الرئيسية مجتمع كيف غير الانترنت حياة المغاربة؟

كيف غير الانترنت حياة المغاربة؟

كتبه كتب في 4 مايو 2013 - 11:46

المجاهرة بنقد ما يعتبره البعض مقدسات.. علاقات قهرت حاجز المسافات والحدود.. قاموس لغوي جديد.. عمليات بيع وشراء ونصب… سجالات فكرية و عقائدية بعيدة عن أعين الإختصاصيين… هكذا تبدو حصيلة 18 سنة من العلاقة التي ربطت بين المغاربة والأنترنت، والنتيجة ما يشبه الطفرة بين ملامح مغاربة ما قبل وبعد الأنترنيت، بعد أن أصبحت المعارف والتجارب تشرع أبوابها بعد أول “كليك” لتجعل من بعض المغاربة “مشهورا”، ومن الآخر مفضوحا، وبين الفئتين صفوف من المنتفعين، والمهدرين للأوقات، أو الباحثين عن المحظورات..

«داك الصندوق فيه العجب.. مبقيتش كنضيع فلوسي على لكتابات» تقول إحدى السيدات التي تبدو تجربتها سطحية للبعض، لكن المرأة تتحدث بنبرة تقنعك بنوع من العمق وفقا لمعاييرها، « قبل الأنترنت، كنت أضطر لشراء كتاب طبخ لمجرد أن غلافه يعجبني، كما كنت مضطرة لكتابة العديد من الوصفات داخل أوراق متفرقة قد أنسى مكانها.. تغير كل شيء اليوم، حيث يمكنني الحصول على أي وصفة بعد بحث قصير» تقول السيدة التي ولجت عالم الأنترنت بفضل أبنائها الذين ألحو في الحصول على الأنترنت داخل البيت، لتتعلم منهم بعض أبجديات البحث التي أسقطت من يومياتها العديد من ممارسات الأمس، حيث لم تعد مجبرة على شراء بعض الكتب بدافع الفضول، لقدرتها على تحميل نسخ منها عبر الأنترنيت، كما لم تعد مجبرة على شراء كتاب يضم وصفات أجنبية بعد أن أشرعت مطابخ العالم أبوابها عبر الأنترنيت.

الأنترنيت .. بديل عن المجلات

ليس الطبخ البوابة الوحيدة التي تلجها ربات البيوت والأمهات، حيث فتح الأنترنيت شهيتهن لمطالعة المزيد من المعلومات حول نجومهم المفضلين، « هذا الجيل محظوظ، لأن له القدرة على الوصول إلى المعلومة في وقت قياسي، فيما مضى كنت مجبرة على انتظار مجلة الموعد، وكلام الناس، والعربي وغيرها من المجلات لمعرفة أخبار النجوم، أو القصص الممتعة حول الأمراء والملوك» تقول نجاة المرأة الخمسينية المهووسة بقصص شاه إيران، وزيجات الملك فاروق، ومغامرات أميرات موناكو… تضحك نجاة من فوارق الأمس حيث كانت تضطر للإحتفاظ بنسخ المجلات، في الوقت الذي أصبحت كل حكايات العالم متاحة أمامها اليوم.

هاد العجب .. غير الكثير في حياتها

الحاجة زهرة لم تمنعها أميتها من الإنتفاع بميزات الأنترنيت، لتؤكد أن “هاد العجب” وفق تعبيرها قد غير الكثير من الأشياء في حياتها، « في الماضي عندما كان زوجي بالخارج، كنت أضطر للخروج من أجل مكالمته عبر الهاتف، وقد كان الأمر مكلفا بعض الشيء، مما يجعلني أحادثه لدقائق معدودة كل أسبوعين.. لكن الأمور تغيرت اليوم، حيث أصبح بإمكاني محادثة بناتي بالساعات خلال اليوم عبر الأنترنت، ودون أن أضطر للخروج من البيت» تقول الحاجة التي تستعين بأحفادها من أجل تشغيل المحادثة بينها وبين بناتها في السويد، وإيطاليا حيث تتمكن من رؤيتهم، ورؤية أبنائهم، والحديث معهم في كل الأمور، «وأحيانا نتناول الشاي في نفس الوقت وكأننا في جلسة مغربية» تقول الحاجة التي تستميت في الانتفاع من الأنترنت لأقصى حد.

متاهات تلهي عن الدراسة

سندس ذات الثامنة عشر، لها طريقتها الخاصة في التعامل مع الأنترنت كأقرانها من الجيل الذي استنشق نسمات هذه الطفرة في سن مبكر. الأنترنت بالنسبة لها أمر بديهي لا يتحمل طرح السؤال، « لقد أصبح مثل الهواء، والماء، والكهرباء.. شخصيا أصاب بنوبة غضب عندما تكون هناك مشكلة في الشبكة» تقول الفتاة التي لا تكف عن تصفح تطبيقات هاتفها الذكي، وكأنها تخشى أن يفوتها جديد في عالمها الإفتراضي الذي تحمله بين يديها.
الموضة، أخبار المشاهير، أخبار الأصدقاء، فيديوهات الفضائح، آخر الأغاني… جزء من اهتمامات سندس في عالم الأنترنت، وهي اهتمامات تثير غضب بعض الآباء الذين يرون أن جيل اليوم من الصعب عليه التركيز في دراسته بسبب الإبحار اليومي عبر الشبكة العنكبوتية، « لقد كنت مترددة كثيرا في الانخراط بالأنترنت، لكن أولادي كانوا يتحججون بأنه مهم بالنسبة لدراستهم، إلا أنني نادرا ما أراهم يستغلونه في الدراسة»، تقول رحمة التي ترى أن كلا من أبنائها يستغل الشبكة وفقا لميولاته باستثناء الدراسة، حيث تقضي ابنتها جل الوقت في البحث بين صفحات الموضة، ومواقع التسوق، وهو الأمر الذي لا تنكر الأم بأنه مغري بعض الشيء، «فكرة البحث بين المنتجات مغرية جدا ومفيدة، خاصة أنها تعفيك من عناء التجول الطويل دون أن تكون لك فكرة مسبقة عن نوعية المنتجات، وأثمنتها، كما أنها تساعدك على التنسيق بين الملابس من خلال النماذج المعروضة» تقول الأم التي ترى أن الأمر مغري جدا، ويدخل المتصفح في متاهات قد تأخد كل وقته مما يجعل التركيز على الدراسة شيء مستبعد.
منطق التغيير يحد من تخوف الأم التي ترى أن لكل جيل قوانينه، وإن كانت تعجز عن مسايرة وتيرته التي تفوق طاقتها، «على الرغم من أن كل أبنائي مدمنون على الأنترنت، إلا أن ابني الأصغر يبدو أكثر تشبعا بثقافته، حيث فرض علينا قاموسا جديدا داخل المنزل» تقول الأم التي وجدت أن كلمات مثل، “بارطاج”، “لايك”،” كليك”، “سيبريمي”، “لوحها في اليوتوب”، “لوحها في الفايس”، “تويتي”…كلها أصبحت جزء من الحديث اليومي ضمن استعارات تكشف أن ابنها دمج بين عالمه الواقعي، والافتراضي.

تعارف عن بعد.. وقصص وهمية

صفة الافتراضية دفعت البعض إلى الاعتقاد أنه في مأمن من محاسبات المجتمع المحافظ الرافض لبعض السلوكات الجديدة التي يتبناها الشباب، ومن بينها حصد متع جنسية عن بعد، « في الماضي كنا نخاف على بناتنا عندما يتغيبن عن البيت، اليوم كل الخوف من جلوسهن طويلا داخل البيت»، تقول إحدى الأمهات التي تابعت كما كل الآباء فضائح تروج لتجارب حميمية للعديد من الشباب أمام كاميرات الحاسوب، مما جعل من البعض يرفض فكرة تواجد الأنترنت داخل البيت، اعتقادا أنه بوابة لدخول تجارب لا تحمد عقباها، « زوجي يرفض الاشتراك في الأنترنت، ويرفض فكرة فتح حساب خاص على الفايس بوك، أو أن يكون لي بريد الكتروني، كما يشكك في نية أي فتاة لها حساب خاص على أحد مواقع التواصل، لأنه يعتقد أنها قد دخلت أكثر من تجربة مع رجال قبله»، تقول سعاد التي لا توافق زوجها في رأيه، وتحتفظ بحقها في الدخول في العديد من المحادثات عبر الأنترنت مع شقيقاتها كلما زارت بيت أسرتها، معتبرة أن رأي زوجها نابع عن شعور مرضي وجرعة شك زائدة.
القلق من مطبات العالم الافتراضي، لم يعد حكرا على الآباء الذين يكتشفون زلات أبنائهم الموثقة بالصوت والصورة، أو الأزواج الذين ينجرفون في قصص وهمية تنتهي بخيانة افتراضية، أو خيانة مباشرة هيأت لها العديد من المحادثات السابقة، ليصبح القلق من الشريك المستقبلي هاجسا لبعض الشباب الذي يبحث عن شريك عبر مختلف شبكات التواصل، « أعتقد أن الأنترنت قد يرفع من حظوظ اللقاء مع الشريك المناسب، لكن لابد من الحذر، لأن أي شخص له القدرة أن يصبح مهندسا، أو طبيبا، أو رجل أعمال مقيم في الخارج بكبسة زر، وهو ما يدخل الكثيرات في دوامة من الأكاذيب التي تنتهي دون سابق إنذار» تقول إحدى الشابات التي كانت شاهدة على بعض العلاقات الناجحة عبر الأنترنت، وكذلك الكثير من العلاقات الفاشلة القائمة على الكذب والخداع.

