الرئيسية مجتمع مافيا نخاسة الخادمات الصغيرات ” تتمة”

مافيا نخاسة الخادمات الصغيرات ” تتمة”

كتبه كتب في 18 يونيو 2013 - 23:37

تتمة روبورتاج” مافيا نخاسة الخادمات الصغيرات”

نفض الغبار عن قانون ” عمال المنازل”

بعد جدال ونقاش دام سنوات، أخيرا صادقت الحكومة في الثاني من ماي المنصرم، على مشروع قانون رقم 12-19 بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعمال المنزليين، الذي توعد كل مشغل لعاملة دون سن 15 بالسجن . يهدف المشروع الذي خضعت نسخته القديمة إلى تعديلات وملاحظات، إلى ضبط العلاقات التي تربط هذه الفئة من الأجراء بمشغليهم٬ وذلك من أجل إقرار حماية اجتماعية لهم وتمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على ظاهرة تشغيل الطفلات دون الخامسة عشر. تركزت أهم التغييرات -حسب مذكرة تقديم المشروع- حول لفظ “العمال المنزليين” بدل “خدم البيوت”. ويشترط القانون فيمن تتراوح أعمارهم بين 15 و18 سنة على موافقة أولياء أمورهم للاشتغال كعمال منزليين، كما يضمن القانون للعامل المنزلي الراحة الأسبوعية المحددة في 24 ساعة، يمكن باتفاق الطرفين تجميع أيامها على أن تعطى خلال الشهرين المواليين لتاريخ وقفها، إضافة إلى عطلة سنوية مدفوعة الأجر إذا قضى ستة أشهر في خدمة صاحب البيت لا تقل مدتها عن يوم ونصف يوم عن كل شهر، فضلا عن الراحة خلال أيام الأعياد الدينية والوطنية.
اشترط مشروع القانون ألا يقل المبلغ النقدي المدفوع للعامل عن 50 في المائة من الحد الأدنى للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، قال إن هذا الأجر يتم تحديده بتراضي الطرفين، ويدخل في احتسابه بالإضافة إلى المبلغ النقدي مكملات أخرى مادية أو عينية.  ونص القانون أيضا في باب الأجور على ضرورة تمتيع العامل المنزلي بتعويض عند فصله إذا قضى سنة عند المشغل.

أقر المشروع عقوبات في حالة الإخلال بمقتضياته، من قبيل فرض غرامة تتراوح بين 25 ألف و30 ألف درهم لكل شخص استخدم عاملا منزليا إذا كان عمره يقل عن 15 سنة، أو استخدم عاملا منزليا دون ترخيص من ولي أمره إذا كان عمره يتراوح بين 15 و18 سنة، وكذ نفس الغرامة لكل وسيط اعتيادي في عملية التشغيل…

من جهة أخرى، يعاقب القانون بغرامة تتراوح بين 300 و500 درهم كل عامل منزلي لم يقدم لصاحب البيت جميع الوثائق التي يطلبها، ومن لم يحط صاحب البيت علما بكل تغيير يطرأ على عنوانه أو حالته العائلية، والعقوبة ذاتها تطبق على الأشخاص الذين يستخدمون عمالا منزليين في أشغال تشكل خطرا بالغا عليهم أو تفوق طاقتهم أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة. كما يشترط القانون أن يقدم المشغل تصريحا وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي، يوقعه هو والعامل مع مراعاة شروط الأهلية المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود.

تقرير”هيومن رايتس ووتش” عن الطفلات الخادمات… واقع أسود

في تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” لخص مجمل ما تتعرض له الطفلات الخادمات في المغرب في:  الضرب بالأيدي وبالأحزمة والعصي والأحذية والأنابيب البلاستيكية “التيو”، والتحرش والاعتداء الجنسي، علاوة على السب والتجويع والحرمان من الراحة”. تقرير رسم واقعا سوداويا عن وضعية نسبة مهمة من الخادمات المنازل خاصة الطفلات. حسب ذات التقرير تتحدر الأغلبية العظمى من عاملات المنازل القاصرات،  من مناطق ريفية فقيرة، ينتقلن للعمل في المدن الكبرى من قبيل الدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة وأكادير وفاس، لتأمين دخل ثابت لأسرهن التي أظهرت دراسة جمعية إنصاف أن 9 في المائة منها فقط تتوفر على دخل قار و94 في المائة من الأمهات و72 في المائة من الآباء أميون لا يقرؤون ولا يكتبون. ووقفت اهيومن رايتس ووتش على أن أصغر عاملة بدأت العمل بالبيوت من أصل 20 خادمة، موضوع الدراسة، في سن لا يتجاوز الثامنة، و15 منهن زاولن العمل في أعمار 9 و10 و11 سنة. وأكدت المنظمة أن الوسيط  غالبا ما يأخذ عمولته من أسر الخادمات أو تظل العمولة دينا على الخادمة تدفعها من مدخولها لأشهر. كما يتقاضى الوسيط عمولته من المشغل.يؤكد تقرير المنظمة الحقوقية أن غالبية الفتيات لا يعرفن أصلا كم يتقاضين، مقابل عملهن المستمر خادمات لدى مشغليهن، ذلك أن الآباء أو الوسطاء، في جميع الحالات، يتفاوضون على أجورهن، ويرسل مباشرة إلى أسره في متم كل شهر. ويضيف التقرير أن أغلب العاملت تبدأن العمل في ساعة مبكرة من الصباح ولا ينتهي عملهن إلا في المساء دون فرصة كافية للاستراحة، إذ غالبا ما تكون الطفلة القاصر أول من يستيقظ في الصباح وآخر من يأوي للفراش ليلا، كما يعملن سبعة أيام في الأسبوع دون أيام راحة، إذ يمكن لبعضهن أن يعملن لمدة عامين دون الحصول على يوم راحة واحد. وأكد التقرير أنه نادرا ما يسمح للخادمة الاتصال بأسرتها أو مقابلتهم أو حتى مهاتفتهم. ورغم تعرض الكثير من الخادمات للعنف المتكرر وظروف عمل ومعيشة قاسيتين، لا تجرؤ الخادمات القاصرات على الهرب، لدوافع، عزتها المنظمة الدولية إلى عدم معرفتهن بالمدينة التي يعملن بها وعدم إتقانهن العامية العربية بما أن جلهن يتحدثن الأمازيغية.

 جمعية ماتقيش ولادي ” نجية أديب”: “أطالب بالحبس لمن يشغل طفلة صغيرة”

 اعتبرت نجية أديب في تصريح لمجلة “نساء من المغرب” أن كل من يشغل طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها السابعة أو العاشرة و15 سنة يجب أن يعاقب بالحبس، نفس الأمر بالنسبة للسماسرة.

تؤكد أديب: “لا أتصور أن طفلة تقوم بأعمال التنظيف وحمل الأفرشة الثقيلة ” السدادر” والنهوض مبكرا لجلب الخبر من عند البقال وتحضير طعام الإفطار… إضافة إلى ” تكميد رجل لالاتها” ومرافقتها للحمام لجلب الماء فيما هذه الأخير تتبجح أمام النسوة في الحمام وتتباهى بتوفرها على خادمة. تضيف نجية أديب قائلة : ” بالنسبة للسماسرة فهم يملئون الأسواق بالغرب وسيدي قاسم وسيدي سليمان وقرية بامحمد … للقاء أصحاب السيارات الفارهة حاملين ” أجندة” بها أسماء أرقام ومعلومات عن الخادمات وأسرهن… لمن يرغب في جلب خادمة، اللتي غالبا ما يشترط في كونهن ” رمانة مغمضة” أو ” يتيمة” ولا حول لها ولا قوة.

والملاحظ أن الفئة التي تشغل الخادمات هي في الغالب فئة المثقفين والمتعلمين من أطباء وقضاة، أساتذة… أرى فيهم أشخاصا ساديين يتمتعون بتعذيب كائن يخدمهم أو تجويعه وإرغامه على المبيت على الأرض أ في الشرفة والمطبخ.”

أنا شخصيا ضد تشغيل ليس فقط خادمات أقل من 15سنة بل أيضا حتى سن 17 سنة.  والمعضلة الكبرى أن عدد الخادمات الصغيرات هو رقم ” أسود”، لا يمكن معرفة العدد الحقيقي لعدم التصريح بالخادمات سواء من طرف حارس العمارة أو صاحب محل البقالة أو المقدم …

رأي علم النفس الاجتماعي  : ” الأستاذ عبد الرحيم عمران”

 “لانتشار ظاهرة الخادمات أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية، ولا ننسى أن الخادمة الصغيرة قبل أن تكون خادمة هي أولا طفلة، فخلال مرحلة الطفولة تتشكل شخصية الإنسان أكثر من مرحلة المراهقة، حسب ما أثبتته جميع الدراسات في علم النفس ومجال التربية …، فأثنائها تكون دعائم الشخصية سواء على المستوى المعرفي والوجداني والمجتمعي والعلائقي. فيجب النظر للخادمة بمرجعية الطفولة، والتي استحضرها المشرع المغربي كمرجعية أساسية سواء من الناحية القانونية والتشريعية والدستورية.

عادة نجد أنقسنا أمام مفارقات.على المستوى القانوني والدستوري وعلى مستوى العقليات والممارسات. هذه المفارقة تسائلنا منذ مدة طويلة، ولم نجد بعد جمعادلة ملائمة لوضع حد للمفارقة بين ترسانة القوانين والنوايا الحسنة وبين الواقع المعاش ومؤشراته.

فظاهرة الخادمات الصغيرات البالغات سبع وثمان سنوات نجد الطفلة في هذه السن بمواصفات الخادمات، وهذه هي المفارقة، فالطفلة في حاجة للرعاية الأسرية، بقدراتها ومكوناتها المعرفية …وعوضا عن ذلك نحبسها وتعتبر خادمة بمرجعية التبخيس والاحتقار، من هنا  تظهر المفارقة الواسعة بين مرجعية الطفلة ومرجعية الخادمة.

فحتى في التمثلات والنسق الذهني للمغاربة، فالخدم هي الفئة التي يتم احتقارها وتبخيسها، خاصة وأن المجتمع المغربي مجتمع قبلي تاريخيا وثقافيا” الأعيان والسلطة…”، كما أن مصطلح الخادمات يحيل على مصطلح”الخدم”، هذا المفهوم بدوره على مرجعية ثقافية أنثروبولوجية “العبيد”، وهي تحيل على تمثلات الاحتقار، وتمس الطفلة المغربية . فالطفولة هي مرحلة الاعتزاز بالذات ومرحلة الانتماء…..واحتضان الأسرة للطفلة ورعايتها بالأهمية بما كان، لكن للأسف تفتقد الطفلة الخادمة لكل ذلك.

وتنتشر الظاهرة لأسباب عدة، علما أننا غالبا ما نقدم سبب تشغيل الخادمة الصغيرة في اللقاءات في الفقر لتبرير الواقع، لكن قيمة الفقر أمام مرجعية التعلق بالأسرة، فإذا كانت القيمة الاقتصادية حاضرة، لا يجب أن ننسى أن رابطة الطفولة وتعلقها بالأسرة  لها قيمة اجتماعية وجدانية قيمة المسؤوبية والتحمل، فالفقر طبعا ليس هو العامل الأساسي بل هو عامل تبريري، حيث نقول : ” الله غالب ما عندنا ما نديرو”

بدل أن تتحمل الأسرة مسؤوليتها اتجاه الطفلة، مما يعيدنا إلى مرجعية الوعي الاجتماعي والأسري حتى لا نجعل من عامل الفقر المبرر الوحيد، فليست كل الأسر الفقيرة تدفع بناتها للعمل كخادمات وتقدمهن كقرابين من أجل قيمة مالية معينة واعتبارها سلعة تباع وتشترى. لا ننكر العامل الاقتصادي لكن لا يمكن أن نجعله المبرر.

من جهة أخرى، ما زالت جل الأسر المغربية تتمسك بالكرامة وعزة النفس. فلا يمكن أن نجعل الفقر سببا لتقديم الطفلات كرهينة أو مرجعية مادية كأنها سلعة.

على المستوى النفسي، ينعكس بعد الطفلة الخادمة لمدة أو لسنوات عن أحضان أسرتها حسب علم النفس على نفسية الطفلة، وحرمانهن من حضن الأم وعدم الاهتمام بهن يؤثر على ثقتها واعتزازها بأسرتها وبنفسها وهويتها، خاصة وأن وضعية الخادمات وضعية معاناة واستغلال على المستوى الزمني والمهام التي تقوم بها.

غالبا ما تكون نظرة الأسرة المشغلة للطفلة الخادمة نظرة احتقار، وتحدد قيمتها في أجرها. هذا المنطق يعيدنا إلى منطق العبودية والتبخيس التي تعامل بها المجتمع المغربي في مرحلة تاريخية معينة.

فيجب محاربة هذه العبودية الجديدة بمختلف الاستراتيجيات والابتعاد عن هذه المقاربة التبخيسية في المجتمع المغربي. بالنسبة للسمسرة فقد عرفت منذ القدم. وعرف عن السمسار أنه يتنقل من سوق لسوق وبين البوادي، إلا أنها حاليا بمواصفات جديدة حيث بدأ يتنقل على متن سيارة، وأصبحت الخادمة تعرض كسلعة في أسواق أسبوعية من طرف أب ووسيط.

من المفارقات الغريبة أنه في الوقت الذي يجب أن تحضى فيه الطفلة في مرحلة الطفولة للرعاية والإهتمام، نقف على معادلة معكوسة، فالطفلة الخادمة تتعرض للاحتقار والعنف البدني والنفسي وخير دليل مأساة الطفلة ” فاطمة”، فلدينا “فاطمات”، لأن ما تتعرض له الطفلة الخادمة يتم داخل البيوت  التي تعد في المفهوم المغربي مجال للسترة والحماية…وكل الأسر تعمل على حماية هذه السترة والحياة الخاصة التي تعيش ضمنها الخادمة كما حدث في قضية ” فاطم”

بالنسبة للعدد الحقيقي لخادمات البيوت الصغيرات غير معروف ” رقم أسود”، وما قد يتعرضن له قلما يعرفه الآخرون خارج البيت، لأنهن يحبسن داخلها ويقطع الاتصال بمعارفها خاصة أسرتها، فما يصلنا عبر وسائل الإعلام ليس إلا القليل، ولا يعلم عنها القانون والقضاء الكثير، أعتقد أن ما يقع داخل البيوت هو أفضع.

من الناحية النقسية، عندما تفقد الطفلة الخادمة الرعاية والحنان والحماية الأسرية وتعاني البعد الزمني، ولا تعتبر نفسها إلا سلعة أو قيمة مالية” حالة نسمة النقاش”، حساسية الطفلة تصيبها بالإحباط  ومشاعر سلبية، مما يؤدي في حالات إلى تبخيس الذات وعدم الثقة في النفس.

في علم النفس المرضي الطفلات تنعكس هذه الأحاسيس على هويتهن وتمثلاتهن لشخصيتهن ودور الأسرة، تنتقل معهن على مستوى الوعي واللاوعي. فعتق الطفلات الخادمات من وضعيتهن هاته يكون بالأهمية بما كان، ويتطلب توفير مرافقة سيكولوجية لهن، الاهتمام بهن وإعادة ثقتهن بالنفس إضافة للرعاية التربوية والاجتماعية، وليس فقط إعادتهن لأسرهن، حتى يتمكن من تبديد ما عشنه.”

أمينة المستاري

“مجلة نساء من المغرب”

مشاركة