الرئيسية تمازيغت رويشة .. 3 سنوات على رحيل هرم الفن الأطلسي الأمازيغي

رويشة .. 3 سنوات على رحيل هرم الفن الأطلسي الأمازيغي

كتبه كتب في 19 يناير 2015 - 13:18

قبل ثلاث سنوات، وبالضبط في يوم الثلاثاء 17 يناير من عام 2012، ودع آلاف المواطنات والمواطنين، بعيون باكية وقلوب خاشعة وزغاريد صادحة، هرم الفن الأطلسي الأمازيغي المغربي، محمد رويشة، إلى مثواه الأخير في مقبرة سيدي بوتزكاغت بخنيفرة، بعد إقامة صلاة الجنازة بالمسجد الكبير، ولم يتم التمكن من إخراج الجنازة من سيارة الموتى إلا بتدخل عناصر القوات العمومية من شدة الازدحام، بحضور عشرات الفنانين والمفكرين والكتاب والصحفيين والحقوقيين والجمعويين والرياضيين والنقابيين والسياسيين، والشخصيات المدنية والعسكرية، ومكونات المجتمع المدني، من الإقليم ومن مختلف مناطق المملكة، حيت ثم تقديم العزاء إلى عائلة الفقيد الذي يعد من الصناع الأساسيين لمجد الأغنية والهوية الأمازيغية منذ عقود.

وتوفي الفنان الكبير محمد رويشة (62 عاماً)، بعد صراع مرير ومعاناة مع المرض الذي نقل بسببه يومها إلى المستشفى الجامعي الشيخ زايد بالرباط، وفور “اندلاع” خبر الوفاة تقاطرت جماهير غفيرة من الموطنين والمواطنات والشباب والفنانين على بيت الفقيد من كل حدب وصوب، حتى أن الكثيرين لم يصدقوا الخبر أول الأمر، إذ تسبب تدهور حالته في متاعب صحّية أصيب خلالها باختناق وأزمة قلبية مفاجئة لم تمهله هذه المرة الوقت الكافي لأخذ الإسعافات الضرورية بالمستشفى الإقليمي حين أسلم روحه إلى باريها بالقرب من غرفته التي كان يلتقي فيها بإلهامه كالمتصوف الناسك وقد ملأ الدنيا بقسمات وتره وصوته الرخيم.

رحل هذا الفنان بعد مشوار طويل مع الفن والأغنية الأمازيغية الأطلسية، والعطاء المليء بالأحاسيس الساحرة والمتجذرة في تربة الأصالة المغربية العميقة، والملتزمة بقضايا وهموم الإنسان، وقد تميز اسمه على المشهد الفني من خلال ألحانه وكلماته الصادقة، دون تخليه عن سلوكه المتسم بالتواضع والتسامح والابتسامة والحكمة والعفوية والبلاغة والكرم وحب الناس، وعاش بين جيرانه تحت سقف بيت متواضع بحي شعبي (القروية)، على هامش مدينة خنيفرة التي كان يحبها حتى النخاع، وهو الذي ظل “سفيرها” بامتياز إلى آخر ثانية من عمره، مخلفا وراءه أربعة أبناء، ولدان اختار لهما من الأسماء “شكر الله” و”حمد الله”، وابنتان، “بركة” و”عائشة”، هذه الأخيرة التي سماها باسم الفقيدة أمه التي عوضت يتمه حنانا ودفئا.

وكان طبيعيا أن يستأثر رحيل “فريد الأطلس”، كما كان يلقبه الكثيرون، بحزن وبكاء عشاقه ومحبيه ومعجبيه على المستويين الإقليمي الوطني، عرب وأمازيغ، وهو الذي ذاع صيته عبر الملتقيات الدولية في إفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا بالنظر لمكانته الفنية المرموقة وشعبيته الواسعة، إلى حين صارت إيقاعات “وتره” تضاهي أقوى الآلات الموسيقية، كما ظل يوصف بواحد من المدارس الفنية المغربية الفريدة، ومن أكبر المغنيين والشعراء الشعبيين عندما عرف كيف “يستنطق” آلته الموسيقية ويضيف إليها “الخيط الرابع” ليتفوق بذلك على كل من سبقوه أو عاصروه، ويمزج بين الألوان الموسيقية في قوالب منظمة حتى أن اسمه (رويشة) المركب من كلمتين أمازيغيتين: “اروي” تعني “امزج” و”شا” تعني “الشيء”، ليكون ذلك “العملاق الفني” الذي صنع بأنامله سحر الحب والحياة والأم والإنسان والوجدان والطبيعة والأرض، وعزف لآلام الإنسان وقضايا التحرر والسلام والعدل والشعوب المستضعفة، ورغم عصاميته قاده نجمه الساطع إلى مجالسة الوزراء والعلماء والأدباء والباحثين والصحافيين والإذاعيين.

الفنان محمد رويشة، المولود عام 1950 بخنيفرة، والذي انقطع عن الدراسة عام 1961 بسبب تقديسه الشديد لنغمة الوتر، ظل غزير العطاء بشكل لم يعرف الجفاف إليه سبيلا، حيث “اعتنق” الفن في سن لا يتجاوز الرابعة عشرة عندما أطلق أغنيته الشهيرة “بيبي ووسغوي”، وإلى حين لمع اسمه بين شركات التسجيل وفضاءات المسارح واستوديوهات الإذاعة والمهرجانات والتظاهرات العالمية، والتقى بمئات الفنانين والمغنين والمبدعين، وأنتج المئات من الأغاني الأمازيغية والعربية، ومن أشهرها : “شحال من ليلة وعذاب”، “أكي زورخ أسيدي يا ربي جود غيفي”، “يا مجمع المؤمنين”، “قولوا لميمتي”، “أيورينو”، “الحبيبة بيني وبينك دارو الحدود”، و”صلوا على أبو فاطمة”، و”تبرم اساعت”، ورائعته الشهيرة “إيناس إيناس”، وقد نال العشرات من الشهادات التقديرية والجوائز والميداليات، كما تم تتويجه ب”الخلالة الذهبية” من طرف المجلس الوطني للموسيقى التابع لليونسكو.

انطفأت شمعة الفنان الكبير محمد رويشة على بعد أسبوع واحد من تنظيم سهرة تكريمية له صحبة المايسترو موحى الحسين أشيبان، يوم 24 يناير 2012، بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط، في حفل فني يحييه عدد من الفنانين تطوعوا للمشاركة فيه، بتعاون مع مسرح محمد الخامس والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وفعاليات إعلامية وفنية وجمعوية، وقد شاءت الأقدار أن تجمع محمد رويشة والمايسترو موحى الحسين أشيبان بالمستشفى الجامعي الشيخ زايد، حيث نقلا لتلقي الإسعافات والعلاجات الضرورية، وعادا الاثنان إلى بيتيهما بعد تماثلهما للشفاء وتجاوز محنتهما الصحية، إلا أن الرفيق الأعلى اختار محمد رويشة إلى جواره مبتسما كشهيد في أوج عطائه المتدفق.

خنيفرة: أحمد بيضي

 

مشاركة