الرئيسية اراء ومواقف مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة الخامسة

مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة الخامسة

كتبه كتب في 3 أبريل 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                              المقامة الخامسة.

                               المقامة اللغزية.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال :

لما حكم برجمي ووجبت في الحدود،وحق في حقي ما لقيت(ثمود) ، ودهاني ما دهى   أصحاب يوم الرس 1) (والأخدودِ( 2)،استعرت في صدري نار ذات وقود،وانغرز في فؤادي ألف سفود و سفود،وانفرطت قلائدي وقدت العقود، فصدعت فؤاد الصخرة الصيخودِ(3)،وانفطر  لخطبي قلب العاذل والخل والحسود… قال الراوي:

فاستعذت بخالقي المعبود ،واستخرت رب العزة القاهر واجب الوجود ، الصمد المعبود، الحق الودود، الفاتح الباسط وهاب الجدود،  الوارث الباعث هامد اللحود…

فاستقر رأيي وقراري على مغادرة جحري ووجاري إلى وجهة غير ذات قرار،لا يفيض القلب فيها بالأكدار،أو أزور أحبابا فارقوا وازوروا عن جيرتي وجواري،فالموت أحب إلي من مقام على ضيم وخسف وصغار!!!

قال الحاج عمر:

فانطلقت مهرولا وعلى الله كنت معولا…فإذا بمجموعة من أصحاب المباسم بمعية رفقة من المحارم من ذوات الخلاخل والكلاثم (4)ينادونني، وبكنيتي يخاطبونني :

-رويدك يا أبا نجاة!ألا تخاف  من السعلاة وأنت تسير وحدك في هذه الفلاة؟!

فقلت :

-السعالى والغيلان والمردة من عتاة الجان أرحم للإنسان من الإنسان!!!

فرد علي كبيرهم زعيمهم وأميرهم:

-مجلسنا يشفي االقلوب ويبرئ من أضناه لسع النوائب والخطوب!

-نحن الآن نشغل وقتنا في فك الألغازبعد أن نفدت مساعطنا والأكواز،فاسل الهموم ولا يشنوك –ما عشت-هماز ولماز!!!فما حل هذا اللغز؟:

– وما شيء له حدٌّ وخدٌّ             يكلّم من يلامســـــــــــــــه بحقِّهْ

وكلٌ حلقه من تحت رأسٍ         وهذا الرأس يصبحُ نحت حلقهِ

فقلت :هي الموسى يا أبا موسى،ولله ذر القائل –زادك الله نعمه والفضائل-:

رأيت في جلق غــزالا                      تحارُ في حسنهِ العيونُ

فقلتُ :ما الاسم؟ قال :موسى         قلت: هنا تُحلَقُ الذقونُ

ثم فاجأني وزيره وزيره:

يا سائلا عمن هويت حسنه           ذو شهرة في الناس وهو يصان

خوف الوشاة أجبت عنه ملغزاً      هو ثالث من سبعة وثمــــــــــان

فقلت مجيبا –وقد كنت مصيبا-:

-هو عثمان يا خير الفتيان!

وختم السؤال شخص ثالث،وقال لي غير عابث:

      وجاثمة لها ابن مستطار         يفارق جسمه عند احتراق

ولم أر قبله من ذي نعيم            يحرق جسمه والروح باق

فقلت :

-هي المِبخره،عافاك الله من كل مَبخره(5)!!! …

ثم قلت لهم:

-والآن آن الأوان لتنظروا إلى ألواني وطرزي،وتجيبوا على (فزورتي)ولغزي:

-أنا بين منزلتي البغل والحمار!

أنا مرعب (الحمامة )و(الجرار)!

أنا حامي(حامي الدين)!

أنا محتسب(ماء العينين)!

أنا من شل حق الإضرابْ!

أنا نجم (الفايسبوك)و(الوتسابْ)

أنا منعش صناديق التقاعدْ

أنا القذى في عين كل (متقنسب)(6)ومتقاعدْ

أنا القزع في رأس كل متعاقدْ

أنا القرع في رأس كل حوارْ

للشعب العنا ولي ملحاء الحُوارْ(7)

أنا(البيوض)في نخيل السياسهْ

أنا الظلام في محافل الساسهْ

أزور قطرا وأغازل(الإخوان)

وأدغدغ ( اوغلو)وأتزلف (أردوغان)

آكل مع الذئب وأبكي مع الراعي

وأضمن تقاعدي وثروتي  ومتاعي

وأدس الرماد في عيون مريدي وأتباعي

سيفي مهند ونصلي يماني

وسطوتي عظيمة على أنصاري وأعواني

(العصماني)يخشاني

و(المرباح)يترضاني

و(الأرمد)يتوقاني

و(وسيمة)رهن إشارتي وبناني

أطلق (اليتيم)،وأزوج (الشيباني)

أنا الأول-دائما-

وكل من سواي في المحل الثاني!!!

قراراتي دائما(مصيبهْ)

وفتاواي كلها غريبهْ

أنا شخصية(كارث أزميهْ)

وحساباتي خوارزميهْ

أنا (ولي)عُبيد الله

أنا (طوطم)الكنتي(8)العاجن(9)اللاهي

أنا ابن(كيوان) (10)و(إيران).

فمن أنا؟؟؟

قال الحاج عمر:

فتركتهم وقد أعياهم جوابي،وهم لا يعلمون ما فعل الجوى بي؟!!!

الهوامش:

1-أصحاب الرس:الرس:البئر،وقيل هو الوادي يقول زهير بن أبي سلمى في معلقته :

                بكرن بكورا واستحرن بسحرة**وهن لوادي الرس كاليد للفم

وأصحاب الرس :قوم رسوا نبيهم في بئر-أي دفنوه في بئر- فأهلكوا.

2-أصحاب الأخدود:الأخدود: مدينة أثرية مهمة تقع في منطقة نجران في قرية القابل جنوب وادي نجران بالمملكة العربية السعودية. ويقال إن سبب تسميتها بهذا الاسم هو ما حل بالمؤمنين (النصارى) في هذه المدينة من عذاب على يد الملك الحميري (ذي نواس) في منتصف القرن الأول الميلادي، عندما طلب من أهالي المدينة العدول عن النصرانية والعودة إلى الديانة اليهودية التي يدين بها ويريدها ديانة رسمية لدولته. وعندما رفضوا، حفر لهم أخدودًا)شقًا ضخمًا (وملأه بالحطب وساق الناس إليه وخيرهم بين العدول عن ديانتهم أو حرقهم في الأخدود، فأحرق منهم أعدادًا كبيرة. يذكر أن آثار العظام والرماد موجودة في هذه المدينة حتى اليوم.

3-صَخْرَةٌ صَيْخودٌ: شديدة، صمّاء صلبة،لا يمكن تحريكها.

4- الجدود:الحظوظ.

5-الكلاثم:مفرده كلثوم :من الحلي،تضعه المرأة في أنفها.

6-مَبخرة:بخراء،والبخار :رائحة الفم الكريهة.

7-متقنسب:لفظة منحوتة من عبارة(التقاعد النسبي).

8-الحُوار:ولد الناقة ،والملحاء أطيب لحمة فيه.

7-الكنتي:بضم الكاف:شخص يعيش على الماضي.

9-العاجن:عجن الرجل:نهض معتمدا على يديه بسبب الشيخوخة.

10-كيوان :نجم في السماء.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *