الرئيسية اراء ومواقف رمضانيات: مقامات العميري- الجزء الثاني/ الحلقة الأولى

رمضانيات: مقامات العميري- الجزء الثاني/ الحلقة الأولى

كتبه كتب في 29 مارس 2024 - 23:00

اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس هذا الفن و رائده ممن كتبوا فيه، فقد كتب عددا من المقامات التي لا تزال معروفة حتى وقتنا هذا. ولعل أهم كتاب المقامة المغاربة محمد العميري، الذي أتقنها و تفنن فيها و كتب عددا من المقامات التي شكلت موضوع دراسات و بحوث لعدد من طلاب الجامعات المغربية لنيل شهادات التخرج، كما حظيت باهتمام بعض النقاد الذين اعتبروا أن مقامات العميري لا تقل أهمية و وزنا عن روادها، سواء من حيث لغتها أو المعاني المكثفة التي تلامس روح العصر.

 

                   الجزء الثاني من مقامات العميري

الإهداء:

          إلى روح والدي تغمدهما الله بواسع رحمته ومغفرته.

      وإلى كل محب للغة العربية،وكل حريص على حفظ تراثها

      وأمجادها.

                        المقامة الأولى

                      المقامة الزهدية

حدثنا الحاج عمر اللعيبة قال:

لما زاد مصابي،وكثرت أوصابي،بعد رحيل الأحبة والصحاب،وذهاب  أيام الخلاعة والتصابي،وانفراط عقد العنفوان وانصرام قلادةالشباب،غادرت( أيت أيوب)علي أرجع عن تفاهاتي وأتوب،من كل مااقترفته نفسي-الأمارة بالسوء -من آثام وذنوب،فألبس جبة الدرويش أو المجذوب، وأتلبس خرقة الصوفي المتيم المسلوب،اسيح في الفيافي والمفاوز والسهوب، وأكفر بتفاهات (الفايسبوك)ونفايات (اليوتوب)وأكف عن التشهير بهند أو التنديد بيعقوب،لاألتفت لفورة الشمال ولا أكترث للوضع المتأزم بالجنوب،ولا أهلل لرحيل (الصدر الأعظم)(1)المغصوب،ولا أطبل لخلفه المدجن المسلوب،ولا أهتم (للبلوكاج)ولا أحزن للإملاءات  و(الشانتاج)ولا أرثى لمشاورات التفاوض،ولا أبكي على حكومة التناقض،ولا أتأسف لذهاب مهمش لغة الضاد،وقذى كل أستاذة وعمى كل أستاذ صاحب الوزرة والبجاد (2)،والذي لم ينفعه (تعميده ) (3)في (دير السنبلة) ( 4)من اتقاء الزلزال وشظايا القنبلة،ولا لغياب المخ الذي طار،والذي لم تشفع له ترقيعة (جيني) ولا تقليعة (مسار)…لا أحسد (عزيزا )على ملايينه،ولا أقاطع محطات وقوده وبنزينه،ولا أغبط رئيس (الباطرونا )على ريع زمزمه ومعينه؟! ولا على ألماسه و(ولماسه)(5)…ولا أقول لمحتسب حكومتنا :أقال الله عثرتك،لم  خنت عِترتك؟!(6)ولم قدمت استقالتك،وغيرت غِلالتك(7 )وفروتك،وبدلت وزرتك وحرقت كعكتك ،وتحملت وزرتك،وفعلت فعلتك؟!شاركت في الاحتجاج،وناطحت الأخشبين برأس من زجاج؟!!…أو كما قال الأعشى في مثل هذا الأعشى:

         كناطح صخرة يوما ليوهنها         فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

قال الراوي:

وبينما أنا كذلك،أستعرض أحوال هذا الزمن الحالك،أخذتني هجعة من النوم أنستني كل عذلي ولومي ،فإذا بهاتف يقول –بعدالصلاة على الرسول-:

– (إنك امرؤ ذو تكدير، كرجرجة الغدير. متلطخ بالخبائث، كخرقة الطامث. الدنيا أدوار، والناس أطوار،فالبس كل يوم بحسب ما فيه من الطوارق ،وجالس كل قوم بقدر ما لهم من الطرائق. فلن تجري الأيام على أمنيتك، ولن تنزل الأقوام على قضيتك. ولن تُشايعك الدنيا إلى ما تروم، وإن ساعدتك فمساعدتها لا تدوم)!!!.

قال الحاج عمر ،فقلت له:

كل ليلي حيرة ودجى               ونهاري في جوى و جى(8)

وزماني منية ورجا                  ولقد زاد الفؤاد شجــــى

فهزني من أذتي كالخابية  وقال لي بنبرة نابية:

كن عن همومك معرضـــــــــاً        وكل الأمور إلى القضا

وأبشر بخيرٍ عاجـــــــــــــــــلٍ         تنس به ما قد مضى

فلربَّ أمرٍ مسخـــــــــــــــــــطٍ       لك في عواقبه الرِّضا!!!

قال الراوي :

فعلمت أنه النحريرالعبقري،و الهزبر(9)المجتري، الإمام أبو القاسم جار الله الزمخشري(10)،جاء ينشلني من كبوتي،ويبدد همومي وحيرتي!!!

الهوامش:

1-الصدرالأعظم:الوزير الأول.

2-البجاد:البرنس أوالبرد بضم الباء.

3-التعميد:اغتسال رمزي بالماء بوصفه طقسًا دينيًا. يرمز التعميد للتطهروغسل الذنوب وبدء حياة جديدة. وهو يتميز بأهمية كبرى في الديانة النصرانية. لكن كثيرًا من الديانات الأخرى تتضمن طقوسًا مشابهة.

أما الدير،فهو بيتٌ يتعبد فيه الرهبان،ولا يكاد يكون في البصرالأعظم. إنما يكون في الصحارى،ورؤوس الجبال. فإن كان في المِصرالأعظم فهوكنيسة أوبيعةً.

4-دير السنبلة:المقصود:حزب السنبلة.

5-المقصود:الماء المعدني( سيدي علي)

6-العِترة: عِتْرة الرّجُل :نسله ورهطه وعشيرته.

7- غلالة :ثوب رقيق يشفّ ما تحته، وهو لباس داخليّ أو قميص رقيق تغطﱢيه ثياب خارجيّة

8-الــجوى:حرقة الحب،والوجى:التعب والعياء.

9-الهزبر:من أسماء الأسد.

10-الزمخشري: ولد في زمخشر من قرى خوارزم وتوفي سنة538من أئمة العلم بالدين واللغة والأدب.

ألَّف الزمخشري تصانيف عديدة في صنوف المعرفة المختلفة، ففي تفسير القرآن الكريم ألف كتابه الكشاف الذي وصف بأنه لم يصنَّف قبله مثله. وفي تفسير الحديث صنف كتاب الفائق، وله في اللغة كتاب أساس البلاغة، أما في النحو فقد صنف كتبًا كثيرة منها: المفصل، وقد اعتنى بشرحه خلـــــــــــــــــــــــــــق كثير،والأنموذج،والمفرد،والمؤلَّف،وشرح أبيات كتاب سيبويه، وله في الأمثال: المستقصي في أمثال العرب. كما أن له كتبًا في علم الفرائض، والأصول، والفقه والأمالي، و في كل فن، وله شعر جميل.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *