الرئيسية اراء ومواقف الله يجعل شي بركة

الله يجعل شي بركة

كتبه كتب في 2 أبريل 2012 - 16:59

منذ تقريبا 4 سنوات، والجميع يتحدث عن أزمة مالية عصفت بكبريات الأنظمة الاقتصادية في العالم، بنوك أفلست، وشركات أغلقت، كل هذا والمغرب بخير لم يقع له أي شيء، فالدولة تستثمر العديد من الأموال في بناء المشاريع المفيدة للبلاد- على ذمة القناتين الأولى والثانية-، والملك يدشن في كل مدينة مركزا اجتماعيا أو اقتصاديا، والحكومة تتوقع من نسبة النمو أن تتطور لهذه السنة عن السنوات الماضية..

كل شيء جميل ورائع في هذا البلد، ولا داعي للتظاهر أو النقد، فمن ينتقد هو شخص عدمي لا يرى إلا الجانب الفارغ من الكأس، فالبطالة في المغرب أقل حتى من اسبانيا التي يتجاوز ناتجها الوطني الخام الناتج المغربي بأزيد من عشرين مرة على ذمة وزيرة ما..

لكن عندما يتم تشخيص الوضعية من والي بنك المغرب، وهو البنك الذي يسهر على العملية النقدية بالبلاد، ويتحدث لنا عن أن العجز وصل إلى 7 في المائة، وأن نسبة النمو لن تتجاوز 3 في المائة، وأن المغرب قد يعود لبرامج التقويم الهيكلي الذي كان قد فرض على المغرب في الثمانينات من طرف البنك الدولي بسبب الأزمة الاقتصادية، فالأمر فعلا يستحق من الحكومة أن تتوقف عن بيع الأحلام للمغاربة وأن تتعامل معنا بصدق وبكلام صريح دون لف ولا دوران..

سنة 2012، قد تكون فعلا واحدة من أسوأ السنوات الاقتصادية في العقود الأخيرة بالمغرب، لا شيء ينذر بالتفاؤل، السحب الممطرة ضلت وجهتها ولم تجد علينا بقطراتها، نسبة التضخم وصلت حدا مقلقا، عدد من الشركات الأجنبية أغلقت فروعها بالمغرب، انخفاض كبير في عدد السياح، نتائج التسيير المالي السيء للحكومة السابقة الذي ضغط على الخزينة بشكل كبير ظاهر للعيان، استمرار اقتصاد الريع والفساد المالي، زيادة غير مدروسة في الأجور وفي صندوق المقاصة، انحسار التصدير نحو البلدان الأوربية بفعل الأزمة الاقتصادية، وهلم جرا..

لكن هل على المغاربة أن يتشاءموا من هذه الأرقام؟ هل ستتعقد حياة المغاربة بفعل هذه الظرفية الاقتصادية التي تعيشها البلاد؟

في رأيي، المغاربة اعتادوا على الأزمة منذ عقود، اعتادوا العيش في صراع دائم مع سعر الزيت والسكر والخبز، اعتادوا على قلة ذات اليد، وعلى الحياة بأبسط الطرق الممكنة، لقد اعتاد المغاربة على العيش في أزمة دون أن تكون هناك أزمة حقيقية..

لما نتوجه صباحا إلى السوق، فنشتري كيلوغراما من السردين ب 15 درهما، مع العلم أن الثمن الذي عليه أن يباع به هو 5 دراهم فما تحت، ونشتري البطاطس والطماطم بضعف ثمنها، ونشاهد التفاح والموز دون أية قدرة على الشراء، فنحن فعلا اعتدنا العيش في ظل الأزمة، لأن بحارنا وأراضينا ليست لنا، وأسماكنا وخضرنا ليست لنا، والمضاربين حققوا على حسابنا أموالا خيالية، والجنرالات الممتلكين لرخص الصيد اشتروا بفضل معاناتنا رفاهيتهم الباذخة، والبرلمانيين الإقطاعيين أعفوا أنفسهم من الضرائب ولم يعفوننا من شراسة استغلالهم لجيوبنا..

لما يعمل المغربي 20 سنة من حياته، لكي يذخر لشراء شقة ما ببضعة أمتار، فيجد أن شقة أحلامه ما هي سوى إطار تحتاج لإعادة كل شيء داخله من جديد، فاعلم أننا اعتدنا فعلا العيش في الأزمة، لأن أباطرة السكن بالمغرب حققوا أعلى معدلات الاغتناء في العالم ولم يقووا على تحقيق حلم سكن اقتصادي للمغاربة بأقل تكلفة ممكنة..

لما يشتغل المغربي ب 2500 درهم في الشهر، فيجد أن الكراء يحتاج منه ل 1000 درهم، والتغذية ل 1000 درهم أخرى، ومصاريف الأبناء ل 1000 درهم، و الديون ل 1000 درهم أخرى، فاعلم أننا اعتدنا العيش في الأزمة، لأن الكثير منا يعيش فقط” بالبركة”، والكثير لا يعرف أصلا كيف يعيش، وربما أن هذه من عجائب المغرب، فرغم الأزمة الخانقة والفقر، فالمغربي يستمر في الحياة راسما بسمته على وجهه قائلا” إيوا الله يجعل شي بركة”..

فكما يقولها هذا المغربي البسيط، فلم لا يقولها من ينهب هذا الوطن ويذهب لحال سبيله بعد إرجاعه لكل ما سرقه طوال حياته؟ لما لا تقولها الحكومة وتتوقف عن التفاؤل الزائف وتتحدث لنا عن حقيقة الوضع؟ لما لا تقولها الدولة فتعمد لإصلاح حقيقي لمنظومتنا الاقتصادية والاجتماعية عبر تفعيل حقيقي لتوصيات المجلس الأعلى للحسابات الذي نتمنى أن يتحقق من حسابات كل المؤسسات في المغرب؟

طبعا الإجابة صعبة، لكنها ضرورية، وإلا فلن تقول هذه البلاد” الله يجعل شي بركة” من الفساد..

مشاركة