الرئيسية اراء ومواقف تاجر انجليزي يصف منطقة سوس في مؤلفه

تاجر انجليزي يصف منطقة سوس في مؤلفه

كتبه كتب في 22 مايو 2023 - 16:25

عمر بولماء

من طبائع الأبحاث التاريخية المحلية الارتطام بإشكال شح المصادر والمراجع، الذي طالما بث فيها الجمود والمحدودية، لكن ذلك لا يعكس مدى تأثيرها على مسار البحث. بعد سنوات من البحث والتنقيب عن مصدر وصفي يُحدث نقطة تمهيدية لتحديد مسار صافٍ تخلوا فيه أية شوائب معرقلة؛ في الأشهر الماضية القليلة التمست مصدرا تاريخيا وصفيا لا يُعتلى عليه يتناول تاريخ المغرب أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، لكاتبٍ إنجليزي يمتهن التجارة، انطلق من مدينة الصويرة ناحية بقية المدن والحواضر المحيطة؛ إذ دأب على وصف السكان (أصولهم، ملامحهم، عاداتهم، عددهم، لغتهم، اقتصادهم…) ثم وصف المشهد الطبيعي والعمراني والسياسي فيها ليتم بعدها التطرق إلى التفاصيل الهامشية.

استهل “James Grey Jackson“ كتابه المذكور بباب سوس الصفحة 17، الذي اتبدأ فيه بذكر الموارد الطبيعية المنتشرة في سوس التي حصرها في: «الزيتون، واللوز، والتمر، والبرتقال، والعنب» وخصها بمدينة تارودانت؛ وبعدها أشار إلى التركيبة السكانية القبلية لسوس في معرض حديثه: «تحتوي سوس على العديد من القبائل المحاربة، من بينها هوارة، وأولاد أبي السباع، وآيت باعمران… هؤلاء هم عرب شتوكة؛ هلالة، إدا ولتيت، وآيت أتير كيتيوا، مسگينة، وإدا وتنان وهم شلوح»، وبعدها أشاد بمناخ سوس بوصفه: «ربما لا يوجد مناخا أفضل في العالم من مناخ سوس»؛ لم يلبث الكاتب في وصف سوس بعدها أردف بعض السياقات التاريخية السياسية المرتبطة بسوس، ففي الصفحة 18 اشتكى الكاتب من شدة حرارة ضاحية سانتا كروز [أكادير] حتى عجز عن الاستمرار في المشي وشبّه الرياح السائدة فيها بحرارة الفرن، وبعدها يعرج إلى مدينة تارودانت رابط إياها بموسم الأمطار ومدى غزارة مواردها الفلاحية المتنوعة، بعدها أخذ يصف المشهد الطبيعي والهندسة الفلاحية لتارودانت وأشار إلى أن سكان تارودانت يتخلصون من العنب الفاسدة التي كان تأخذ منها اليهود قليلا لإنتاج الخمر، ففي الصفحة 19 أخذ الكاتب يعرج رويدا رويدا إلى غرب سوس حيث بادر بوصف نهر سوس، والمستحسن في الأمر أنه حرص على الإشارة إلى خطأ ليون الإفريقي بوصفه موقع الواد؛ مما يدل على أن الكاتب على اطلاع واسع، في آخر الصفحة وصف مدته الزمنية -3 سنوات- التي عاشها في سانتا كروز [أكادير]، ففي الصفحة 20 استهل فيها مظاهر الاستغلال المفرط من طرف الفلاحين لواد سوس مقارنا إياه بضخامة واد ماسة لصالح القوارب التقليدية وحركة الملاحة؛ بعدها أشار إلى نقطة مهمة ألا وهي منطقة تومي [غرب سوس] التي تتوسط واديْ سوس وماسة الذي ربط ساكنته بقببلة أولاد أبي السباع، الذين أبلغوه بأن المنطقة -منطقة غرب سوس- كانت تعرف وجود سفن بريطانية تجارية تساوم الساكنة المحلية [وهذا ما كان متناقلا]، وكان الكاتب أي التاجر يرافقه حاكم المنطقة -ممثل المخزن-، الخليفة محمد بن الدليمي، مردفا قوله بأن تسمية المنطقة المتعارف عليها هي “سبع بيور” نسبة إلى سبع آبار، وهذا ما أكده الأستاذ محمد أعراب في كتابه الشاطئ الآهل، وأشار أيضا إلى أنه لم يبق منها إلى ثلاث آبار مستغلة مؤكدا أن مياهها ممتازة؛ بعدما عاين التاجر طبيعة المنطقة وطرقها، ذهب مع الخليفة محمد بن الدليمي -وصي شتوكة- إلى داره أي قلعته كما سمّاها، وقام بوصف مراسيم الترحيب وشبهها بالمراسيم العربية البدوية وهذا شيء لا يُستبعد ومدح حسن الضيافة فيهم، وأشار إلى شدة فصاحتهم ومدى إتقانهم للغة العربية عبر التواصل بالشعر العربي وهذا بعدما كان يجالس أحد التجار الرحل السباعيين؛ لم يسهب الكاتب في وصفه لكنه أعطانا صورة توحي بامتدادٍ أو تأثير قبلي عربي خالص على المنطقة؛ في الصفحات التالية غادر الكاتب المنطقة في ظروف مبهمة دون أن يشير إلى القرى الساحلية مثل تيفنيت والدويرة وللالة خويرة علما أنها تشهد ديناميكية انتقالية بعد إغلاق ميناء أكادير، التي تعرف وجودًا سكانيا ملموسا، وبعدها أشار إلى مدينة ماسة بوصف وديانها وبحائرها وجبالها وقراها المبعثرة.

ففي الختام يبقى هذا النقل فقط محاولة متواضعة تفتقد إلى منهجية محددة؛ يحتمل الصواب والخطأ، علما أن ترجمة هذا النوع من الكتابات يتطلب وقتا من المراجعة والتحقق من معناها ودلالتها ومدى تطابقها مع السياق.

توضيحات:

– ورد في إحدى المواقع الإلكترونية أن التاجر جيمس جراي عاش في المغرب 16 سنة منها ثلاث سنوات في أكادير، وتوفي سنة 1850.

– ورد أيضا أن الكتاب تم إصداره سنة 1814 بلندن.

– الوجود السباعي في غرب سوس جاء نتيجة غضب السلطان محمد بن عبد الله في الحوز؛ الكاتب ذلك إحداث تمثيل مخزني رسمي لهم في سوس، وهذا ما أشار إليها التاجر.

 

المصدر: account of the empire of Marocco, and the district of Suse; compiled from miscellaneous observations made during a long residence in and various journies through, these countries. To which is added, an accurate and interesting account of Timbuctoo, the great emporium of central Africa, 1809.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *