رمضانيات: مقامات العميري-الجزء الثاني/ الحلقة الحادية عشر

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

                                     المقامة الحادية عشرة.

            المقامة اللطيفة في تواطؤ العربان وتلاعب الفيفا.

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

بينما أنا جالس جلستي العفيفة داخل السقيفة يوم تلاعبت بملف المغرب الفيفا،وتخلى عنه  إخوانه من العربان عزين ولفيفا(1) ،من آل الشيخ إلى آل خليفةفكان الموقف قضيفا (2)

…لم يصونوا تاريخا تالدا ولا طريفا ، ولم يثمر كرم المغاربة معهم معروفا…فهز الأمر المغاربة هزا عنيفا،واكتست أقمارهم خسوفا،وجفت أكبادهم وجيفا،وجاشت قلوبهم بغل ،وحقد لاينحل ،ونزفت قلوبهم نزيفا،وكفروا بالعروبةوالقومية اليعربية حضرا وريفا،وغالى بعضهم فاعتبر الجامعة الأعرابية مستراحا وكنيفا، وزاد آخرون فشككوا في أمر عقبة بن نافع ،واعتبروا الاحتلال والأنفال والسبايا  كانت غايته ،وليس نشر الإسلام هو الدافع،واستعرت نعراتهم الشعوبية المكبوتة المخفيةوأصبح الأمرخطيرا و مخيفا،ووظف دهاقنة الفرقة والانفصال الحدث توظيفا!!! وأرخت أشجانهم سجوفا،واعتبروا الأمرجورا مورس في حق المغرب  وعسوفا،ونظموا احتجاجاتهم مئات وألوفا، نظما ونثرا وارتجالاوبديهة وتأليفا ورفعوا شعارات تمجد) يوغرطة( و)جوبة ( و(إيهيديا)و(أكسيل)) (3،وبلغتهماالمهمشة المغيبة المغصوبة،ولم يجدواعن التنديد محيصا،ولا عن التهديد مفيصا ولانويصا  4) (. ..

قال الراوي:

ثم دخل علي صديقي أبو لطيفة ،صاحب الأفكار النظيفة،والنكت الملغومة الخفيفة والأجرة الطفيفة السخيفة،وببذلته الوحيدة القطيفة…جاءني بعد أن تخلص من إسار الوظيفة،ومن هرير زوجته الشريفة….(5)

فقلت له-بعد أن ابتلع ريقه،واسترد طبيعته وبريقه،وأفرغ مسعطه وإبريقه -:

– مرحبا بك يا نعم السمير…سقيفتي (خورنق وسدير) (6) أنت ضالتي المنشودة،وبغيتي المقصودة،وثروتي المرصودة…

يا صاحب البديهة الحاضرة،والموهبة الوافرة،والشدة الباهرة،والصولة القاهرة…

-مارأيك في هذه القضية، وما ألحقته بالمغاربة من أذية…فقال:

-إنه إرهاب ترامب، فرعون زمانه،ونيرون  إبانه،وقى الله الخافقين من جوره وعدوانه،ومن جبروته وساديته وغطرسته وعنفوانه..طاعته واجبة مشروعة ،وجزيته مدفوعة ،ورايته

 متألقة مرفوعة…

مجيش الجيوش ،وحامي الكراسي والعروش !!!…إنه رئيس المريكان ، شخص لايقعقع له بالشنان (7) ،وطاعته واجبة على مساحل العربان،ومخالفته جريرة موبقة مهلكة ،لاتمحوها كفارة ولا تعميد، ولا حتى صكوك الغفران،من استسلم لابتزازه فقد رشد واهتدى ومن شق عصا طاعته ،وتقاعس عن نفيره  فقد غوى واعتدى،وسيفقد كرسيه ،اليوم أو غدا،ولن يضر إلا نفسه ،ولن يضر أحدا?!!!

الهوامش:

1-عزين ولفيفا:متفرقين ومجتمعين.يقول تعالى : {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) سورة المعارج.

وقال أيضا:(اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا) سورة الإسراء الآية103.

2–قضيفا:ضعيفا ،هزيلا.

3-يوغرطة وجوبا:من الملوك الأمازيغ الذين حكموا المغرب قبل الفتح الإسلامي.

إيهديا وأكسيل:الكاهنة البربرية وكسيلة في أدبيات الإخباريين المشارقة.

4- تقول العرب:لا محيص ولامفيص ولا وميص:أي لامهرب ولا مفر.

5-الهرير :صوت الكلاب ليلا.

6-الخورنق والسدير:قصران عربيان قديمان،يقال إن بانيهما هو الملك اللخمي النعمان بن المنذر.يقول الشاعر الجاهلي المنخل اليشكري:

                            ولقد شربت من المدا         مة بالصغير وبالكبير

                           فإذا سكرت فإنني             رب الخورنق والسدير

                          وإذا صحوت فإنني            رب الشويهة والبعير.

7-لا يقعقع له بالشنان:يذل من ناوأه.