«هوما كيتفلاو علينا.. وحنا كنتفلاو عليهم»

الخداع، كلمة لا تثير قلق الكثيرين أثناء دخول علاقات افتراضية تترجم إلى لقاءات على أرض الواقع، «هوما كيتفلاو علينا.. وحنا كنتفلاو عليهم» تقول إحدى المراهقات، التي تكشف أن الرغبة في تحويل أي علاقة إلى خانة الجدية من الشباب والشابات، لم تعد أمرا واردا كما علاقات الأمس، حيث تعلم الكثير من الفتيات أن كلمة الإعجاب التي ذيلت بها صورتها على صفحات التواصل الإجتماعي، تتكرر على أكثر من صورة، وبنفس الطريقة، لذا لا مانع لديهن في تلبية دعوة لحضور حفل، أو لقاء، والقيام بنزهة مع من يدعي الإعجاب، على أن تعاود التجربة مع شخص آخر، « إبداء الإعجاب لا يعني التفكير في علاقة جدية، المهم هو الحصول على المتعة المتاحة، من خلال التعرف على أصدقاء جدد، وزيارة أماكن جديدة » تقول المراهقة التي ترى أن الزمن الذي كانت الفتاة تفكر في الإرتباط برجل لمجرد أنه يبادلها عبارات التحية قد ولى ..

توثيق الفساد.. لإحراج السلطات

كثيرة هي الأشياء التي ولت إلى غير رجعة، ومن بينها عادة الهمس عندما يتعلق الأمر بإنتقاد الطابوهات و”المقدسات”، والتوجهات التي سُوق لها كوحي منزل غير قابل للطعن أو النقاش… لتصبح المجاهرة بالرأي المضاد من الممارسات التي اعتمدت على الأنترنت لتكسر حاجز الخوف، وتجمع المؤيدين لفكرة ما، أو الرافضين لتيار ما ضمن مجموعات، أو صفحات، أو منتديات لتعرف الرأي العام بآخر نشاطاتها، وتفرد نقاشات للدفاع عن توجهاتها.
غنى الأدوات التي وفرها الأنترنت، جعلت البعض ينتقل من مرحلة الاستنكار، إلى مرحلة التوثيق لإشهار الدليل في وجه المفسدين من أجل إحراج السلطات التي تكتفي في الكثير من الأحيان بالتفرج لحين الإنخراط في حملات موسمية لمحاربة مظاهر الفساد، مثل التقاط صور وفيديوهات لرجال أمن يتلقون الرشوة، أو تجار يروجون للمخدرات في واضحة النهار داخل الأحياء الهامشية، أو نساء يلدن في بهو المستشفيات بسبب إهمال الأطقم الطبية، أو غياب التجهيزات اللازمة، إضافة لأماكن تضج بعاملات الجنس اللواتي يتصيدن زبائنهن على بعد أمتار من رجال الأمن.

كسر رتابة الحياة السياسية!
قد لا ينتهي إشهار الدليل في الكثير من الأحيان بتغيير الواقع، لكنه قد يتحول مع الوقت إلى مصدر فرجة وجلب الكثير من المعجبين داخل مواقع التواصل، كما هو الحال مع زلات الوزراء، والسياسيين الذين تغيرت نظرة المواطنين لهم، بعد أن كانوا مجرد شخصيات جامدة تطل عليهم عبر نشرات الأخبار بربطات عنق وبذلات متشابهة، ليكتفوا بإطلالة موسمية تسبق موعد الانتخابات، أو مداخلات مجترة داخل قبة البرلمان… ليصبحوا بفضل الأنترنت أكثر حضورا، وأكثر شهرة من خلال تداول صورهم الشخصية، وفضائح أبنائهم، أو زلات لسانهم، أو من خلال استغلال صفحاتهم على المواقع الاجتماعية لتمرير انتقاداتهم لبعضهم البعض، أو الكشف عن بعض المعطيات المتداولة داخل الغرف المغلقة دون الحاجة لقنوات رسمية.. ليصاب المتتبع “بتخمة الأخبار” بعد موجة الجوع المعلوماتي التي عاشها ما قبل مرحلة الأنترنت.

هاكرز.. ومجموعات خارج رقابة الدولة

الانتقادات قد لا تجد دائما صدرا رحبا يتقبلها بالقبول الحسن، لذا وجد بعض المغاربة ممن وطد علاقته بعالم الأنترنت بطريقة خاصة في الرد على المخالف، وذلك من خلال إلغاء وجوده من العالم الافتراضي الذي أصبح تأثيره جزءا من العالم الحقيقي. إنها لغة الهاكرز الذين أصبحوا جزءا من الرأي العام الذي لا يقبل دور المتفرج لحين اتخاذ الدولة ترتيباتها اللازمة لإيجاد الرد المناسب، ليصبح لجزء من المغاربة اليد الطولى للتنفيس عن غضبهم اتجاه ما يعتبرونه تدخلا في شأنه الداخلي، من خلال اختراق مواقع رسمية لقنوات أو شخصيات عامة تقحم نفسها في الشأن الداخلي، بعد أن كان رد فعل المواطن في الماضي يقتصر على استنكارات…
هجمات الهاكرز المتحيز لبعض القضايا الوطنية، تأتي نتيجة تنسيقات معقدة لأفراد من بلدان مختلفة، بعد أن حطم الأنترنت عقبة المسافات، ليصبح من السهل على أي مجموعة التنسيق فيما بينها مهما ابتعدت المسافات.. والنتيجة فئات من المغاربة المتبحرين في ثقافات جديدة كانت معرفتها حكرا على من سنحت له فرصة السفر خارج المغرب.
الحديث اليوم عن تفاصيل الثقافة التركية، والكورية، والأمريكية… أصبح أمرا شائعا لمن جرفه سحر دراما هذه الدول.. وإلى جانبها حكايات أخرى لمن جرفه الفكر التحرري، والجدل العقائدي، والثقافة الجهادية التي تحررت من سياج التضييق والرقابة، بعد أن تمكن الأنترنت من بسط الأمور بطريقة تعجز أعين الأنظمة الحالية عن حصرها، في الوقت الذي كان فيه أنصار الفكر المخالف للنظام يجتهدون في إخفاء كتب تحمل توقيع أسماء مغضوب عليها، مما يستلزم وضع اليد على القلب كلما طرق طارق الباب..!
اختلفت الأمور اليوم في مغرب ما بعد الأنترنت، لتصبح الأبواب مشرعة أمام كل التيارات والأفكار بعد أن قهرت لوحت المفاتيح كل العقبات، وأصبح من الممكن للبعض المجاهرة بما يعتبره المجتمع عيبا، كما أصبح بإمكان البعض تتبع أخبار من تعتبرهم الجهات الأمنية عناصر خطرة تروج لفكر دموي، حيث يمكِّن الأنترنت من تداول أشرطة توثق لعمليات دموية ساعات قليلة من تنفيذها، مما يسمح بحصد الكثير من الأنصار والمنتقدين قبل تبين حقيقتها، وهو الأمر الذي لم يكن ممكنا خلال فترة ما قبل الأنترنت، حيث كانت قصص العمليات تستلزم مرور فترة ليتم الكشف عن فصولها بين ثنايا المذكرات، أو أشرطة مصورة يتطلب ترويجها دخول مغامرة غير محسوبة، مع ضيق الحيز الذي تروج فيه.

عقيدة شيعية وافدة

إلى جانب التعاطف تتبلور ملامح عقدية يبدو أنها أرسخ من أن تكون مجرد تعاطف عبر صفحات التواصل. «لبيك يا حسين».. «عظم الله أجوركم في مصاب الزهراء» … عبارات يخيل لمطالع بعض الصفحات أن أصحابها من رحم الحوزات الشيعية بالنجف الأشرف بالعراق، أو قم بإيران، قبل أن يكتشف أنها صفحات تخص مغاربة من طنجة، الحسيمة، الناظور، ورزازات وغيرها من المدن.
صفحات ما كان أصحابها ليسمعوا يوما عن ماهية العقيدة الشيعية كما يتبناها الشيعة في زمن ما قبل الأنترنت، حيث كانت المعرفة تقتصر على الرواية الرسمية، والروايات الجاهزة التي تقدم “إيران الخميني” كدولة عدوة للسنة، يسب أتباعها الصحابة، ويكيدون لكل مخالف، وغيرها من الروايات التي كانت تحجب الجانب السياسي من الطرح الشيعي الذي تمكن من التسلل إلى عقول بعض المغاربة عبر بوابة الأنترنت، التي أُشرعت بتزامن مع بوابة الفضائيات لتضع أمام بعض المغاربة صورا أخرى من صور “التشيع السياسي” في طلته اللبنانية التي حاول البعض استغلالها ليقدمها كنموذج بديل عن التجربة “الفارسية السيئة السمعة”… تشابك المعطيات أدخل فئة من المغاربة في نقاشات تبدو للكثيرين غريبة عن البيئة المغربية، واهتمامات المواطن، إلا أنها كانت جزءا من عوالم الأنترنت التي انفتح عليه المغاربة. وينفتح على المزيد منه بعد كل كبسة زر…

سكينة بنزين

مشاركة