الرئيسية مجتمع النفقة على الإبن غير الشرعي لحين بلوغ 21 سنة.. بهرجة سياسية وفرجة إعلامية

النفقة على الإبن غير الشرعي لحين بلوغ 21 سنة.. بهرجة سياسية وفرجة إعلامية

كتبه كتب في 7 نوفمبر 2022 - 14:29

أثارت الخرجة الأخيرة لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، حول إلزامية النفقة على المولود خارج مؤسسة الزواج إلى حين بلوغه 21 سنة، ردود فعل متباينة من طرف عدد من المغاربة وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان وهبي قد قال في لقاء نظمته مؤسسة الفقيه التطواني بحر هذا الاسبوع إن “اي شخص تسبب في حمل غير شرعي يصرف على الابن حتى بلوغ 21 سنة”.

بين القبول والرفض

وبين مرحب ورافض لهذا الفكرة الصادرة عن وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، تعددت الآراء والمواقف. بحيث ينطلق المدافعون من منطلق براغماتي صرف باعتبار أن المجتمع المغربي يعاني من ظاهرة الأطفال المتشردين والأطفال المتخلى عنهم، ولابد من وضع حد لهذا النزيف الذي أصاب المجتمع ويعرقل تطوره بسبب الإنجاب خارج مؤسسة الزواج، وما يتابعه من تخلي الأب البيولوجي عنه وتهرب من تحمل المسؤولية، في حين تجد الأم نفسها أمام الورطة وحيدة بعدما كانت بفعل مشترك بين إثنين، لتضطر إما لاحتضانه وتربيته لوحدها وتصبر على الجلد المجتمعي اليومي بدءا من عائلتها مرورا بالجيران ثم الشارع، أو إلى رمي فلذة كبدها في الخلاء تجنبا للعار والوصم الاجتماعي الذي يرحم.

بينما يستند الرافضون لهذا المقترح قانون، على ركيزة أخلاقوية وقيمية حفاظا على ما تبقى من التماسك الاجتماعي ويرون أنه سيفتح المجال للتفسخ الأخلاقي ويشجع على ممارسة “الفساد” بلا راذع قانوني.

وللاقتراب أكثر من هذه القضية المجتمعية، طرحت  هذه الإشكالية على المنظورين الحقوقي والسوسيولوجي لسبر أغوارها وإنارة ما تعتم فيها.

كريمة ندير: مشكلة الأمهات العازبات مشكلة بنيوية وخرجة وهبي ليست إلا بهرجة سياسية

تعتبر كريمة ندير المناضلة الحقوقية، أن ما جاء على لسان وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في سياق يأتي بعد وفاة السيدة عائشة الشنا التي رهنت عمرها للدفاع عن هذه القضايا مشيرة إلى أن كلام الوزير لا يعدو أن يكون مجرد تصريح للبهرجة والفرجة الإعلامية ولا يعالج مشكلة “الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم” بصفة جذرية ولا يكشف عن وجود نية حقيقية للوزير من أجل الاصلاح، فقبل الحديث عن إلزامية النفقة على المولود خارج مؤسسة، يجب أولا إيجاد حل الإشكالية الإجهاض التي يستطيع وهبي الاقتراب منها، باعتبارها حكرا على المجال الديني كما يجب أيضا إلغاء الفصل 490 من القانون الجنائي الذي لطالما نبهنا إلى إلغاء هذا الفصل المتعلق بتجريم العلاقات الرضائية.

وتضيف ندير، و لنفترض أنه تم تطبيق هذا القانون، وفي حالة ما أنجبت امرأة وذهبت لدى المحكمة للتبليغ عن الأب بأي صفة سيتم الاستماع إليها هل كسيدة تعرضت للاغتصاب وعليها إثبات ذلك؟ أم بشيء آخر؟ حيث سيواجهها القانون من جهة أخرى بتهمة الفساد؟ ولنذهب أقصى من هذه الفرضية هل تم حل إشكالية الاعتماد على كشف الحمض AND مع علماء وفقهاء الدين الذين يرفضون استعماله لإثبات النسب بمبررات بعيدة عن القرن 21 ؟

عندما نجيب عن هذه الأسئلة ونجد لها حلولا حقيقية بعيدة عن الطوندونس والبهرجة الإعلامية المجانية، تضيف المناضلة الحقوقية، سنجد هذا الطفل الذي تم الإنفاق عليه لمدة 21 سنة، ما هي الصورة التي سيكونها المجتمع عنه بدء من أقرانه ومدرسيه وزملائه؟ متسائلة هل يعلم السيد وهبي حجم المعاناة النفسية التي يعيشها الطفل المتخلى عنه هذا في الخفاء فما بالك علانية وأمام الملأ؟

وشددت المتحدثة على أن الإشكالية بنيوية والحلول الترقيعية لن تجدي نفعا بل ستزيد من تعميق الأزمة وتكريسها، فإما أن تكون الحلول جدرية وواضحة والا فلا داعي “ندرقو الشمس بالغربال”.

الفقير: يجب الإنصات إلى المجتمع قبل صياغة قوانين تؤطره

وفي تعليق على ذات الموضوع اعتبر الباحث السوسيولوجي رشيد الفقير أن المجتمع المغربي مركب بتعبير السوسيولوجي بول باسكون وهذا المفهوم جد المركب يكشف عن طبيعة التعقيد بين الحفاظ على التقليد بتمظهراته المختلفة من هوية ودين وأعراف وعادات وبين تطلعه للتحديث والحداثة، وإشكالية القانون والواقع إشكالية قديمة يتم التعبير عنها من خلال السؤال الأزلي من يسبق الآخر القانون أم الواقع المجتمعي؟ وأيهما يمتاز بالأسبقية على الآخر هل القانون كمثال ونموذج يصبو إليه المجتمع أم الممارسات المجتمعية التي تفرض صيغا جديدة من القانون الذي يؤطر هذه الممارسات؟

ولعل تصريح وزير العدل في الموضوع الذي نحن بصدده، يضيف الفقير، لا يطرح تعقيدات قانونية فقط وإنما يستوجب أولا الإنصات إلى المجتمع بكل أطيافه وتلاوينه لأن وظيفة القوانين عموما هي الحفاظ على تماسك المجتمع والحفاظ أولا على السلم الاجتماعي..
وأشار إلى أنه “صحيح أن إشكالية الأمهات العازبات والأطفال المتخلى عنهم تضع المجتمع أمام مرآة مشوهة تكشف عن مكامن الخلل داخل المجتمع الذي يمارس من ناحية سلطة الإكراه على هؤلاء الأفراد المقصيين من الاعراف المجمعي.

واسترسل متحدثنا مشيراً إلى دراسة سوسيولوجية أجراها، باحثون في علم الاجتماع، بشراكة مع جمعية 100 في المائة أمهات، إلى أنه مازالت وضعية الأمهات العازبات بالمغرب يكتنفها الكثير من الغموض، في ظل أي إطار قانوني أو اجتماعي يضمن لهذه الفئة الاستقرار داخل المجتمع ويمكنها من الحصول على حقوقها، كـ”أسرة” “بدون عمل أو موارد مالية لإعانة أطفالهن، وبعيدات عن منازل عائلاتهن، وبدون شبكة معارف يمكن أن تساعدهن في الخروج من المأزق الذي وقعن فيه، مؤكداً أنه هكذا تجد الأمهات العازبات أنفسهن فجأة بلا مأوى وفي حالة اجتماعية جد هشة بعد حدوث حمل لا إرادي خارج إطار الزواج.

و توصلت الدراسة إلى أن مجموع المعاناة التي تكتنف واقع الفتيات اللاتي ينجبن أطفالا خارج إطار الزواج، غالبا ما يطبعها حيف المجتمع وغياب الحماية القانونية، لذلك، أوصت الدراسة بإجراء مسح وطني حول الأمومة خارج إطار الزواج، يشمل المستوى والوضع الاجتماعي للنساء العازبات وأشكال التمييز الذي تتعرض لهن إلى جانب أطفالهن، مؤكدة على ضرورة سن قوانين خاصة بهذه الفئة، وتوطيد التعاون مع المنظمات العاملة في هذا المجال والامتثال للاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لاسيما تلك الخاصة بحقوق الطفل.

ومن الخلاصات المهمة التي توصلت إليها هذه الدراسة، يكشف الباحث، هي أنه ينبغي تعديل مسطرة الحالة المدنية للأمهات العازبات، خصوصا في ما يتعلق بالصفة والهوية والنسب، من أجل تمكين أطفالهن من الحصول على البطاقة الوطنية وشهادة الميلاد، حيث ما زالت عدد من الأمهات العازبات وأبنائهن يعانين من صعوبة الولوج إلى هذه الحقوق على شاكلة باقي الأسر.

أبلال: الأم العازبة تبقى في النهاية كبش فداء المجتمع وضحية تناقض التشريعي والواقعي

من جانبه اعتبر الباحث السوسيولوجي عياد أبلال في مقاله المعنون ب” الأمّهات العازبات بين الانفجار الجنسي وإكراهات الواقع الاجتماعي” أن الأمهات العازبات لسن مجرد ظاهرة مثل باقي الظواهر الاجتماعية، بقدر ما هنّ ظاهرة تفسّر درجة الإخفاق الاجتماعي الذي بلغه المجتمع، كما تفسر طبيعة الرابط الاجتماعي، الذي يمكن اعتباره الوسيط العلائقي والوظيفي بين مختلف الأنساق المشكلة لنسق الشخصية.

ولذلك، فالظاهرة التي تخفي تحوّلات الجنسانية في المجتمع في سياق الانفجار الجنسي بتعبير عبد الصمد الديالمي، تضمر خللا وظيفيا في ارتباط النص بالواقع، سواء كان هذا النص دينيا أو قانونيا، حيث تتحول الأمومة كأجمل حلم وأشرف وظيفة جنسانية إلى عار، طالما أن الأمومة حصلت خارج إطار الزواج. وبغض النظر عن الأسباب والعوامل التي تقف خلف الظاهرة، سواء تعلق الأمر بالاغتصاب، أو بحصول الحمل في سياق علاقة حب، أو حتى خلال فترة الخطوبة، وانتهت بالفراق، أو انتهت بموت الشريك، أو تملصه من مسؤوليته ونكرانه للحمل، أو حصلت نتيجة جهل طرفي العلاقة الثنائية بالثقافة والتربية الجنسية، خاصة وأن استعمال العازل الطبي والحبوب المانعة للحمل، يكاد يكون ثقافة نخبوية، فإن الأم العازبة تبقى في النهاية كبش فداء المجتمع، وضحية تناقض التشريعي والواقعي.

في السياق المغربي والعربي عمومًا، يضيف الباحث أنه : الظاهرة “تعدّ حديثة، وتكشف عن حجم الانزياح القيمي الذي عرفته هذه المجتمعات في سياق تحولات الجنسانية العربية في عصر الصورة، وما واكب ذلك من انفجار جنسي، جعل الواقع يتجاوز في تحولاته الدرامية النصوص القانونية والدينية، وهو ما وسم الذهنية العربية بالتناقض نفسه، حيث صارت الازدواجية الجنسانية بين التقليد والحداثة أقرب إلى الشيزوفرينيا التي تجعل جسد المرأة مشتهى ومرغوبا فيه، وفي الوقت ذاته رمزا للفساد والرذيلة، كما تجعل الرجل في ثقافة المجتمع الذكورية السيد الذي من حقه أن يحرث أرض ضيعته كما يشاء، وأن يتزوج في النهاية بمن يشاء، دون حسيب أو رقيب، ومتى تزوج بعد طول مغامرات جنسية، مهما كانت نتائجها، بورك زواجه باعتباره أكمل نصف دينه، في حين أن المرأة موضع الحرث والقلب، تبقى دوما ضحية السيد المالك لجسدها ولعرضها ولشرفها، فهو الأصل وهي الفرع، وهو الأصل وهي النسخة.

كما يعتبر الباحث السوسيولوجي أن مفهوم الأم العازبة، مفهوما مستجدّا في حقل الدراسات العربية، خاصة في الدراسات الاجتماعية؛ فهو مأخوذ من الحقل الغربي، وخاصة من الحقل الأوروبي، الفرنسي والإنجليزي تحديداً، بما هو ترجمة لـ “les mères célibataires” و” single mother “، وهو ما يعني الاسم الذي يطلق على المرأة التي تلد خارج مؤسسة الزواج، أيّاً كانت أشكال هذه الولادة، سواء نتيجة الاغتصاب، أو تخلي الأب البيولوجي عنها بعد حملها، أو نتيجة قرار المرأة الحمل عبر تقنية التلقيح الاصطناعي، كما هو الشأن بالنسبة إلى البلدان الغربية، ولو أن السياق العربي لم يشهد بعد حالات مشابهة لهذا التلقيح الاصطناعي والإرادي.

في السياق المغربي، تعد تسمية الأمهات العازبات ترجمة للمفهوم الفرنسي (les mères célibataires)؛ بمعنى الأمهات اللواتي أنجبن أطفالاً في إطار علاقة جنسية خارج مؤسسة الزواج، وقد جاءت الترجمة الاستعارية من المعجم الاجتماعي الفرنسي، للارتباط الثقافي بفرنسا، لكون الظاهرة عرفت بداية هناك، ونتيجة الانفتاح والتحولات الثقافية والاجتماعية التي يعيشها المغرب، مثله في ذلك، مثل بعض البلدان المغاربية والعربية، منذ تسعينيات القرن الماضي، حيث برزت الظاهرة، نتيجة ارتفاع عدد الأمهات العازبات، وتكفل بعض جمعيات المجتمع المدني المشتغلة على قضايا المرأة، ومساندتها من طرف الهيئات الدولية، ومتابعات وسائل الإعلام، أصبحت الظاهرة مألوفة، خاصة بعد الانفجار الجنسي الذي بات يعرفه المغرب، شأنه في ذلك، شأن الكثير من البلدان العربية، بالرغم من التحفظات وأشكال المحافظة التي تميز عموما هذه المجتمعات، والتي تحتضنها كما تنتجها في الوقت ذاته، بشكل يجعلها، من ضمن الانحرافات الاجتماعية التي باتت تعرفها، نتيجة تحولات ثقافية واجتماعية، سنأتي على تحليلها

وأضاف موضحا أن المفهوم يحتضن في عمقه دلالات متناقضة، تعكس تناقض الواقع الاجتماعي، مثلما تعكس المفارقات الحاصلة بين المعيش اليومي من جهة، وقيم المجتمع من جهة ثانية، وهو تناقض يجعل البحث الاجتماعي يسجل الهوة الكبيرة التي تفصل الواقع الاجتماعي في تحولاته وانفجار أنساقه الجنسانية، عن واقع النصوص القانونية والدينية، التي باتت في جمودها تعرقل اندماج الأمهات العازبات، وتحرم آلاف الأطفال الأبرياء من الحق في الحياة الكريمة، والمواطنة الكاملة، خاصة إذا علمنا حجم الظاهرة وارتفاع نسبة الولادات خارج إطار الزواج، ناهيك عن حالات الإجهاض هروبا من وسم الأم العازبة، الذي بات معادلا موضوعيا لهدر الكرامة والإنسانية. ويكفي التركيز على المقابلات اللسانية لمفهوم الأم العازية، بما هي ترجمة لاسم وهوية متشظيين؛ فالأم العازية، هي العاهرة، والفاسدة، والقحبة، وابنها هو اللقيط، وابن الحرام، وولد الزنا… وما إلى ذلك من نعوت وتوصيمات، تهدر الحق في الكرامة والإنسانية.

ضمن هذا السياق، يكشف أبلال أن ” الحمل غير الشرعي يعد من وجهة نظر دينية واجتماعية حملا حراما، ولذلك، فالطفل الوليد في هذه الحالة ينعت بابن الحرام، ناهيك عن وسم الأم العازبة بشتى الشتائم والنعوت القدحية، بكل ما يرتبط بذلك من تهميش واحتقار، خاصة وأن الوضع يتجاوز الأم والطفل إلى العائلة، طالما أن الحمل الحرام تدنيس لسمعة العائلة وتلويث للشرف، وهو ما يجعل نسبة كبيرة من هؤلاء الأمهات يتخلّين عن أطفالهن بعد الولادة مباشرة، إذا فشلن في إجهاضهم وهم أجنّة، وفي حالة التخلي، فإن الثمن يدفع الطفل البريء الذي يرتبط اسمه دوما بابن الحرام، وعليه يمارس المجتمع كل أشكال الاحتقار والاستبعاد، وهو ما يقود أطفال الأمهات العازبات إلى الانحراف والأمراض العصبية والنفسية.

واسترسل بالقول :”فالأم العازبة تتعرض إلى المعاملة السيئة والعقاب والإقصاء والنبذ من طرف الأقارب كما تحرم من صفة المواطنة التي تعطيها كل الحقوق، إضافة إلى أنها تجد نفسها أحيانا أمام خطر الموت، لأنها أم لطفل لا لقب له، ولأن الأبوة في مجتمعاتنا تختزل في لقب، ولأن اللقب يعتبر ضرورة حيوية لتكون للفرد مكانته الشرعية في مجتمعاتنا، فإن الأمهات العازبات يتخلّين عن أطفالهن عند خروجهن من مستشفيات الولادة بطريقة وحشية في أغلب الأحيان، لأن هؤلاء الأطفال لا ألقاب لهم” .

ليبقى السؤال عنوان هذا المقال معلقا للكشف عن مكامن القوة والعطب في ثنائية القانون والمجتمع الأزلية بعيدا عن الاستعمال السياسوي الضيق لأزمات المجتمع ..

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *