لتصبح هي من تتحكم في كل شيء، أصبحت تعامله بجفاء ، وتفرض رغباتها، وتصر عليها دون أن يكون بيده حل.

        انغمس يوسف في بحر الانحراف ومعاقرة الخمور لينطلق إلى عالم القمار في الموجة الرابعة بتشجيع من يزيد الذي صور له القمار على أنه الباب الأوسع للثراء الفاحش، وما يزال على حاله إلى أن فقد كل ممتلكاته ، تدخل يزيد ليشعره بمعنى أن يكون صديقه، فشغله بشركته الخاصة ويستعيد توازنه المادي ، لكن استعادته استقراراه المادي لم يكن سوى بداية جديد في عالم الانحراف .

        تسارعت الأحداث في الموجة الخامسة حيث يكتشف يوسف أشياء أخرى في طريقه، ابنه يتعرض لمحاولة اعتداء من يزيد، وتظهر القاصة سعيد ( الإبن) وهو يثق في معلمه ويحكي له عن معاناته ، وتظهر المعلم وهو يستدعي يوسف ويوصيه بابنه، ثم يوسف وهو يتشجع ويشي بصديقه لدى الأمن ليكتشف بكونه موضوع بحث ، وكون الأمن فشل في القبض عليه، ثم كون يزيد يزور بيته في غيبته…

        القاصة أبانت في بعض أحداث القصة عن ضعف في الإلمام ببعض الأمور، ولعل ذلك واضح من خلال دهابها إلى أن يوسف عاد إلى الشركة وضل يتفحص الملفات التي مرت من بين يديه، ليكتشف كونه مغفل، وأن الشركة وهمية، وأن نشاطها مختلف تماما عما دون بالأوراق، وهذا ليس في الواقع ما يمكن أن يزكيه ، لكن رغبة القاصة في إظهار بعض جوانب قصتها دفعتها إلى ذلك على ما يبدو.

        عادت القاصة من جديد بيوسف إلى عالم التدين والورع، فصورته لنا باكيا خاشعا متضرعا ونادما ، سهر الليلة كاملها بمكتبه بشركة يزيد، وفي الصباح توجه مجددا إلى مخفر الشرطة يحكي قصته مع يزيد.

        صورت القاصة يوسف في مظهر البطل الذي طالما ضل غبيا ، عاش مع امرأة تخونه مع صديقه، وهذا الأخير مع أنه ثري، يشغل محلا بحي صفيحي يتخذه وكرا لمعانقة خليلته دون أن يظهر في صورته الحقيقية، بل في صورة امرأة منقبة وبكماء ، تعقب زينب مستعملا سيارة أحد اصدقائه، وتحلى بالصبر إلى أن ضبطها تلج محلا صفيحيا وتأكد من أنها برفقته خليلها، واستدعى الأمن الذين حضروا واعتقلوهما وشكروه على حسن صنيعه بالمساهمة في إيقاع زعيم أكبر عصابة في قبضتها.

        يوسف في ذات الموجهة يقتنع بأن سعيد ليس ابنه، وأن ما كان يضنه طيلة تسعة أعوام من أنه أب ، وأن سعيد ابنه كان مجرد وهم، لم يأثر الصمت بل آثر كشف الأمر أمام سعيد، وهذا الأخير لم يستوعب مؤكدا أنه لا يصدق أن يوسف ليس أباه، بكى يوسف لشدة تأثره بالموقف، وعانق سعيد، وطمأنه على أنه سيبقى معه ، وأن أمه ستلقى جزائها.

        بعد غياب طويل لابراهيم في أحداث القصة عاد مجددا لكن هذه المرة بصفة وكيل الملك ، فاتزانه ورزانته وتخلقه وحرصه على التعلم وعلى الارتقاء في مسارات حياته أهلته ليضطلع بدور وكيل الملك، وشاءت الكاتبة أن تجعله نفس الشخص الذي يقدم أمامه الثلاثة ، يزيد كمشتكي وزينب ويزيد كجانيين، أسهبت الكاتبة في وصف المشهد ، وخاصة مشاعر يوسف وابراهيم.

        لكن خيال الكاتبة وربما تأثرها ببعض الأفلام الرديئة ، جعلها تخرج من الواقع إلى الشبه مستحيل حينما جعلت ابراهيم بصفته الجديدة يعد بتخصيص حراسة خاصة لصديقه لكي لا يبطش به أفراد العصابة ..

        صدمة يوسف حينما وجد ةنفسه مجبرا على التخلي عن سعيد الذي سيسلم لأبويه الحقيقيين ما جله يتعرض للإغماء .

        ما تزال الكاتبة تتحدث عن قوة وضعها ابراهيم لحراسة يوسف حينما استفسره هذا الأخير عن مصدر علمه بوجوده بالمشفى، ثم تتحدث عن آفاق في الحياة ليست سوى في الخيال يتيح من خلالها ابراهيم ليوسف الفوز برفصة عمل جديدة بآمدلو حيث بدأت أحداث القصة، ولوحظ على القاصة أنها كل مرة تحدث عن رزمة من المال، مبلغ مهم من المال، شيك بضعف ما طلب من المال، كلها عبارات ربما تكشف عن محدودية سلبية في التعامل مع المال على مستوى القصة لدى الكاتبة.

        الموجة السابعة والاخيرة عاشتها القاصة بأمدلو، مدينتها الفاضلة ومدينة بطل قصتها، ارتأت هذه المرة أن تصف المدينة وتجعل القارئ يستفسر عن مكان وجود هذه المدينة، وما تزخر به، وما مميزاتها، وما يجعلها في نظر القاصة جميلة وجدابة، فجأة ودون سابق تلميح أو توضيح لزمن مضى من عمر القصة أظهرت القاصة بطلها في مظهر الرجل المسن الهرم الذي يتردد على شاطئ البحر حيث يسبح في تأملات عميقة .

        البطل الهرم يعيش مفاجئات مختلفة ومتسارعة، فاطمة التي كان قد اغتصب طفولتها عادت إلى الظهور ، أمين الشاب الثري ينبش في ماضي والدته، يبدي تعلقه بمريم ابنة إبراهيم الذي ليس سوى صديق يوسف…

        ابراهيم يطلق صيحة معلنا ليوسف أن أمين ليس سوى ابنه من فاطمة ، يوسف يعجز عن التصديق، إنها بالنسبة إليه أكبر من مفاجأة ، كان من السهل على أمين أن يصدق أولا لما سبق ذلك من تلميحات مساعدة، وخاصة اكتشافه لحقيقة عقم من كان يعتقده أباه …

        اختتمت القصة بلحظات تسارعت فيها الأحداث ، تم كشف خيوط القصة التي كانت خفية حتى النهاية، واحتفل الجميع ..نهاية سعيدة لرحلة عبر سبعة أمواج.

مشاركة