رمضانيات…مقامات العميري (5)

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                      المقامـــــةالخامســــة. 

                           المقامة المحايدة

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

هزني جو الاكتئاب، الذي خيم على البلاد منذ إجراء الانتخاب ،وفرق حتى بين الخلان والصحاب .فطرت توا إلى (برحيل) معقل النميمة،  ووضم الغنيمة ،وملاذ( (الرابنتاج) و(رويشة )و(حكيمة)و( البيضاوية )(1) الوسيمة والتي أصبحت –بعد رحيل الحب(2)-لطيمة تندب أيامها القديمة…

قال الراوي:

فلما مررت بباب الثانوية، إذا بمجموعة من الأساتذة يخرجون وإمارات السخط والغضب على وجوههم بادية ،يتقدمهم أستاذ طويل القامة، وآخر عريض الهامة وثالث في وجنته شامة ،ورابع بلحية كريش النعامة ،ذكرتني بقول أبي ثمامة:

يطول لحيته كالحبــــــــــــــــال          فيا ليت عمري من طولهــــــــــــــــــــا

كمروحة الخيش في العارضين         تطري الهواء بتبليلــــــــــــــــــــــــــــها

وقد لقبوها بست اللحــــــــــــى       لتعظيمها وتبجيلـــــــــــــــــــــــــــــــــــها

وكم تساءل الناس عن أصلهـا          وأي وباء كان في جيلـــــــــــــــــــــــــــها؟!

 قال الحاج عمر:

فسألت أحد التلاميذ :من هؤلاء الصناديد؟! فقال:

هؤلاءالذين يقمعون أهل العناد ،فلا يجسر أحد في الثانوية على إلحاد، بتعطيل أو تشبيه (3)أو حلول أو اتحاد (4)…وقانا الله من شرهم وحمى البلاد والعباد !

              إذا دخلت عليهم فالبس            من التوقي خير ملبـــــــتس

              وادخل عليهم وأنت أعمى         واخرج و أنت أخــــــــرس

قال صاحبنا:فتقفيت أثرهم لأستطلع خبرهم…فإذا بهم يقفون أمام مقر أحد الأحزاب -تحسب له الحكومة والمعارضة ألف حساب-؟!(5)…قال كبيرهم مسحلهم وأميرهم:

-أنا الذي لايجرؤ ( دوني)(6)على كتابة درجة أي أستاذ دوني ،يستباح عفافي وتقلم مني القوادم والخوافي ؟!(7)

فرد عليه وزيره وزيره:

-وأنا الذي اتهمني المدير بالبرطيل(8) ،حتى أصبحت مضغة الأفواه في (برحيل) …هذه تهمة لن ينزعها من رقبتي سوى غاسل ،إذا لم تسعفوني بالوسائل!

فرد عليه ثالث وقال غير عابث:

-نستثير عليه النيابة ،ثم نثني بالنقابة ،وآخر الطب التشهير في الصحف والكتابة،وببركة شيخنا ( الجزري )(9)تكون الاستجابة !!!

قال الراوي :

فتركتهم يتجرعون جام غضبهم،وعدت إلى الثانوية لأستكنه ما أضر بهم…فإذا بالمدير يصيح في حاشيته .وغلمانه وطواشيته:

-علي بالأساتذة الصغار(10 )،ليمحوا عني هذا الذل والصغار؟!…فإذا بالأساتذة يتهافتون ،ومن كل حدب ينسلون…فتقدم أستاذ عرضي ،وآخر غرضي ،وثالث سلوكه مرضي …فقالوا :

-نحن لهؤلاء اللئام يا أبا سمير وهشام!!!…ليس السكوت عن هذا الحل الأنجح، وليست مسالمة الأفاعي هي الأصلح.فرد عليهم المدير مثمنا هذا الدعم الكبير:

      من أمكم لرغبة فيكم جبر*********    ومن تكونوا ناصريه ينتصر

قال صاحبنا :

فتركتهم وأنا ألعن الإدارة والنظارة ،وكل نزوات النفس الأمارة.ثم قصدت مجزرة المساكين ،وتزودت بكيلوغرامين من السردين،وعدت إلى( أيت أيوب)وبلائها المصبوب ،وليثها الوثوب ،ومرباعها(11 )غير المحبوب .يأخذ النشيطة (12).ويغمط حق اليتيمة واللقيطة،فلتكونوا منه جميعا على حيطة؟!!!

الهوامش:

1- الرابنتاج ورويشة وحكيمةو البيضاوية:ألقاب لبعض (حرافيش) أولادبرحيل.

2- الحب:بكسر الحاء :الحبيب.

3- بتعطيل أو تشبيه:من مصطلحات العقيدة وعلم الكلام.

4- الحلول والاتحاد :من مصطلحات التصوف.

5-المقصود :حزب العدالةوالتنمية,قبل وصوله لسدة الحكم.

6- دوني :الاسم العائلي لكاتب ممتاز بثانوية الداخلة بأولاد برحيل.

7- القوادم:ريش الطائر الكبير والظاهر والخوافي:ريشه الصغير الخفي

8-البرطيل:المقصود هنا:الرشوة.

9- الأساتذة الصغار:لقب نبزبه أستاذ من أساتذة الـتأهيلي أساتذة الإعدادي منذ أن تحولت الإعدادية إلى ثانوية سنة1989تحقيرا لهم وانتقاصا من قيمتهم.

10- الجزري:لقب أطلق على مفت مغربي أفتى بجواز استعمال المرأة للجزر أو المدق لتلبية حاجاتها الجنسية في غياب الزوج أو  إذا كانت غير متزوجة,وكان هذا المفتي قد زار ثانوية الداخلة وألقى بها إحدى محاضراته.

11-المرباع:ربع الغنيمة الذي كان يأخذه زعيم القبيلة في الجاهلية.

12-النشيطة:ما يغنمه الغزاة قبل الوصول إلى الموضع الذي حددوه أصلا لغزوهم.