الرئيسية بيزنس ارتفاع أسعار الزيوت في العالم.. الأسباب وتداعيات ذلك على السوق المغربية

ارتفاع أسعار الزيوت في العالم.. الأسباب وتداعيات ذلك على السوق المغربية

كتبه كتب في 11 أبريل 2022 - 15:16

لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة، ارتفاع نسبي في سعر بيع زيوت المائدة بالمغرب كما هو الحال بكل دول العالم التي تضاعفت فيها أسعار هاته المادة الاستهلاكية بشكل كبير

ارتفاع سعر زيت المائدة يعود وفق عدد من التقارير الاقتصادية لمجموعة من العوامل باعتبار المغرب بلدا مستوردا لها، حيث تنعكس تقلبات السوق الدولية على القيمة التسويقية للزيوت وبالتالي تخضع الأسعار لعدد من المعايير التي تساهم في تحديد السعر المرجعي للبيع

وتساهم التوترات الجيوسياسية بين عدة بلدان في ارتفاع أسعار المواد الخام، بما في ذلك الزيوت النباتية، ومنها “الكولزا” وعباد الشمس وشجرة الزيتون والنخيل وهذه هي نباتات البذور الزيتية الرئيسية التي تزرع في العالم، ونحصل من خلالها على الزيت النباتي للطعام وكذا الأكل للحيوانات وكذلك الوقود الحيوي

ارتفاع سعر الزيوت، عالميا، مرده وفق تقارير اقتصادية لسبعة نقاط رئيسية، من أبرزها التوتر بين الهند وماليزيا، وقد يكون ارتفاع أسعار الزيوت النباتية مقيدا بالتوترات بين هذين البلدين، وخاصة أن الهند أحد أكبر مستوردي المواد الخام للزيوت وسبق أن هددت بخفض وارداتها بعد أن انتقدت ماليزيا سياسة الهند العنصرية بقانون الجنسية

السبب الثاني وفق ذات المصدر هي أن الصين ضاعفت استهلاكها ثلاث مرات خلال عشرين عاما، حيث أنه وعلى مدى العقدين الأخيرين، انفجر الطلب العالمي على الزيوت بما يتناسب مع التركيبة السكانية للبلدان الناشئة والعادات الغذائية لسكانها، فالصين، على سبيل المثال، ضاعفت استهلاكها ثلاث مرات، وعلى نحو مماثل، فإن الاستهلاك العالمي من اللحوم وبالتالي من الوجبات المخصصة لتغذية الحيوانات ينمو بوتيرة أسرع من عدد السكان

وساهم كذلك انخفاض العرض العالمي والفجوة بين العرض والطلب في هذا الارتفاع، حيث وبالإضافة إلى الأسباب الهيكلية، هناك بعض الأسباب الدورية لتفسير الارتفاع الحالي في الأسعار، حيث أنه في عام 2021، لم يتجاوز الإنتاج الأوروبي 17 مليون طن بالنسبة للكولزا، وإنتاج البذور الزيتية الأخرى كعباد الشمس وفول الصويا والبازلاء لم تتجاوز 30 مليون طن، أضف إلى ذلك الانخفاض في المحاصيل في كندا والولايات المتحدة بسبب الجفاف في هذين البلدين.

ولم يكن الطلب العالمي أقوى من أي وقت مضى، غير متبلور مع أزمة كوفيد 19، حيث استعاد السوق الدولي نشاطه تدريجيا، بالإضافة إلى ذلك، يتم تعزيزه من خلال الحاجة المتزايدة إلى الوقود الحيوي بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا

ويواجه المنتجون مشكلة مزدوجة، وهي نقص العمالة والمخزونات التي وصلت لأدنى مستوياتها، فعلى سبيل المثال، خفضت إندونيسيا، أكبر منتج لزيت النخيل، صادراتها بشكل كبير لصالح السوق المحلية، وطبيعي أن الفوراق بين العرض والطلب تؤدي منطقيا إلى زيادة في الأسعار

كما أن أسعار النفط ترفع الطلب على الوقود الحيوي، في ماليزيا مثلا يحتوي زيت النخيل أيضا على أعلى التعريفات الجمركية، بسبب الطلب القوي جدا من البلدان المستوردة، وفي روسيا ينخفض إنتاج عباد الشمس، وتساعد التوترات الحالية في البحر الأسود على إبقاء سعر الذرة في البلدان الشرقية مرتفعا للغاية، وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال الطلب على الوقود الحيوي قويا جدا في جميع أنحاء العالم، بالنظر إلى سعر النفط

فضلا عما سبق ذكره، فيسجل انخفاض المحاصيل في البلدان المصدرة الرئيسية، ومن جانبها، قفز سعر الزيوت النباتية بنسبة 9,6٪ على أساس شهري ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، وارتفع زيت النخيل للشهر الرابع على التوالي

العوامل المناخية بدورها ساهمت في ارتفاع أسعار المواد الخام للزيوت، حيث ترجع أسباب الزيادة في الزيوت النباتية كذلك إلى المخاطر المناخية، فمثلا الجفاف أثر على الإنتاج في الولايات المتحدة وكندا بالنسبة لبذور اللفت وفول الصويا، والأمطار والفيضانات في البرازيل مرة أخرى بالنسبة لفول الصويا، والجفاف في جنوب فرنسا، وإسبانيا والبرتغال بالنسبة للزيتون

كما ترتفع أسعار الزيوت النباتية بسبب إنتاج زيت النخيل، ويرجع ذلك جزئيا إلى نقص العمالة الذي يغذيه كوفيد-19 في ماليزيا، وهي منتج رئيسي لزيت النخيل

ووفقا لمجلس البلدان المنتجة لزيت النخيل، ستواصل أسعار زيت النخيل اتجاهها التصاعدي بسبب الظروف الجوية في عدد من الدول المنتجة والتي كان لها أيضا تأثير سلبي على إنتاج زيت النخيل في ماليزيا

فضلا عن كل ما سبق وتم ذكره، هناك مشكل أساسي في ارتفاع أسعار الزيوت عالميا، حيث أن أوكرانيا هي المنتج الرئيسي لزيت عباد الشمس في أوروبا، وسعر الزيوت النباتية ارتفع مع تصاعد الحرب في أوكرانيا وانخفاض الإمدادات العالمية

وقد قفز مؤشر الفاو لأسعار الزيوت النباتية بنسبة 8.5٪ في فبراير إلى مستوى قياسي جديد بلغ 201.7 نقطة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع الأسعار العالمية لزيت النخيل بتزامن مع الطلب الدولي القوي الذي يوازيه انخفاض الإنتاج في إندونيسيا، أكبر مصدر في العالم

وفي الوقت نفسه، ارتفع زيت فول الصويا أيضا مع تدهور آفاق إنتاج هاته المادة في أمريكا الجنوبية، وتسببت المخاوف بشأن الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في منطقة البحر الأسود في ارتفاع أسعار زيت عباد الشمس، وبالإضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار النفط الخام أيضا إلى دعم أسعار الزيوت النباتية

في المغرب، يتزايد استهلاك الزيوت النباتية بشكل مطرد منذ عقد من الزمان، وفي مواجهة هذا التحدي تبذل جهود كثيرة لزيادة الإنتاج المحلي، الذي لا يزال منخفضا بالرغم من كل ذلك

وللتذكير، لا يزال إنتاج البذور الزيتية في المغرب غير كاف لتلبية استهلاك البلاد، حيث اشترت المملكة في السنة الماضية حوالي 450 ألف طن من زيت فول الصويا في السوق الدولية، مما يجعلها سابع أكبر مستورد في العالم وفقا لوزارة الزراعة الأمريكية

وأظهر الارتفاع في أسعار منتجات البذور الزيتية التي بدأت في نهاية عام 2020 أهمية تطوير الإنتاج المحلي للبذور الزيتية لتقليل اعتماد المغرب على الواردات وتحسين الاكتفاء الذاتي الغذائي

ويدعم هذه الطموحات البرنامج المغربي المشترك بين المهن والبرنامج المغاربي للبذور الزيتية، الذي يشترك في تمويله الاتحاد الأوروبي وإحدى المنظمات والذي يدعم المزارعين المغاربة الراغبين في تطوير محاصيل بذور اللفت وعباد الشمس

ومن أنواع البذور الزيتية السنوية الرئيسية التي تزرع في المغرب نجد عباد الشمس وبذور الكولزا، حيث أن عباد الشمس هو محصول البذور الزيتية الرئيسي ولكن مع التقلبات الكبيرة في المنطقة بسبب اعتبار المزارعين أن هذا المحصول بديل للمحاصيل الشتوية في حالة الفيضانات أو الجفاف، ويبلغ متوسط مساحة عباد الشمس في المغرب 44000 هكتار

