الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات…مقامات العميري (8)

رمضانيات…مقامات العميري (8)

كتبه كتب في 21 مارس 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

المقامـــــــةالثامـــنة

   المقامة الحموية

حدثنا الحاج عمراللعيبة قال:

بينما أنا في طريقي إلى (أولادعمران)لحضور عذيرة ختان عند بعض الأختان،استوقفتني عجوز في السبعين ،ذات لحم ولين وسعال وأنين،وتقرأ في ملامح وجهها آثار جمال دفين،وكأنها المقصودة بقول الراجزفي مثل أولئك العجائز:

                    جاءتك في شوذرها تميس                                 عجيزلطعاء دردبيس

                                                  أفضل منظرا منها إبليس

قال الراوي:

فأخذت المرأة بتلابيبي، وهي تتمسح ببردتي وجلابيبي ،وتقول متوسلة كأنها متسولة:

-بالله عليك يا ولدي :دلني على منزل القطب الرباني ،والحبر الروحاني سليل الشيخ التجاني ،الفقيه الأمجد،والكاهن الأوحدالإمام المولى محمد…

قال الحاج عمر:

فقلت في نفسي:أكتسب حسنة في هذه المحصنة …فأخذت بيديهامترفقا بحركة رجليها ، وبقلبها الذي كاد يخرج من ثدييها،حتى وصلنا دار الفقيه وهي لاتفتأتمدح فيه…فدققنا الباب فاستقبلنا كبير الحجاب…و إذا بفقيهنا قد أقبل في زي مختشع زميت،وعلى جلبابه الصوفي بقع من الزيت،وتشتم من عمامته رائحة الكبريت ،فارتمت الدردبيس على إزاره تقبل رجليه وتتنسم عبير أظفاره ،مرسلة الآهات ومصعدة الزفرات ،وهي تقول كأنها في زيارة لقبر الرسول:

-الأمان !الأمان!يا كاهن الزمان ،وجهبيذ العصر والأوان الذي أطاعه عصاة الجان المتمردون على سيدنا سليمان!…جئت أشكو إليك أمر صهري المفتش الذي لم يزرني كعادته ولم يفتش…

قال راوي المقامة:

فأخرج الشيخ جربنديته (1)وبخوره وأحجبته،ثم قال، فاصلا في المقال:

-هيهات هيهات!صهرك لا ينفع معه(سحرالكهان في حضور الجان)ولا(الكباريت في استخراج العفاريت)ولا(تسخير الشياطين في هلوسة المفتشين)ولاكتاب(التنبيش في زعزعة هيئة التفتيش)!!!

فتساءلت العجوز عن السبب مبديةالعجب ،فرد عليهاقائلا:

صهرك لن يعود لشنشنته و ديدبانه ،ولاإلى شبابه وعنفوانه ,بعد أن لبسه جني جبار لايصطلى له بنار،يسمى (الشهاب الثاقب)فاتن كل رفيق وصاحب!…يحكم إنسا وجانا،وسحرة وكهانا،وأرهاطا وأعوانا…نسيبك معه الآن في بستان برفقة بعض الإخوان يستمتعون بقداح (السبسيل)(2) ويلعنون (أكادير ورودانة وبرحيل)ولولا أن(طلهميس)بن إبليس يمنعني من الخروج يوم الخميس (3) لركبت إليهم (زير نحاسي)(4) ولتركت زبائني وناسي ،علي أشنف أذني بأغنية مغمورة كأغنية (القشمورة)(5) أو قصيدة مهجورة كرائية (شاعر الحمراء) المستورة(6)وأستمتع بتغريد العصفورة والشحرورة…

أنادم (السهلي وبريا والمامون  وبومدور، والأسعد الهصور) (7)فإليك عني – رحم  الله (المنصور)(8).!!!

الهوامش:

[1]-الجربندية:حقيبة الساحر

2-السبسيل:أجود أنواع الشاي الصيني

3-يزعم بعض الدجالين والمشعوذين أن الجني الدي يعمل معهم يمنعهم من القيام بأمور معينة ،كعدم الخروج من منازلهم في أيام وساعات يحددها لهم.

4-زير النحاس:في الأساطير:مطية السحرة

5-أغنية (القشمورة):أغنية بالعامية معارضةلأغنية(مهمومة)لمجموعة(ناس الغيوان) من تأليف الكاتب ومطلعها:

                 مقهورةمرات الناعس في القشمورة

6-المقصود قصيدة للشاعر محمد بن إبراهيم تحت عنوان:اجلدها فما في جلدها من عار(انظرديوان الشاعر).

7-(السهلي وبري والمامون وياسين وبومدور والأسعد):مجموعة من اصدقاء الكاتب ،جلهم من رجال التعليم.

8- اسم زوج العجوز المتوفى.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *