الرئيسية اراء ومواقف صورة تتحدث..ضباب ذاكرةٍ ماضية

صورة تتحدث..ضباب ذاكرةٍ ماضية

كتبه كتب في 11 مايو 2021 - 00:52

بقلم: عبير الشارف

جلس في الكرسي الذي يتوسط حديقة عامة وسط المدينة، كأنه ينتظر شخصاً.. ينظر يمنةً و يسرة، يتفحص أوجه كل من يعبر أمامه، يتنهد.. ثم يتأكد من ساعته أن الوقت لم يتأخر بعد، و أن شخصا ما سيأتي للبحث عنه، لذلك كان عليه من الأفضل أن يلزم مكانه.. تائها، مرعبا، و يحاول أن يضبب هاته التكهنات التي تعبره.. ثم ينتظر. لم يحاول أن يسأل أين هو، ربما لأنه لم يتذكر اسمه و لا أين يسكن، و لا مع من.. لم يحاول أيضا أي شخص التجرؤ و سؤاله.. و إن كانت تعابير و جهه و لونه يعبران عن حالته و كل ما يدور في رأسه، أعتقد أن أحدا لم يلحظ ذاك، فالمدينة كبيرة، و الناس كل منهم مشغول، مسرع، في عالمه يسبح.. من تجاعيد وجهه، يبدو أنه في الثمانينات من عمره، و من ثيابه كأنه رجل خرج على حين غرة يتمشى.. هذا ما كان حينها يتبادر لذهني و أنا جالسة على الكرسي المقابل له.. أنتظر ما أنتظر.. فلا يهم. لابد و أن ذاكرته توقفت عن التحفيظ و التسجيل، و باشرت بالمسح و النسيان..لكن صدقاً، من نحن دون ذاكرة صاخبة بطرق مظلمة مضيئة متشعبة بمختلف الذكريات و اللقطات و الأشخاص و الأماكن و الروائح و الأحاسيس.. سواءً أ كانت جيدة أو سيئة، سهلة عادية أم علينا صعبة.. من نحن دون اسم و عائلة و عنوان.. من نحن دون شريط بسمات و ضحكات و بكاءات و صراخات و تعجبات و استفهامات و صدمات.. من نحن دون تجارب و خبرات.. من نحن دون أحلام تحققت و أخرى ما نزال عليها ساهرين نعمل.. من نحن دون أولائك الذين ساعدونا لنصل و نكون، و آخرين حطمونا و جرحونا لنتعلم كيف ننهض.. من نحن دون مواهب صقلت، و شخصية نحتت بتأن.. من نحن دون أفكار و معتقدات و قيم نؤمن و نعمل بها و نطورها.. فقط، و باختصار، من نحن دون خلفيات و ضباب ماضٍ.. من نحن دون ذاكرةٍ نعود إليها كمعجم و موجه و ضمير يقظ، لنقف مجددا..

صورة: أمين هواري

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *