الرئيسية ثقافة وفن مهن تندثر…السبحة الوزانية تقاوم من أجل البقاء بدار الضمانة

مهن تندثر…السبحة الوزانية تقاوم من أجل البقاء بدار الضمانة

كتبه كتب في 17 أبريل 2023 - 17:44

أمينة المستاري

 

الخراطة من المهن العتيقة الضاربة في عمق التاريخ بمدينة وزان، توارثها الأحفاد عن الأجداد، وحكى قصتها الخلف عن السلف قبل أن تعرف أفولا تدريجيا، كالناعورة، الغيطة، الطرينبو، السبسي… في الوقت الذي ما يزال بعض المعملين يكافحون من أجل إبقاء بعضها ” على قيد الحياة” كالسبحة أو التسابيح.

فقد عرفت وزان بمجموعة من المنتوجات على الصعيد الوطني والعالمي، من قبيل الجلابة الوزانية وزيت الزيتون…، وبعد وفاة مجموعة من الصناع التقليديين من الجيل الأول، يكافح حرفيو الجيل الثاني من أجل التعريف بصنعتهم و”يشدو بيديهم وسنانوم بصنعتهم” كما يقول محمد لزعر، حرفي وصنايعي متمكن في مجال “الخراطة” بوزان.

الدقة، الجودة، الالتزام….مبادئ تعلمها محمد، الذي قضة 35 سنة في الحرفة، وتعلم على يد “نور الدين الناعوط” معلمه الذي حرص على تلقينه أصول المهنة بكل تفاصيلها باعتبارها من صميم التراث والثقافة الوزانية، قبل أن يستقل بعمله ويصبح من أبرز 5 مهنيين في “الخراطة” بحي الجمعة، حيث محله المتواضع الذي يقصده من حين لآخر بعض الزوار والشخصيات، فمحمد لم يستكن وينتظر قدوم الزبون، بل توجه إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بفنه وحرفته، خاصة من طرف بعض الزوايا التيجانية، البودشيشية…التي لها فروع بدول أخرى كالسينغال وأيضا أصبح الطلب على التسبيح من بعض الزبناء بدول الخليج …

فالتسابيح رمز من رموز الصوفية، ووزان عرفت بالطريقة الوزانية، ومحمد وبحكم انخراطه في جمعية الصفا، يجد نفسه أكثر قربا إلى صناعة التسبيح، طبعا إلى جانب باقي أنواع الخراطة…يقاوم ويتشبث بصنعته ” بيديه وسنانو”.

يقول لزعر: ” تعلمت عند المعلم “الناعوط نورالدين” قضيت عنده 10 سنوات وتعلمت أصول الحرفة وأصبحت “معلم” في وقت كان هناك صانعين تقليديين في وزان وهما ابناء عم “نور الدين وأحمد”، في السقاية في طلعة مولاي عبد الله الشريف، والآن لم يعد من الصنايعية في فن الخراطة سوى أربعة معلمين، وهي حرفة في طريقها للاندثار في حالة لم يتم إنقاذها والاهتمام بها وتلقينها للجيل الناشئ…تعلمت على يد معلمي المرحوم “الناعوط” الجدية وكيفية التعامل مع الزبون وإتقان العمل، واحترام المواعيد لتسليم المنتوج والحرص على استعمال العود الممتاز…… أما أنواع السبحة فمختلفة، تصنع من عود الزيتون، عود الصليب، عود المشماش، العناب… يستغرق صنع سبحة يوما كاملا، فهي تتطلب صبرا وتركيزا، لم يعد هناك الكثير ممن يمارس الحرفة فهناك فقط خمسة حرفيين متخصصين في السبحة بوزان، والمهنة مهددة بالزوال في غياب الخلف في هذه الصنعة، بحال بعض الحرف اللي اندثرت بالمدينة كالرابوز، الدباغة…”

يتأسف محمد لحال المدينة القديمة التي تعيش هدوء قاتلا نهاية الأسبوع، وتصبح شاحبة يوما بعد يوم، في غياب ترويج سياحي للمدينة يمكن من استقطاب السياح، فالمدينة تتوفر على مؤهلات كالجلابة الوزانية التي ستندثر في يوم من الأيام بفعل انقراض “المعلمين” وتوقفهم عن العمل بسبب المرض أو عامل السن، وعزوف الشباب عن الصنعة : ” أنا أعمل بمفردي، فالمداخيل من الصنعة قليلة ولولا لجوئي لمواقع التواصل من أجل الترويج لصنعتي لأغلقت المحل من مدة، وفي حالة تشجيع السياحة والترويج للمدينة فنتمكن من تحفيز الشباب على العمل وتعلم الصنعة إلى جانب الدراسة، حنا كنا كنقراو ونمشيو عند المعلم لتعلم الصنعة، أما الجيل ديال دابا فاستولت وسائل الترفيه على اهتماماته ولم تعد الأسر تحرص على تعليم أبنائها الصنعة “.

يضبف المعلم لزعر:” الصانع التقليدي بوزان يحتاج لدفعة قوية سواء عبر تشجيع السياحة التي تعتبر بابا لتسويق المنتوج، ومستقبل مجموعة من الحرف مرهون بتشجيع السياحة بمدينة وزان، لا نطلب الكثير فقط الترويج السياحي لها، وبالتالي يمكن تحريك العجلة وبالتالي جلب اليد العاملة وتعليم الشباب وطبعا تحفيزهم ماديا…الصانع التقليدي يهفو لإحياء الصنعة حتى لا تؤول إلى الزوال مع مرور السنوات، والتعريف بالصنعة على غرار مدن أخرى كشفشاون اللي كتعرف حركية واستقطاب السائح المغربي قبل الأجنبي، وطبعا الصنعة لها عشاقها ومن يقدرها…نتمنى أن يعود وهج الصناعات التقليدية بوزان خاصة القديمة منها، ولن يتأتى ذلك سوى بعقد المهرجانات خاصة الروحية من قبيل الملتقى الدولي للمديح والسماح…حتى تلقى الحرف الأخرى رواجا واشعاعا، فالزائر دائما يهفو إلى اقتناء تذكار أو “البركة ديال وزان” المدينة التي عرفت ب”دار الضمانة” وشهدت عصرا ذهبيا كانت الحرف أساس عيش العديد من الأسر الوزانية.”.

أمل لزعر وغيره من معلمي “الخراطة” وباقي الصناعات التقليدية بوزان متوقف على تشجيع الصانع والتعريف بالمدينة والتسويق لها وطنيا ودوليا، وانتعاش مجموعة من الحرف التي اندثرت بوفاة معلميها رهين بتحرك القطاع الوصي لإعادة إحيائها.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *