الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات: مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة التاسعة

رمضانيات: مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة التاسعة

كتبه كتب في 8 أبريل 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                                المقامة التاسعة.

               مقامة :بلاغة وفصاحة في فوائد الوقاحة.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

سريت إلى أولوزفي ليلة من ليالي أيام برد العجوز)  (1،في مهمة محظورة لاتجوز،فاتصلت بالجماعة،واختبرت المناعة،وتفحصت البضاعة،وحددنا السعر،واتفقنا على مكان التسليم والموعد والساعة…

لكن الأمر كله كان مجرد فقاعه،لقد نصب علي يا للبشاعه!ونال الصفقة غريم لم أشهد له يوما بالبراعه،لكنه حصن دفاعه ،ومكن ارتفاعه…

قال الراوي:

فذهب نومي ،وزاد همي،في ليلتي ويومي،فنتفت شاربي ،وحلقت حاجبي،وضاقت علي مذاهبي، وأيقنت بدنو معاطبي،وتعطل مواهبي،وتقلص مكاسبي،ونبوة قواضبي (2)، وانطفأت نار حباحبي ) (3،و أصبحت يواقتي زجاجا ،وصارت شواهني دجاجا،وتحول فراتي ملحا أجاجا…

قال الراوي:

…واستمرت حالي الأيام والليالي حتى زارني صاحبي، نديمي ومؤادبي أبو بسمةالطالبي حيث بادرني قائلا:

-لم نتفت شاربك ،و حلقت حاجبك،وهجرت مؤادبك ومشاربك؟!

                     العُمرُ أغلى بضاعه         فاصرفهُ في اللَّهِ طاعه

                    واربأ بنفسِك عن أن         تكونَ مِمَّن أضاعَـــــه

فقلت :

-نتفت شاربي ،بعد أن جفت مشاربي ،وتنكر لي أهلي وأقاربي،وكبت في أدغال الأحزان ركائبي،وعثرت في متاهات الأشجان نجائبي ،وتناسلت  الدواهي بين تلاببي وجلاببي،ونسي الناس مناقبي ،وغالوا في التشهير بهناتي ومثالبي،فتأسيت بقول أبي منصور الثعالبي :

               فقد ينبت المرعى على دمن الثرى      وتبقى حزازات النفوس كما هيا

…كانت حياتي جاريه كالشمس الضاحيه في السماء الصافيه،أرفل في بحبوحة وعافيه،مع الفئة الناجيه… !!!يسعفني الوزن،ولا تستعصي علي القافيه ..خصومي تكون حجتهم دائما واهيه،أحابيلي دائما فوق السماك ) (4،وألاعيبهم دوما إلى الهاويه،وأنا عمرو الأرطبون (5) الداهيه،أخذل عليا وأنصر معاويه!!!تخريجاتي تعطل الحدود،وتبرطل الشهود،وتبرئ اليهود من دم المسيح ومن تحريف التوراة والمشناة ) (6والتلمود!!!

قال الراوي :

فرد علي صاحبي كأنه مغاضبي:

-ولماذا تحولت من متفائل بجح إلى متشائم وقح؟.

فقلت:

– هذا زمان لا ينجح فيه الوقح المتكفف فكيف ينجح فيه الحيي المتعفف المتلطف!!!?

فالوقاحة- كما يقول المثل – كالقداحة بها يستعر اللهب ويشتعل الحطب،وينال الأرب،وتحصل الرتب،ويحصل الطرب،ويظهر العجب…بالوقاحة والبجاحة ،يحكم العالم رئيس الميريكان ،فينبز الألمان،ويبتز      العربان ،ويأخذ منهم الجزية ،ويعامل مساحلهم كالأقنان ، ويساومهم على أرض كنعان ،ويلوح لهم بفزاعة إيران ،فأضحوا كالمساطيل يقدمون له الهدايا والبراطيل ،ويمولون جيوشه والأساطيل ،ويبتاعون منه صكوك الغفران…ويخوف كوريا و اليابان ويعوم الين ويغرق اليوان،ويساوم أردوغان،ويحمي فتح الله غولان،ويغض الطرف عن اغتيال خاشقجي وحبس عبد الله أوجلان، ويعترف للصهاينة بالسيادة على الجولان، ويشرعن الاستيطان، وبالوقاحة دمر ابن سليمان مملكة سبإ وبلاد الإيمان وبالوقاحة كشطت جلق وبغداد وطرابلس والدورالآن على لبنان أوبلاد السودان ،ولولا الوقاحة لما بقي أبو تخريقة في كرسي الحكم بالجزائر دقيقة،وبالبجاحةعاد كناسة الكناسة إلى كرسي الرئاسة بعد أن لوث السياسة ،وخذل شركاءه من الساسة،وبالوقاحة يسرق نواب الشعب حلوى البرلمان ،ويلفونها في أكياس محظورة صدر بشأنها )فرمان( ( 7)   ،وبالبجاحة  سيطر مصباح الظلام،فعطل الحلوم  ) 8 (ووأد الأحلام ،وجاء بنواميس هي الموت الزؤام،فاحتضر القطاع الخاص، وحشرجت روح القطاع العام،وسرى سحره في بعض حوارييه ومريديه من العوام فأصبحوا كالأغنام،يسبحون بمدحه،وينددون بنقده وقدحه!!!

…زعيمهم ولي بر خاشع أواب،قصره المحراب،ولباسه الجلباب ،كثير الصيام رؤوف بالأرامل والأيتام والعزاب، يكره الإيجاز ويحب الإطناب، دعاؤه مستجاب ،وبيده مفاتيح جميع الأبواب ، منزلته بين العير)  (9والبرذون، )  (10ومعاشه كل شهر تسعة من جنس المليون!!!

ولله در القائل أيها المتكاسل:

                          ليس للحاجات إلا             من له وجه وقاح

                            ولسان ذو فضول             وغــــــدو ورواح

وإليك هذه الأبيات الحكيمة من صاحب اليتيمة:

من طالب الناس بالإنصاف أحقدهُم         ومن دعاهم إلى الآداب عابوه

ومن دعاهم إلى فحش ومخزية                 وسوء فعل وتخليط أجابوه

الهوامش:

1-أيام برد العجوز: هي الأيام الأخيرة من فصل الشتاء،وإليك أسماءها: صن وصنبر ووبر وآمر ومؤتمر ومعلل و مطفىءالجمر .

2-قواضبي:سيوفي،وفي المثل:لكل عظيم هفوة ،ولكل جواد كبوة ،ولكل صارم نبوة.

3-نارُ الحُباحِبٍ: ذبابٌ يطير بالليل كأنه نار.

4-السَّماك:نجم في السماء.

5- الأرطبون داهية من دهاةالروم،وأرطبون العرب لقب الصحابي الجليل عمرو بن العاص.

6-الفرمان:القانون أو المرسوم باللغة التركية.

7-المشناة مجموعة من الشرائع المروية شفاهة، ويَعُدُّها اليهود المصدر الثاني للتشريع بعد التوراة.

8-الحلوم :العقول.

9-العير:الحمار .

10-البرذون:البغل.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *