الرئيسية اراء ومواقف عجائب الدنيا الجديدة: فن الكلام

عجائب الدنيا الجديدة: فن الكلام

كتبه كتب في 2 مايو 2013 - 22:56

عجائب الدنيا السبع كانت ولا زالت شاهدة على روعة الابداع البشري في الأزمنة الجميلة، غير أن من حصروها في سبع، قد ضيقوا واسعا، فعجائب الدنيا لا تنقضي ولكل زمان عجائبه، عجائب البشر وعجائب الحجر وعجائب الشجر وعجائب البقر…، من أربع حلقات، أقدم لكم الحلقة الثالثة بعد “الأمهات العازبات والأمهات الخادمات (1)” و”الأحياء الموتى (2) “.

هل أتى على الكلام حين من الدهر أصبح فيه لغوا منشورا ؟ تربع اللسان داخل الفم، وتهافتت شركات الاتصالات تغري زبناءها بكثرة الحديث، وتمنحهم على ذلك أرصدة إضافية لقول كل شيء وأي شيء في زمن معدود، وإذا انتهى الكلام وبقي الرصيد فثرثروا رحمكم الله، فاللغو المباح اليوم مؤدى عنه بطرق مختلفة.

إن كل ما كنا نعتقده بالأمس طبيعيا تحول بفعل التقدم التكنلوجي اليوم إلى مجال للاستثمار، حتى التبول وماوالاه أعزكم الله، صارت له مقاولات خاصة تستهدف خدمة الزبناء على النحو الأفضل.

الكلام أصبح فنا يمتهنه العديد من الناس:المغنّون والسياسيون والزعماء والخطباء والكتاب وأصحاب الحَلقة بجامع الفنا وغيره من الأماكن …

والكلام على مستويات، منه المباح والكلام عن المحظور والكلام عن الحقائق والحق والكلام في السياسة…

كلام مباح، وهو كلام العوامّ، عن الرياضة والحوادث والجنس والدين والأخبار والسياسة…

الكلام عن المحظور حوله بعض الخبراء من مجالس العوام إلى نقاش عمومي تحت يافطة الانفتاح والجرأة، كما فعل صاحبنا المتهكم على رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم :”أسلم تسلم”، هذا الكلام يصبح طريقا إلى زيادة الأسهم في بورصة الشهرة، هذا الطريق السهل الذي يسلكه كل فاشل أو ناقم أو حاقد، معادلته سهلة: احتقر الدين وأحكامه يعرفك الناس وتصبح حديث  القاصي والداني، هؤلاء الشواذ قاسمهم مشترك، الخروج عن القاعدة والمألوف، لكنهم نسوا أو تناسوا أن الحق كالجبل الشاهق وهؤلاء كالأكباش التي تنطحه بقرونها لتنال منه، وسيأتي عليها يوم تتكسر فيه قرونها، فالجبل متين لأن أصله في السماء وظله في الأرض.

الكلام عن الحقائق والحق وهو كلام العلماء والبلغاء والحكماء والفصحاء، لاتحركهم نزوة إلا رغبتهم في تنوير عقول الناس وتعليمهم، أحرفهم معدودة وكلماتهم موزونة، الأصل عندهم الصمت والاستثناء عندهم الكلام.

الكلام في السياسة وعلى لسان السياسيين، هو الكلام غير الثابت، فئة تقر بالأزمة وأخرى تنكرها وتقول كل شيء على مايرام، هؤلاء يعترفون بوجود الفساد والآخرون يجحدون ذلك ويرفعون أصواتهم  بالنقاء والطهر، إنه الوجه المشترك على حد قول المغاربة:” الوجه المشروك، عمرو ما يتغسل”.

                            بقلم مصطفى باحدة

 

مشاركة