وأصبحت زراعة بذور “الكولزا” أكثر أهمية اليوم باعتبارها واحدة من المكونات الرئيسية لقطاع البذور الزيتية في المغرب، وقد أجريت عدة بحوث في مجال التحسين الوراثي والثقافي لهاته البذور من أجل تنمية هذا المحصول، ومن ثم إعادة إدخالها في المغرب وخاصة يجهة الدار البيضاء سطات وفقا لأهداف مخطط المغرب الأخضر وأحكام عقد البرنامج

منذ عام 2012، سجل قطاع البذور الزيتية متوسط تغير سنوي في الإنتاجية بنسبة 57٪، وبالتالي، زاد إنتاج عباد الشمس من 19 ألف طن في عام 2012 إلى 38 ألف طن خلال موسم 2017-2018، وزاد إنتاج الكولزا من 10.000 طن (عشرة آلاف) إلى 50.000 طن (خمسون ألف).

غالبا ما تظل مساحة عباد الشمس متغيرة للغاية لأنها تمارس عموما كبديل عندما تؤثر الظروف المناخية بما في ذلك المياه الزائدة أو الجفاف في بداية الدورة الفلاحية على موسم الحبوب، ويمكن أن تصل هذه المساحة إلى أكثر من 50 ألف هكتار

وتبلغ احتياجات المغرب من الزيوت ومشتقاتها ما يقرب من 8 مليارات درهم سنويا، و في الواقع يتراوح حجم السوق المغربي بين 900 ألف و مليون طن وسوق زيوت المائدة يتراوح بين 400 ألف و 430 ألف طن، بينما زيوت المائدة المعبأة في زجاجات هي الجزء السائد بمعدل يتراوح بين 65 و 75٪ من الحجم الكلي.

ويندرج هذا القطاع ضمن الاتحاد المهني للبذور الزيتية “FOLEA”الذي تتمثل مهمته في تنظيم القطاع من خلال توحيد جهود مختلف الجهات الفاعلة، مثل وزارة الفلاحة، والمؤسسات الفلاحية الجهوية والشركاء.

ومع متوسط احتياجات مليون و80 ألف طن من مشتقات الزيت و756 ألف طن من زيوت البذور التي يتم توفيرها في الغالب عن طريق الواردات، و قد تأثر المغرب بشدة بارتفاع الأسعار، و وتجدر الإشارة إلى أنه في مواجهة تقلبات أسواق البذور الزيتية العالمية، فإن مسألة استقلالية الزيوت النباتية والبروتينات في المغرب تمثل تحديا كبيرا

ويتيح تطوير قطاعي البذور الزيتية ومنها عباد الشمس والكولزا المنتجة محليا، تقليل الاعتماد على الواردات، وتحسين الميزان التجاري، وتعزيز النشاط الاقتصادي، ولا سيما في المناطق القروية من البلد، وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير الإنتاج الوطني يقلل من التأثير على ميزانية الأسر المغربية

ولا يزال تحقيق مستوى معقول من تغطية احتياجات الإنتاج المحلي يشكل تحديا كبيرا، في المغرب، بالرغم من توفر المتداخلين في صناعة البذور الزيتية على طموحات كبيرة، ويخطط القطاع في استراتيجيته الجديدة المسماة “الجيل الأخضر” لمضاعفة المساحة المزروعة إلى 80 ألف هكتار بحلول عام 2030، بما في ذلك 30 ألف هكتار لبذور “الكولزا” و50 ألف هكتار لعباد الشمس، وهو ما قد يسمح بتحقيق إنتاج قادر على تلبية 15٪ من احتياجات استهلاك السوق بحلول هذا الموعد النهائي مقابل 1.7٪ في عام 2019 وخلق ما يفوق 170 ألف منصب شغل.

من خلال كل ما سبق ذكره، يتضح أن المغرب يبذل مجهودات كبيرة باعتباره بلدا مستوردا للزيوت النباتية بالدرجة الأولى، لتحقيق إنتاج محلي يسمح بتخفيض كلفة هاته الزيوت وبالتالي تفادي تأثير الزيادات الدولية المضطردة على القدرة الشرائية للمغاربة، حيث أن التبعية للسوق الدولية تساهم لا محالة في تحديد أسعار البيع داخليا

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *