الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات: مقامات العميري(11)

رمضانيات: مقامات العميري(11)

كتبه كتب في 24 مارس 2024 - 18:30

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                           المقامة الحادية عشرة        

                                المقامة الجمعاتية

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

دخلت ثلاثاء إيكودار أواسط شهرآذار ، فإذا بمجموعة من الشبان –أمام مقهى )هرمان  ( 1 ) يغنون ويرقصون على إيقاع عيساوي مجنون:

ترقينا أوج الســـــــــــــــــــــــــــــــــعاده

                                                        ولبسنا تاج السيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاده

تمم الإله منـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانا

                                                        برجوع القيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاده

لئن زاد الزمان لنا عنـــــــــــــــــــــاده

                                                      فإن الله لم يترك عبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاده

وإن حلت بنا ساعات ضـــــــــــــــــيق

                                                       أتتنا بعدها –الدهر- الريــــــــــــــــــــــــــــاده

قال الراوي فقلت لهم:

هل هذا منكم سهــــــــــــــــــــــــــــو

                                         والسهو  للمرء عــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاده؟!

فقالوا:

-بل هي والله الحقيقة يا أبا سكينة وعتيقة!

فقلت:هذا امرجميل ،وفي النفس منه غليل!ولكن اسمعوا وعوا أيها الشماريخ (2)لهذه الصفحات من التاريخ:

اختارها الاستعمار–دون سائر المداشر والديار –ملاذا للإقامة والاستقرار،فبنى المحكمة وشيد المطار،وعبد الطريق السيار،وجلب الهاتف والرادار،وسكنها القاضي والكومندار.فعم الازدهار،وربح التاجر وغنم الجزار،وارتفع ثمن العقار،واتعظ الغوغاء ورحل الفجار،وانقرضت الكلاب واختفى السعار.ناهيك عن دور القوات المساعدة في التربص بكل زنيم وفاسدة،وفي مراقبة الأوضاع السائدة،والإجهاز على كل مقاومة راقدة.فعرفت بلادنا العز والوجاهة،وعلو المرتبةوالنباهة…

قال الراوي:

وبعيد الاستقلال،تغيرت بها الأحوال،وعرفت سوء المآل…فقلب لها الدهر ظهر المجن حينما راهنت على شعار:( إذا غاب عن وجهك (المخزن )فافرح ولا تحزن؟!!!)…أخنى (3)عليها الذي أخنى على( لبد)(4 )،وخانها منتخبو أهل البلد…فانتقلت الجماعة والقيادة إلى (برحيل)،فعجلت المنافع بالبين والمصالح بالرحيل…ثم زاد فعضهابنابه،وكرمهابشذاذه ونهابه،فباعوا البلاد،ونهبوا العباد،ووظفوا الأقارب والأولاد،هذا حبيبي ،والآخر ختني( (5ونسيبي,وتلك أبوها طود من الأطواد؟!!وغلا منصب المحصل والدفتردار( 6)،وغدا بالإسترليني والدولار،والكل نهم لكباب الجزار ،وملحاء الحوار(7 )،والطاف التجار،وأكياس الإسمنت وقضبان الحديد لبناءالدار،وترميم العقاربلا مقابل ،ودونما حشمة أوشعور بخزي أو عار؟!…ولم تحسن الرئاسة،ولا طابت السياسة،ولم تكمل السيادة ،وساد غير السادة،فهمش المثقف والأستاذ،وقدم الأمي والفهفهي والمؤاجر والشاذ، وكل جاهل بالقيادة،مفتقر للعلم والشهادة.!!…وتلت الجماعة للجبين،ونعب فوق أسوارها غراب البين، لعبت الهشاشة بأثوابها ،وعشش الفقر في محرابها،وانمحى رسمها ،ولم يبق منها إلا اسمها،وقضي عليها بالخراب ،وأصبحت معالمها كالسراب ،وملاذا للصعاليك والأغراب ،فلا تكثروا من التفاؤل أيها المجانين، فالدهر لن يبتسم لكم مرتين؟!!.

الهوامش:

1-مقهى )هرمان(:مقهى بسوق ثلاثاء إيكودار.

2-الشماريخ : جمع شمريخ بكسر الشين :بمثابة العنقود من العنب.

3-أخنى:اهلك.

4-لبد:اسم النسر السابع للقمان بن عاد ،ويقال أن لقمان بن عاد قد عاش بمقدار عمر سبعة نسوركلما هلك نسر خلفه

نسرآخر،وكان آخرها )لبد(يقول النابغة الذبياني:

يا دار مية بالعلياء فالسنـــــــــــــــــد             اقوت وطال عليها سالف الأبد

أضحت خلاء وأضحى أهلها احتملــوا        أخنى عليها الذي أخنى على لبد

5-ختني:صهري.

6- الدفتردار:المشرف علىالأمور المالية في عهد الدولة العثمانية.

7-ملحاءالحوار:الحواربضم الحاء :ولد الناقة،والملحاء أطيب قطعة لحم فيه.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *