الرئيسية ثقافة وفن مهن تندثر… محمد الراموش آخر عنقود بشجرة “الدرازين”

مهن تندثر… محمد الراموش آخر عنقود بشجرة “الدرازين”

كتبه كتب في 19 أبريل 2023 - 14:38

أمينة المستاري

 

الدراز…واحد من الكائنات الحرفية التي تسير نحو الانقراض، لمن لا يعرفه فهو الذي يقوم بنسج الصوف والحرير بواسطة “المرمة”، ويبدع منسوجات بأشكال هندسية جميلة مثل ستائر النوافذ والابواب وأغطية وألبسة تقليدية ناذرة.

عملية بحث دامت ساعات انتهت بالعثور على الدراز الوحيد بمدينة أكادير”محمد الراموش”، وليس هناك أي مخطط لتوريث هذه الحرفة الاصيلة للخلف مادام السلف اضحى محسوبا على رؤوس الاصابع. قدم الراموش من المدينة الحمراء قبل 40 سنة، بعد أن عمل بمجمع الصناعة التقليدية بالمدينة الحمراء لسنوات، وتم بعدها إرساله للعمل بمدينة الانبعاث، من أجل تعليم الناشئة أصول “تادرازت”، لكن استقر بها للأبد وأنجب فوق ترابها أبناءه.

داخل ورشته الصغيرة بقصبة سوس، انهمك محمد الراموش، في نسج غطاء أزرق من الصوف ب”المرمة” التي شبهها محمد ومساعده خالد بـ”الجسد” لها أذن ويدين ورجلين”، يمرر الملعم “النزق” لمساعده بخفة عبر المرمة بطريقة خفيفة وهو أداة للدرازة يحمل الخيط الصوفي أو الحريري، ثم يحرك المرمة برجليه في حركات متتالية كمن يضغط على مكابح سيارة، عمليات تمرن عليها المعلم محمد منذ صباه ،لا يتعثر فيها ولا يخطئ، يجر سلسلة على يمينه ويرفع قطعة حديد ويثبتها. يفعل كل ذلك وهو يتحدث مسترجعا طفولته وشبابه أمام المرمة، فهو يختزل قولة المغاربة الشهيرة ” حديث ومغزل”.

تحدث المعلم محمد الراموش عن صباه” أعمل درازا منذ 45 سنة، وأتذكر أبي حين قال للمعلم “هذا علمو لي انت قتل وأنا ندفن” قولة لطالما تذكرها وترحم على والده ومعلمه الذي لقنه حرفة أصيلة، كان الشباب يقبلون عليها بلهفة: ” قديما تعلمنا الصنعة على يد معلمين أكفاء، وأبدعنا فيها”.

يبتسم محمد وهو يتوجه بنظره نحو مساعده قائلا: “هذا الشاب مثال للصانع الذي جاء من خريبكة وكان مبتدئا فعلمته الصنعة وتشربها منذ سن 16 سنة، مبدعا مبتكرا ولا خوف عليه من السير على نفس النهج، مبدعا وفنانا في الحرفة” مع ذلك فاليد الواحدة لا تصفق لأن لا أحد أصبح يقبل على تادرازت.

“كنت أعمل بمراكش وأترأس مجموعة من الحرفيين، يعملون على 12 مرمة، كنا خدامين مزيان، وملي جيت هنا لأكادير خدمنا وكانوا معلمين مبدعين لكن للأسف مات اللي مات وبقي القليل، أما الشباب فهم عازفين على هاد الصنعة، حتى أبنائي رغم أنهم تعلموا بعض أساسيات العمل لكنهم انصرفوا لأمور أخرى، لإنا الوحيد الذي يعمل بالدرازة في أكادير، اشتهرت بالزخرفة والزواق باليد.

حكي المعلم محمد فقرات من حياته، ثم تأسف لفقدان معلمين “حرايفية” ولصنعة مهددة بسبب فقدان المعلمين وعزوف الشباب عن تعلم “الدرازة” . صحراوي الجذور يتحدر أجداده من تمكروت بزاكورة، ومراكشي الولادة والنشأة، لذلك يطلق عليه معارفه اسم “الصحراوي”، قام بتعليم إخوته ونساء الأسرة الصنعة خاصة “الجعابي” باستعمال الناعورة، أما باقي العمل فهو صعب يتطلب الصبر في ظل غياب الإبداع، محمد بحكم أنه آخر العنقود داخل شجرة الدرازين مع ذلك يعيش بكرامة مادام هناك عشاقة لنسيج من الطراز القديم ” الحمد لله تمكنت من إعالة أسرتي بمدخول الدرازة أحد أبنائي لاعب لكرة القدم “هشام الراموش” يحترف كرة القدم بفريق الجمعية السلاوية، وآخر توجه نحو تقنيات الهواتف النقالة، ليظل الأب متشبثا بالدرازة” منتوجي له عشاقة وزبناؤه سواء مغاربة أو أجانب، فنحن نقوم بنسج الجلباب الرجالي والنسائي والرواقات والمناديل والستائر وأغطية السرير …نبدع الأشكال والرسومات… ويتطلب نسج غطاء أو جلابة ساعات من الصبر”.

الدرازة حرفة من بين العديد من الحرف التقليدية الأصيلة الآخذة في التلاشي يوما بعد يوم، بمجموعة من المدن المغربية، لا يمكن الحفاظ عليها إلى بتعليم الجيل الناشئ والشباب، إحيائها من طرف الجهات الوصية على القطاع، وتشجيع الحرفيين والمعلمين التقليديين، ومنحهم الوسائل الكفيلة بتعليم الشباب ووالعمل على استدامة الخلف في المهنة، فالصنعة في طريقها إلى الزوال، في الوقت الذي تعرف فيه الصناعة التقليدية المغربية منافسة من بعض الدول، تحاول نسبتها الى نفسها، مما يطرح تساؤلات حول من سيستلم المشعل؟ ومن سيعلم الطاقات الشابة؟؟

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *