الرئيسية اراء ومواقف أيت باعمران : الأُمِّية تَحكم، تَسُود،، وهل ستعود؟

أيت باعمران : الأُمِّية تَحكم، تَسُود،، وهل ستعود؟

كتبه كتب في 18 يوليو 2015 - 02:15

في البداية لا بد من تسجيل تحفظ حول مفهوم “الأمية” وبعض من استعمالاته المفرطة في ميادين وحقول مختلفة، إلى درجة أصبح فيها هذا المفهوم يعاني من تمييع شديد ومن سوء التوظيف. وبالتالي فإن استعمالنا لهذا المفهوم في هذا الإطار خارج عن أي تجريح أو تقريع، وإنما نرمي من خلاله تشريح سوسيولوجي سريع حول انتشار الأمية) الأبجدية والوظيفية) في صفوف المنتخبين والأعضاء الذين يسيرون الجماعات القروية في مناطق آيت باعمران. وإذا كان الحق مضمون ومكفول لجميع المغاربة الترشح للانتخابات بشتى أنواعها إلا أن توفر مستوى تعليمي يبقى ضروريا وإجباريا، على الأقل، في حالة الترشح لرئاسة المجلس الجماعي.
إن ما أثار اندهاشنا بعد استجماع معطيات دقيقة حول كل الأعضاء المنتخبين والتأكد من مستواهم التعليمي، وقراءة مسارهم، هو طغيان الأمية، بشكل مخيف في كل المجالس باستثناء بلدية افني التي تعيش وضعا خاصا، فقد تجاوزت الأمية نسبة 60% ، في المجالس المنتخبة بالجماعات القروية، وتصل في بعضها إلى الأغلبية المسيطرة، حيث يكثر عدد الأعضاء الذين لم يسبق لهم الولوج قط المدرسة على الذين لهم مستوى تعليمي معين. ولا غرابة أن تحصل هذه الحالة الشاذة في الجماعة التي عرفت أول مدرسة عمومية نظامية في مناطق ايت باعمران، ومضى رئيسها وقتا طويلا في المحاكم يدافع عن نفسه ليسقط عنه تهمة الأمية، يواجهها به رئيس سابق، وهو صراع لم تحسم فيه المحاكم طبعا، لأن الرئيس لم يسبق له أن كان تلميذا في صغره، وإنما انتهى بصلح مشبوه بين الطرفين قيل عنه الشيء الكثير…. وأصبحت هذه الجماعة المسكينة يحكمها رئيس لا يعرف القراءة والكتابة.
هذه الظاهرة المتفشية في كل مناطق المغرب، وخاصة البوادي، لها انعكاسات وخيمة على تسيير الشأن العام وعلى تنمية البلاد وتطويرها، وكذلك على العمل السياسي والتمثيلي. فكيف يستطيع مواطن لا يقرأ ولا يكتب مواكبة التحول والتطور الذي يعرفه المجتمع والإدارة والمحيط. قد يكون هذا الأمر مقبولا فيما مضى، لكن اليوم فهو مرفوض ولا يجب السكوت عنه، في وقت بزغت فيه طاقات وقدرات شابة لها من العزيمة والإرادة ما يكفي ويزيد من اجل التغيير.
في إحدى الجماعات التي كانت الأمية السبب الرئيسي في قنبلة الأوضاع وتسميم أجواء المجلس، كانت مهمة الكتابة أوكلت لمستشار لا يكتب ولا يقرأ، وبقيت الصفة صورية فقط لتوزيع الأدوار والمهام، وذات يوم أراد الرئيس أن يضغط على جرح زميله كاتب المجلس وسلم له الارواق والقلم لكتابة تقرير عن أشغال الاجتماع، ثم قال للأعضاء الآخرين إنه أمَّي لن يستطيع كتابة شيئ. أجابة الكاتب : “الله أَسَارْ كيغ سكرْغْ تُومِّيتْ”. ومنذ تلك اللحظة بدأت الصراعات وسياسة “قطع عليا نقطع عليك” ولم يسطتع الرئيس منذ ذلك الحين المصادقة على أية ميزانية وفقد المجلس توازنه وذهب أدراج الرياح… ولسنا في الحاجة إلى قول أشياء كثيرة تسيئ للعمل الجماعي وحتى لسمعة القبائل والجماعات والإفراد، سببها أمية وجهل بعض الرؤساء والمنتخبين أثناء إلقاء كلماتهم وخطاباتهم في بعض المحافل والملتقيات الكبرى …”لي فينا كفينا”.
حتى جماعة ميراللفت التي تنتظرها رهانات تنموية ومجالية مهمة واستراتيجية، في المستقبل القريب، من خلال إعداد مخططات التهيئة وتوفير بنيات تحتية متينة وحديثة، لاحتواء التدفق السكاني وطلبات الاستثمار، لجعلها مركزا سياحيا جذابا على جميع المستويات. هي الأخرى؛ تعاني من أمية جزء مهم من الهيئة المنتخبة المكلفة بالتسيير. وهذا يشكل عائقا كبيرا في الرؤية والتخطيط والتعمير… أما التنمية فلأسف، أصبحت منذ مدة شأنا ومرتعا لمن هب ودب.
ومن خلال ترقبنا للوضع، يتبين لنا أن هذه الفئة التي ليس لها أي مستوى دراسي ولا تعليمي، وهي التي تشكل أغلبية المجالس حاليا. يزعمون الترشح في الانتخابات المقبلة، ومنهم من اعتاد على ذلك في كل موسم انتخابي منذ عقود، ويتميزون بقدرة كبيرة في التحكم على أصوات الناخبين باستعمال المال والقرابة وكل أشكال التأثير المعروفة في الوسط القروي. ولا يبالون بثيمة ووظيفة الانتخابات التي تتأسس أساسا على التداول والتجديد والتغيير.
إن منطقة ايت باعمران تعرف تحولات كثيرة ومتسارعة، تعيش دينامية اجتماعية وتنموية تستحق وجوها جديدة، تنتج طاقات وشباب مثقف جامعي وواعي، وأطر متمكنة، ومجربة. حان الوقت لجني ثمار أبنائها…. نأمل أن تنخفض درجات الأمية في سلم الخريطة المقبلة. كما نتمنى من جميع الأحزاب تجاوز النظرة التقليدية والمختزلة للانتخابات والبحث عن اطر مثقفة وطاقات جديدة لتمثيلها وتزكيتها.

عبدالله بوشطارت

يتبع…

مشاركة