رمضانيات: مقامات العميري( 9)

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

            المقامة التاسعة   

المقامة التجهيلية

حدثنا الحاج عمراللعيبة قال:

 لما فرض حظر التجوال على الذكران،بعد  استبداد النسوان ،إثر تنزيل مقتضيات مدونة الأسرة، وفزاعات  منظمات حقوق الإنسان !؟قررت خرق هذا (الفرمان)(1) -ولو كان دونه قطع الرؤوس,وهلاك الأبدان!-فخرجت من داري لحضور حفل قران عند بعض الإخوان…

قال الراوي:

فلما استقربنا الجلوس،وتناولنا المكسرات وارتشفنا الكؤوس، وأملنا يزداد في التملي بسناء الزائرات وبهاء العروس …إذا بمجموعة من أصحاب المخالي والعقول الخوالي يتهافتون ومن كل حدب ينسلون!سمت أفغاني ،خف ألباني ،قاووق لبناني …إلا زيا خاصا بالمغرب ،لأن زامر الحي لا يطرب!!!…فخلت نفسي في (وزيرستان)أو(الشيشان)!؟…

وبعد هنيهة،تقدم إلى صدر الفسطاط تيس بدين-قيل لي فيما بعدأنه من عاصمة الفوسفاط-(2)

فانحنت لطلعته كل التيوس ،وانبطحت منها القرون والرؤوس!ثم أقبل عليه شخص  يدعى

مسلمة بن زريوح،ورائحةالبلادة والتملق منه تفوح،فأصلح له(الميكروفون)ثم انسحب كالحيزبون!

قال الراوي:

فبدأ صاحبنا ببسملة،ثم أتبعها بحمدلة وحوقلة…لكن سرعان ما استنزف مخزونه وذخيرته ومكنونه،ووصل حماره العقبة،وتوقفت قريحته عند العتبة،فأنقذه رفيق بدين يستند إلى مخدتين وقال له:

-عليك بشيء من الدارجة يا أبا خارجة؟!فإنها والله بضاعة رائجة لمثل  هذه العقول الهائجة!!!

فرد عليه صاحبنا:

-زادك الله كل مهابة وإعزاز-ببركة شيخنا أبي ساطور بن طهماز،وبلغك كل الأماني يا خديم القطب الرباني!-

قال الحاج عمر:

ثم أتم أخونا كلامه ،بعد أن أصلح هيئته وهندامه،فإذا به لا يفرق بين عبدة النيران ولا بين عبدة الصلبان!(3)ولا بين صحابي وتابعي ،ولا بين جعفري) (4وشافعي )  (5 ولا بين الإقالة والقيلولة،ولا بين النيروز(6 )والهيلولة (7 )!!!

قال الراوي:

فقررت نصب المجانيق،لقصف هؤلاء الغرانيق ،وقلت لجليسي رفيقي وأنيسي:

-ورحمة أمي إن حبركم  (8)  لأمي ! فقاطعني تيس حنيذ،يدعى ابن سعيد وقال:

-إنها صفةالأولياء ،فلا تكن من الأشقياء!فيحق فيك الجهاد،وتطبيق شريعة رب العباد!…

جماعتنا لاينطقون سوى بالحقيقة،وساعتهم مضبوطة على الجزء والثانية و الدقيقة-عافاك الله

من الشقيقة- يا صاحب اللحية الحليقة،والعنفقة الطليقة،والبذلة اللصيقة!!!

-فقيهنامن أئمة الشرع،ومن أرياب الفصل والفرع،لو جادل إمامكم مالكا لكان له مالكا،ولو قابله الشافعي بن إدريس لتنازل له عن الإفتاء والتدريس،درجته منيفة فوق درجة النعمان أبي حنيفة،وهو عندنا أعلم وأفضل وأنبل من شيخنا ابن حنبل…

-فقلت:

         لا بارك الله فيه حيث كان ،ولا

                                            جزاه عن فعله إلا بأسواء

لو رآه الشيخ (ربيع)لجعله مسحلا للقطيع!(9)ولوسمعه شيخكم (المغراوي)لأيقن بزوال النعم وحلول البلاوي,ولنقض ما أبرمه من عقود  مع علماء (نجد)وعملاء آل سعود.ولو علم به زعيمكم(القباج) لهاج وماج،وغير بطاقته ونسبه،ونتف لحيته وغيرمذهبه،وآمن بالحجاب والكتاب،والبغلة والسرداب،والإمام القائم،الحي الدائم ،الذي لايموت ولا يفوت،ولا يحتاج إلى القوت (10) !!!.

الهوامش:

[1] – الفرمان:القانون أو المرسوم أو الظهير باللغة التركية.

2-كان ذلك الشخص من مدينة خريبكة

3-زعم هذا الواعظ الجاهل أن صحابيا اسمه عبد الله بن رواحة –عمره عشرون سنةوفي

خلافة عمر بن الخطاب -أسر من طرف ملك الفرس،وطلب منه هذا الأخير اعتناق المسيحية مقابل إطلاق سراحه!مع العلم أن الفرس مجوس وليسوا مسيحيين!

4-نسبة للإمام جعفر الصادق (80 -148هـ، 699-765م). بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب، أبوعبدالله الصادق، الهاشمي، العلوي المدني، أحد الأعلام. وأمّه هي أمّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.

وأمها أسماء بنت عبدالرحمن بن أبي بكر؛ ولهذا كان يقول: ولدني أبو بكر الصديق مرتين. وكان يغضب ممن يتعرض لجده أبي بكر.

هو سادس الأئمة الاثني عشر عند الإمامية. كان من أجلاء التابعين. حدّث عن أبيه أبي جعفر الباقر، وعروة بن الزبير، وخلق، وروى عنه: ابنه موسى الكاظم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبوحنيفة، وجماعة. ولقّب الصّادق لأنه لم يُعْرَف عنه الكذب قط. كان جريئًا على الخلفاء. مولده ووفاته بالمدينة.

5- الشافعي، هو المذهب الذي ينسب إلى الإمام محمد بن إدريس بن العباس بن شافع.. وهو أحد المذاهب الإسلامية الأربعة الكبرى لأهل السنة.

6–النيروز:عيد رأس السنة الفارسية ،ويحتفل به في شهر مارس

7-الهيلولة:احتفال يقيمه اليهود بأضرحة أوليائهم.و تحدث الدكتور محمد المدلاوي، الباحث في التراث واللسانيات العبرية، عن مصطلح “هيلولة” فقال: إن كلمة “هيلولة” تحريف عامي لإحدى اللازمات كثيرة الورود في مزامير داوود وهي “هاليلو يا” (הללו יי) ومعناها “سبحوا لله”،

8-الحبر:بفتح الحاء:العالم الكبير

9-المسحل: من الحيوانات :قائد القطيع.

 10-:مذهب الشيعة الإمامية.