الرئيسية اراء ومواقف أحلام إنتخابية وأشياء أخرى

أحلام إنتخابية وأشياء أخرى

كتبه كتب في 21 يونيو 2015 - 13:49

بعد سنوات أو ربما عقود من ارتطام سفينتنا بأمواج البحار التي مررنا منها حيث لا نعلم من أينا أتينا ولا أين رست بنا  اليوم، كل ما نعلم في هاته اللحظة أننا هنا في هذا الشاطئ الخالي وليس أمامنا إلا جبالا قاحلة، كان على مثن السفينة بعض الأداميين وحيوانات اليفة وغيرها، الكل مندهش وشبه فاقدي الذاكرة، إذ لا أحد يتذكر ماضيه ولا أي مستقبل ينتظره، ما إن ولجنا اليابسة حتى أخد  كل جنس موقعا له على الشاطئ. يبدوا الأمر وكأنه ولادة جديدة للحياة وعلى كل طرف أن يتدبر أمره، مرت أيام و أيام وبدى للجميع أن لابد لهم من سن قانون ينظم شؤونهم التي ستنطلق من الصفر فهي حياة بالكاد بدائية، فكان أول ما اتفقت عليه هاته الأجناس انتخاب مجلس يقوم بسن القوانين وتقسيم الأدوار وتوزيع الملكيات حتى لا تسود الفوضى التي قد تؤدي الى الاقتتال، والكل في غنى عنها بعدما ما نجوا مما نجوا منه.

كانت أولى المهمات  إذن انتحاب الرئيس، رئيسا لهذا الجمع المختلط، وبما أنني من  الأداميين  إقتنعت أن أكون مرشحا لهذا المنصب الغامض كممثل للبشر، منصب سيتبارى عليه ممثل الضباع والذئاب والكلاب والتماسيح وغيرهم ممن وطأت أقدامهم هاته الرقعة المجهولة من الأرض. كانت أولى الخطوات، أن يعد كل واحد من المرشحين برنامجه  الانتخابي، برنامج  ينسجم وطموحات هؤلاء المفقودين على اليابسة. اختليت بنفسي في أحد كهوف الشاطئ المتوحش علني أجد خيطا ناظما يرشدني أو يدلني الى ماجرى حتى أصبحنا في هذا الوضع الحرج، لعله  يكون ورقة رابحة لحملتي الانتخابية ومفتاحا لما قد تأتي به الأيام من مصائب، ذالك أني باعتباري بشرا يفكر ويميز بين الصالح والطالح،  أمر قد يجعلني أتفوق على الضباع والذئاب والكلاب والتماسيح ومن يدري قد أروضهم وأصبح سيدا لهم الى الأبد.

أنا الان في اليوم الثالث من خلوتي، ولم تفدني في الوصول الى أي فكرة أو أي شيء من ماضينا المفقود، أسلمت نفسي لنوم أشبه بالموت، فجاءتني كوابيس وشخصيات وأحداث ووقائع، غير أني لم أتمكن من التمييز والتركيز على ما يتطاير في مخيلتي، إلا طيف رجل متوسط القامة ببنية متوسطة ولحية خفيفة مكتوف اليدين معلق بين السماء والأرض يسلخ ويجلد ويصيح بأعلى صوت،  والله أعلم ما كان يأتي على لسانه من شدة الم الضرب.  ففاتحت رفاقي الأدميين في ما جاءني من رؤيا ولا أحد منهم استطاع فك رموز الرؤيا، إلا عجوز من بيننا يؤكد هو الاخر أن الاما موجعة تأتيه بين الفينة والأخرى على كتفه الأيمن، وظل يعصر ذاكرته حتى يتذكر مالذي أصابه في أيام هاته الرحلة المجهولة البداية،  مؤكدا أنه لم يتمكن من تحديد سبب لذلك غير أن هو الاخر تأتيه رؤيا نفر من أناس مقنعين يشبعونه ركلا ورفسا و كلابا وضباعا تجري من ورائه الى أن صعد السفينة.

هنا استقر رأيي  على أن هناك أرضا أرغمنا على إخلائها، ومعتقلا قد يكون اخر من تبقى من رجالاتنا وقد لزم البحث عنه وعن بلادنا التي لا نعلم وجهتها ولامصيرها اليوم، فقررت أن يكون استرجاع أرضي واطلاق سراح معتقلنا شعار حملتي الإنتخابية الرئاسية، فما إن علمت الضباع والذئاب والكلاب والتماسيح ببرنامجي هذا، حتى هاجت هيجانا كدت معه أصبح فريسة سهلة المنال، فصرخت في وجهي على أن الذي يفكر في الماضي لا مكان له هنا، وأن الأرض التي تركناها لا معنى لها، وأننا هنا ليبحث كل واحد عما يؤمن به قوة يومه وغده دون التفكير في الاخر مهما كان، وعندما كان إصراري قويا على ما أدعوا اليه، اتفقوا على الغاء ترشيحي وسجني وبينما هم على أهبت الاستعداد لتقييدي، استفقت من حلمي هذا.

هو إذن حلم داخل حلم وعلى حلم، نحن الان على مقربة من الانتخابات الجماعية، وحماها تزداد يوما عن يوما بين الإخوة والعائلات و الجيران والدواويير والقبائل دون أن يدركوا الرابح من الخاسر أما الأحزاب فذاك حديث اخر… فماذا لو كان في طليعة المشروع الانتخابي لأي مرشح من مرشحينا الأفاضل، أن يكون الملك سلطانا يسود ولا يحكم، وعلى المخزن إطلاق سراح المعتقل السياسي  الباعمراني محمد الوحداني وكل المعتقلين ألمظلومين، وعلى أنه حان الأوان لاسترجاع أراضي القبائل المغتصبة المنهوبة من قبل  مافيا العقار، علنا نحقق اجماع الضحايا شمالا وجنوبا شرقا وغربا لنواجه به الحيوانات المفترسة من البشر بالحجة والدليل. ماذا لو كان تقسيم موارد ثرواتنا البرية والبحرية على شعبنا بندا من بنود هذا البرنامج، وماذا لو طالبنا بجلاء الشركات الفرنسية والإسبانية الكبرى من مدننا لتحل محلها مقاولاتنا الصغرى والمتوسطة المؤسسة من قبل أبناء أحيائنا الفقيرة، وماذا لو طالبنا بإغلاق كل القنوات التلفيزيونية الرديئة ونكتفي بالراديو لنسمع ولا نرى مايقع، ماذا لو كان  أيضا في مقدمة برنامجنا الإنسحاب من الجامعة العربية والبرلمان العربي ومنظمة المقاولين العرب والمحامين العرب والنساء العربيات، فماذا نفعل عند هؤلاء العرب من سيوا الى الخليج، لأن غدا ستتحول الى منظمات داعشية. وأخيرا ماذا لو قررنا قبل الإنتخابات بأسبوع أن نفتح حدودنا أمام كل مغربي  سولت له نفسة المغادرة الى وجهة أخرى في القارات الخمس، ترى كم سيتبقى منا للتصويت على هاته الأحلام  ….. فلتكن احلامنا متنفسا لأرواحنا المخنوقة. وكما قال: محمد الماغوط في كتابه: سأخون وطني: “فلتنعم الأنظمة ومخابراتها وأبواقها بكل شيء، ولتسترح على هواها من المحيط الى الخليج، لتكتب وحدها الشعر، ولتولف الموسيقا، ولتمثل على المسرح ولتغن في الإذاعات. لتأكل وحدها المحاصيل، ولتشرب وحدها الأنهار، ولتلبس وحدها كل الثياب، ولتنتعل وحدها كل الأحدية، ولتتزوج وحدها كل النساء، ولتصطف وحدها على كل الجبال، ولتتشمس وحدها على كل الشواطئ، ولتتنفس وحدها الهواء”

 بقلم عبد النبي إدسالم

مشاركة