الرئيسية ارشيف قراءة نقدية للجزء الأول من كتاب مقامات العميري للناقد الأستاذ كريم بلاد من كتابه: (الخيط والإبرة:دراسات في الإبداع المغربي المعاصر.)

قراءة نقدية للجزء الأول من كتاب مقامات العميري للناقد الأستاذ كريم بلاد من كتابه: (الخيط والإبرة:دراسات في الإبداع المغربي المعاصر.)

كتبه كتب في 13 مارس 2024 - 17:30

لغة السياسة في مقامات العميري.

ليس ذا العنوان مخاتلا،تلك عاهة الأستاذ العمير أصابني بها،ولولا لطف الله ومنه لانقلبت من كاتب قصة ورواية إلى كاتب مقامة تسرح فيها الغواية،لذلك ارتأيت أن تكون في العنوان ملاعبة للغة وليس لعبا بها،لأن الأدب بعيد عن اللعب،واللغة كذلك.أما الملاعبة فيمكننا أن نلاعب اللغة والأدب كما نلاعب أطفالنا فينصاعون لنا،ومن ثم نربيهم على الخلق الحسن،

ونؤسس لديهم القناعة الراسخة من طريق سهلة غير منفرة.

لغة السياسة تتغيى كشف الخطاب السياسي الذي ينتقده الكاتب في مقاماته.نريد من هذا العنوان أن يكشف لنا تضافرالكلمات عن ملامسة فرادة العمير وحنكته في نسج اللغة عناقيد

منضودة ،وفي فضح ألاعيب السياسة ورجيلاتها سلاسل مغلولة.

بين يدي الكتاب:

يتكون كتاب مقامات العميري من54 صفحة من القطع المتوسط،صدر عن ألوان للطباعة والإشهار بداية العام م2018

يتضمن الغلاف الأول العنوان بارزا بخط أحمر،واسم الكاتب أسفل منه،ولوحة أنجزتها التلميذة الواعدة هاجر مسواد، تبرز هذه اللوحة شيخا بلباس تقليدي،ولحية بيضاء،يحمل بين يديه طائرا،يمتطي حمارا أو بغلا أبيض بكيفية مقلوبة، يبدو من خلال إطار فسيفسائي لباب قديم.وفي أسفل اللوحة مستطيل يمتد إلى الصفحة الرابعة،به منمنمات مغربية أصيلة.وفي أعلى الصفحة الأخيرة صورة للكاتب ،ونبذة قصيرة عن حياته.

ويبدو من خلال ملاحظة هذا الغلاف أنه ينطوي على مجموعة من الرسائل التي توجه القارئ قبل البدء في قراءة الكتاب، منها في اعتقادي جو الفكاهة الذي يكتنفه بوجود حمار يمتطيه رجل بالمقلوب ،ما يعني أن ما سوف يدور الحديث عنه يقدمها الكاتب برؤية مخالفة لما يوجد عليه في أرض الواقع،أو أنه يناقض الواقع،ويقابله.

الصورة تبرز عدم مبالاة الراكب بما يقال من لدن ناظريه ،وهو ما ينطبق على الكاتب الذي لا يخشى شيئا من وراء إذاعة كلامه في الناس عن مجموعة من المواضيع الحساسة جدا كالسياسة والدين والجنس والسحر والتعليم والأخلاق…وخلاف ذلك.وربما أحال الراكب إلى العطارة في المغرب الذين يزورون البلدات والقرى فيبيعون سلعتهم لنسائها ورجالها على السواء،وفي هذا إشارة إلى السلعة التي يعرضها علينا الكاتب في مقاماته،وهي سلعة أدبية لطيفة أنيقة،لن يتمكن من تذوقها إلا كل قارئ حصيف ذواقة للغة وأدبها ،وربما أحالت على شيء آخر لا نعلمه مما يستضمره صاحب المقامات في نفسه.

وبعد الغلاف وقبل المقامات تقديم رصين وضعه الأستاذ حسن بضرون،أشاد فيه بفن المقامة ،وأثنى على صاحبها العمير، ووصفه بالطرافة والإمتاع والانزواء عن الشهرة والنجومية،كما التواضع وخفة الدم،وحفاوة لقائه ،إلى درجة تحسره على من لم يلق العميرفي حياته…

الخاتمة:

بناء على ما سبقت الإشارة إليه،من خلال تناول الجانب السياسي في مقامات العميري،وجب القول بأن صاحبها مسجور بالأسئلة الكبرى التي تؤرق كل مثقف ،وفائض بالحزن الذي يعتري كل إنسان يشارك بني جنسه من إخوته وأشقائه في العالم هموم السياسة ومجرياتها ،بل إن له قراءته الخاصة لكل ما يجري ،وله موقفه الصريح الذي عبر عنه من خلال استنطاق الحاج عمر اللعيبة ) (1الذي ليس أكثر من فكر العمير ،وموقفه ،وتوجهه،وهو إذ يخلق من الشخصيات أقدرها على المناورة ،والمشاكسة والانتقاد اللاذع ،إنما يعكس بذلك الذكاء والفطنة التي يتمتع بهما هذا الرجل.وحسبنا فيه صراحته وقوة حجته،وصلابة لغته التي استمتعت بها فأفدت واستفدت.ولا نعدم قوله في أحد أبياته الشعرية التي قالها في موضع من مقاماته تلك الفائدة الكبيرة التي خرجنا بها بعد قراءتنا مقاماته،يقول وهو القائل فعلا :

                 هذا بحر عرفان مفيض الحكم            من أتاه نال منه الفائده.

لقد أتيناه ونلنا منه الفوائد.

الأستاذ كريم بلاد  :الخيط والإبرة:دراسات في الإبداع المغربي المعاصر.

الصفحات:151-152-153-154+163-164.

الهوامش:

1-الحاج عمر اللعيبة: ينطوي هذا الاسم على ثلاثة أبعاد هي:البعد الديني والبعد الدنيوي والبعد الفكاهي،فه وشخصية دينية  فكاهية عمرت طويلا،وخبرت الحياة جيدا، لكنها غير ذات أهمية مادام قد لحقها التصغير المحتقر،اللعيبة هي تصغير كلمة لعبة،وتطلق عندنا على كل أمر غير مسمى، وبلا فائدة تذكر.فرغم الحاج ،فإنه لا هوية له ،و لا حدود له على مستوى تعريفه.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *