الرئيسية اراء ومواقف أهم النهايات الحالية : نهاية المدرسة والمعلم وبروز طبقة حاملي شهادة التدريس

أهم النهايات الحالية : نهاية المدرسة والمعلم وبروز طبقة حاملي شهادة التدريس

كتبه كتب في 21 يناير 2024 - 18:57

بقلم: أمين سامي

إن المدرسة اليوم وقعت على نهايتها واستوفت شروط موتها، وجاز لها اليوم ان يتم تشييع جنازتها بما يليق بها لما أسدته من خدمات جليلة للرأسمالية العالمية المتوحشة، في انتاج أجيال من الضباع، أجيال تعتمد على التقنية وتعتمد على التفكير التقني والتشغيلي، وكل همها هو طرح السؤال بصيغة كيف؟ والاجابة عليه، فالسؤال الكيفي هو سؤال أداتي وتقني وتشغيلي، يبحث على عن كيفية التنزيل، وعن المنهجية المتبعة، وعن الوسيلة المعتمدة، باختصار شديد سؤال الكيفية هو سؤال يعزز التفكير الأداتي ويقتل التفكير النقدي الذي يظل هو الاساس وهو فلسفة ومنطلقات اي مشروع او اصلاح او برنامج، او نشاط،… .

إن للمدرسة والمعلم أدوار استراتيجية في تربية النشء وترسيخ قيم المواطنة، وزرع روح التعلم والمبادرة و التعليم وتحليل الواقع وترسيخ المعارف والمهارات والقيم، كما أن أدوار هاته الأخيرة لا يقتصر على إعطاء المعرفة الجاهزة او بناءها وفق قوالب جاهزة، بل يجب ان يتم البناء بطريقة تشاركية بين مختلف المتدخلين في القطاع وفي العملية التعليمية التعلمية، التي يجب أن تراعي خصوصية الأفراد و تراعي أيضا الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بهم والمساهمة بشكل فعال في عملية التعلم.

إن للمدرسة والمعلم دور أساسي كما سبق الذكر في بناء المعرفة، ثم إفهام ماتم بناؤه، ثم التحكم في ماتم إفهامه وفيما ما تمت معرفته. فسلم التعلم يتكون من ثلاث مراحل أساسية وهي:

أولا : مرحلة المعرفة

ثانيا : مرحلة الفهم

ثالثا : مرحلة التحكم

وكل هذه المراحل هدفها الأساسي والأسمى هو انتاج المواطن الصالح الذي يعتبر العمود الفقري لتقدم اي دولة.

إن الرأسمالية العالمية المتوحشة كانت أشد وعيا ودهاءا عندما نقلت التعلم وجعلته مركز في مدرسة الدولة وفق اهداف ومراحل ومنهجيات وجعلت له بيداغوجيات وطرق التدريس وأدوات ومسارات وخلقت له العديد من الفئات وغيرها كثير…، فهدفها الظاهر هو تحسين التعلم وتجويده ولكن هدفها الباطن هو تفتيت وتجزيء التعلمات وانغماسها في التقني كي لا يتمكن الفرد، سواء كان تلميذا او طالبا من تجميع الصورة كاملة وفهم تفاعلات الواقع والمحيط به.

فالراسمالية العالمية المتوحشة من خلال المدرسة جعلت معظم أجيال من المتخرجين من المدرسة يفكرون فقط في احتياجاتهم الفيزيولوجية من مأكل ومشرب ونوم ومسكن وشغل، والبعض الآخر يفكر في تأمين مستقبله لا قدر الله من خلال شراء الودائع او سندات الاستثمار، او شراء الاسهم او عقارات، او القيام بمشاريع صغيرة أو متوسطة تدر عليه دخلا إضافيا كي يتماشى مع الواقع المعيش، واحتفظت لنفسها بصناعة شروط اللعبة وصناعة شروط التعلم الذي تراه هي مناسبا لها ويخدم أجندتها.

فالرأسمالية بخست من التعلم الذاتي، واعتبرته من الأنشطة الموازية وليس هو التعلم الرسمي، فالتعليم النفعي حسب منظور الرأسمالية العالمية هو تعليم المدارس، التعليم الذي يظل فيه الطالب او التلميذ يسمع المقررات والشروحات ويقوم ببحوث مستمدة من مراجع معتمدة وكأن العلم والتعلم يوجد فقط في الكتب المقررة او التي تم اعتمادها بشكل رسمي، ودون ذلك فهو ليس بعلم. فالعلم يجب النظر اليه من منظور آخر والتعلم تعلمات والمدرسة مدارس متنوعة ومتعددة ومدارس التعلمات عديدة ، فحسب تعريف الدكتور لطفي الحضري وهو دكتور في علم النفس الفطري والمقاربة الفطرية العلم : هو كل شيء فيه نفع للناس.

كما قامت الرأسمالية العالمية المتوحشة بنجعلنا نخجل من طرح السؤال ونخجل من الخطأ، كما أن توجه الرأسمالية في اختراع معايير التقييم والتقويم واعتماد تبسيط الامتحانات سواء من خلال اسئلة متعددة الخيارات، او أسئلة مباشرة، او اسئلة باختيار هل؟ تعزز التفكير الشتغيلي في حين تغيب أسئلة الفكر والتحليل والنقد التي تعزز التفكير النقدي وتساهم في توسيع الخيال والتفكير خارج الصندوق وتحرير العقل من الماتكريس الذي يوجد بداخله.

نهاية المدرسة والمعلم بالمنظور التقليدي اليوم، وصلت الى مرحلتها الأخيرة، ودق آخر مسمار في نعشها قبل دفنها او إلقاءها في الجب، فالرأسمالية كنت أذكى فبخست الدور المثقف لانها تعي جيدا ان المثقف يحلل الواقع وفق مؤشرات ومعطيات ويرجع التاريخ ويستحضره من أجل تحليل الواقع واستشراف المستقبل، فعملت على تبخيس دوره والتقليل منه وتلسيط التافهين وانصاف المعلمين وأشباه المثقفين للتناظر معه ومناقشته، وعدم السماح له بالبروز في الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وتحجيم رأيه لانها تعي جيدا مدى تأثيره وحجة اقناعنه، ومقارعة التافهين بالحجج والبراهين الدالة على تفاهتهم وعدم نضوجهم الفكري.

الرأسمالية العالمية المتوحشة كانت أشد ذكاءا عندما جعلت معرفة التجارة والسوق في معاهد الاقتصاد والتدبير بدل الممارسة الواقعية فهناك فجوة كبيرة بين حاملي الشواهد في الاقتصاد وبين ممارسة التجارة في السوق وهذا الأخير لوحده حكاية فالسوق ملعب وهذا الأخير متعدد الاقطاب والمشارب فالسوق من حيث التعلم : هناك المتعلم والجاهل والأمي، ومن حيث الطبقات، فهناك جميع الطبقات الضعيفة والمتوسطة والعليا، ومن حيث المجال فهناك الحضري والقروي والشبه حضري، ومن حيث القطاعات والخدمات فهناك عدة قطاعات مترابطة ومتشابكة فيما بينها، وووو اذن فنحن أمام معلب ليس معقد بل اكثر تعقيدا مما كنا نتصور فهل شهادة في الاقتصاد مهما علت درجتها العلمية ستجعلك قادرا على فك خيوط هذه اللعبة؟ والعديد من الأمثلة في هذا المجال.

فبالرجوع الى تقرير مؤشر المعرفة العالمي لسنة 2023، يتبين أن الدول المتقدمة احتلت المراتب الأولى لان جودة التعليم والممارسة التعليمية متحققة وتلبي احتياجات الدولة والمواطنين، فتعليم الجودة ينطلق من مدرسة الجودة وهاته الأخيرة لها أربع عناصر أساسية وهي : معلم الجودة، وثقافة وقيم الجودة، وتنظيم الجودة والتعلم الذاتي، فبدون هذه العناصر لا يمكن التحدث عن تعليم الجودة. والجودة هنا جودة تربوية بمعايير تربوية وليس جودة بمعايير إنتاجية او صناعية فالامر مختلف تماما ولا وجه للمقارنة.

خبير الاستراتيجية وقيادة التغيير

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *