الرئيسية اراء ومواقف ذكـــر إذا كانت الــذكـــرى تــنفــع…‎

ذكـــر إذا كانت الــذكـــرى تــنفــع…‎

كتبه كتب في 20 ديسمبر 2013 - 14:03

وأنت تغاذر فراشك في الصباح بعد حصة نوم مليئة بالكوابيس. تذكرت أن تجمع فراشك البالي، لأن من سيجمعه من خلفك إمرأة بالكاد تستجمع قواها لتطهوا لك ما ستأكله وقت الظهيرة.

و أنت تمزق ورقة من كتاب لتمسح بها مؤخرتك في المرحاض. تذكر أن ما مازقته كلف صاحبه سنوات من الكتابة و التفكير، و الأجذر تركه ربما تلقفته أيادٍ تعرف قيمته.

و أنت تسرح بخيالك بعيدا، و ترغب في مغاذرة الوطن. تذكر أن الوطن لا يحتاج للجبناء أمثالك، بل هو في حاجة لمن يحرر أرضه من الذين يقتاتون من ألمه، و يطرد المتعطشين للشرب من دمائه.

و أنت تجلس في المقهى تذخن سيجارتك الصباحية، مُقَلِباً صفحات جريدتك المفضلة، تقرأ معاناة الناس. تذكر أن وراء تلك المعانات غول إسمه “المخزن”، جعل أبناء الشعب يتقاتلون. يتابع ما يجري من خلف ستارة و يضحك على غباوتهم.

وأنت ترمي قشرة الموز التي إشتريتها من صاحب “الكَرُوسة”. تذكر أن من سَيكْنِسُهَا هو عامل النظافة المسكين، الذي يقوم بعمله و سكان المدينة لازالوا يغضون في نومهم العميق.

و أنت تركب الحافلة، و تكتشف عند نزولك أن هاتفك سُرق. تذكر أن اليد التي إنتشلته خفية عنك، قد ملت من وعود الأحزاب، و من إجتياز مباريات التوظيف.

و أنت تُشعل التلفاز، و تستمع لنشرة الأخبار المسائية. تذكر أن شعار الديموقراطية و العدالة، يُوجد فقط في نشراتهم، و بمجرد خروجك للشارع ستصتدم بالديموقراطية الحقيقية، و أن العدالة مجرد حلم حلمناه ذات يوم من أيام شهر فبراير.

و أنت تحصل على شهاذتك الجامعية بعد سنوات من الجد و الإجتهاد. تذكر أن لا تنسى أن تمر عند النجار من أجل صنع إطار يحميها، فهم أعطوها لك من أجل أن تعلقها فوق فراشك و ليس لتجد بها وظيفة.

و أنت تُلمع حذاءك المهترء، من أجل إجتياز مُبارة. تذكر أن هيئتك تفضح لأي طبقة تنتمي، و أن إسمك العائلي غير مدرج في لائحة المحظوضين في هذا الوطن.

و أنت تلاحق”عاهرة” مراودا إياها عن نفسها، محاولا إقناعها بقضاء ليلة معك. تذكر أن خلف تلك “العاهرة ” إنسانة، و خلف تلك الإنسانة قصة، و بين سطور القصة معاناة، أو أب مريض، أو أم تكابد السرطان..أو ربما ذئب قد وَثِقتْ به فغذر بها.

و أنت تخلد للنوم في نفس الفراش البالي الذي لم ترتبه في الصباح. تذكر عندما تضع  رأسك على الوسادة، أن الوطن لن يغفر لمن نسي أفضاله عليه، و أن في الخارج كثيرين يفترشون الأرض و يتوسدون قارعة الطريق.

و أنت تصرخ في وجه والدتك لأنها لم توفر لك ثمن قهوة الصباح السوداء. تذكر أن في داخلها رغبة جامحة لضمك إلى صدرها، فهي أكثر إحساسا بوضعيتك من نفسك. و تذكر أنها لن تحقد عليك أبدا مهما فعلت لها. و لا تنسى أن تعتذر لها.

و أنت تغالب الدموع في عينيك، خوفا بأن يصفوك بالضعيف. تذكر أن تدعها تنساب على خدوذك و تغسل الألم الذي يجتاح قلبك. فهي دليل على أنك لازلت إنسانا و لم تتحول لحجر.

و أنت تقرأ هذا المقال. تذكر أن من كتبه إستلف ثمن القهوة من زميل له. و لا تنسى و أنت تنهي قراءته أن تغاذر بهدوء كي لا تجلب على نفسك لعنة الوطنية، و تلاحقك لعنة حب الكلمة الحرة.

حسن الحافة

مشاركة