الرئيسية اراء ومواقف الأخلاق الدينية و لعبة الأقنعة

الأخلاق الدينية و لعبة الأقنعة

كتبه كتب في 28 يونيو 2012 - 11:05

لم يفهم العديد من الفاعلين الإسلاميين، وخاصة منهم الذين ما فتئوا يناوئون الحريات الفردية بالمغرب، معنى أن تتحيز الجمعية المغربية لحقوق الإنسان للقيم الإنسانية وللحريات ضد أية خصوصية ضيقة تنتهي غالبا إلى إهانة الإنسان و هضم حقوقه الأساسية. و ذهب البعض منهم من الذين يقرأون مواقف غيرهم بتسرع، إلى أننا نهدف إلى فصل الأخلاق عن أية مرجعية، و الحقيقة أن الأمر يتعلّق بالدفاع عن تعدّد المرجعيات، الذي هو واقع لا ينكر، و عن سمو القيم الكونية التي تتجاوز بطبيعتها كل الأديان، لأن الأخلاق أوسع من الدين، دون أن يعني هذا عدم وجود أخلاق دينية، و لكن الصعوبة تكمن في إقناع المتشدّدين في الدين بوجود مرجعية كونية تقوم أساسا على اجتهاد العقل البشري المستقل عن أية سلطة ميتافيزيقية، و الذي يستلهم تجارب الإنسان و تراكم خبراته عبر تاريخ الحضارات الطويل. فالمشكلة تكمن أساسا في كون الأوامر و النواهي الدينية تكتسي طابعا مطلقا و إن كانت قد انبثقت من مجتمع خصوصي، بينما تكتسي القيم الكونية طابعا نسبيا يسمح للإنسان بإعادة النظر فيها حسب المصالح و الأوضاع و السياقات التي قد تنقلب رأسا على عقب بين فترة تاريخية و أخرى، فإذا كان الدين الإسلامي مثلا يتضمن بعض المبادئ الأخلاقية ذات الصبغة الكونية مثل النهي عن الكذب و الأمر بحسن معاملة الأبوين و عدم الغش في الميزان، فإنه يتضمن في نفس الوقت مبادئ لا يمكن اليوم الدفاع عنها بأي حال من الأحوال، لأنها ترتبط بسياق سوسيوثقافي لم يعد قائما، و ذلك مثل إباحة ضرب النساء و كل أخلاق معاملة العبيد و الإماء و شرعيات الرق و العبودية، و النهي عن تناول مأكولات أو مشروبات معينة و عن اختلاط الجنسين، أو عن الجلوس بشكل معين أو ارتداء أثواب معينة أو الموقف من الغناء و الرقص و استعمال الآلات الموسيقية إلخ.. فهذه كلها و كثير غيرها أخلاق دينية خصوصية غير قابلة للتعميم على أفراد المجتمع الواحد فكيف بمجتمعات العالم، إلا في حالة قيام أنظمة شمولية ذات طابع ثيوقراطي تفرض منظومة أخلاق دينية بقوة الحديد و النار و بالرقابة البوليسية كما هو الشأن في إيران أو العربية السعودية، أو كما كان عليه الشأن أيام الإرهاب الكنسي في القرون الوسطى الأوروبية. غير أنّ هذه النماذج البغيضة تنطوي في صميم حقيقتها الإجتماعية على مفارقات مضحكة مبكية، فما يجري وراء الأبواب و الأسوار لا علاقة له بالواجهة الخارجية التي تحرص السلطة و قوى التقليد المتزمتة على فرضها، فنسبة الأطفال المغتصبين في السعودية حسب الإحصائيات المعلنة من قبل منظمات حقوقية تصل إلى 44 في المائة، و هي نسبة مهولة تدلّ على وجود مجتمع مريض و منحرف و بعيد كل البعد عن الأخلاق الإنسانية، كما أن الذين يعرفون حق المعرفة المجتمع الإيراني يؤكدون بأنّ أعدادا كبيرة من النساء الإيرانيات يقضين وقتهن في  اصطياد المغامرات الجنسية المثيرة من وراء “التشادور” المحروس ببنادق الحرس الثوري. و هذا ما يكشف عن سطحية مفاهيم “العفة” و “الكرامة” لدى المتشدّدين، فالمرأة التي يتم تلفيفها في أنواع القماش الأسود هي أبعد ما تكون عن العفّة و الكرامة في واقع الأمر، لأن هاتين القيمتين لا ترتبطان بالمظاهر الخارجية للسلوك، كما أنهما لا تنفصلان عن الحرية وعن التربية العقلانية السليمة.

إن ما يهدف إليه المتطرفون و مروّجو الإيديولوجيا الوهابية باللغط الذي يحدثونه بين الفينة و الأخرى حول الآداب و الفنون و الأخلاق هو إعادة دولة الإستبداد القديمة، و ذلك بصنع واجهة أخلاقية من الورع المفتعل الذي يخفي وراءه كل أنواع الإنحراف المشينة، و الأمراض النفسية و التناقضات القاتلة، في مناخ من الرقابة و عنف السلطة و ظلام الروح. إنها لعبة أقنعة فجّة و نماذج مجتمعية فاسدة غير صالحة للإستيراد، و من المؤسف أن ثمة من يسعى إلى زرع بذرتها الخبيثة في المغرب، مما ستكون له عواقب وخيمة على الوعي العام و على مشروع التحديث و الدمقرطة بكامله، إذا لم تتنبه القوى الديمقراطية و تتعبأ للعمل في عمق المجتمع لتجاوز عوامل التخلف و النكوص.

مشاركة