لا احد يجادل بأن مقياس تطور الشعوب هو مستواها العلمي و المعرفي بصفة عامة ، و تعليمها الجامعي بصفة خاصة ، باعتبار الجامعة منارا للعلم و المعرفة ، وتجاذب الافكار و الاديولوجيات الذي تفرز في نهاية المطاف تجددا في التصورات. كما تقوم بإنتاج نخب قادرة على المحافظة على صيرورة الانتاج الفكري و المعرفي ، تتحمل المسؤولية في تكوين اجيال المستقبل الحاملة لمشعل التغيير في بلدانها.
فتاريخيا انتجت الجامعة مفكرين و فلاسفة ، ادباء و علماء سياسية ومنظرين ، هذا في الانظمة السياسية ” المنفتحة ” ( الديمقراطية )، التي تأخذ بعين الاعتبار افكار هؤلاء ومساهمتهم في تدبير و تسيير الحكم . اما في الانظمة السياسية ” المغلقة ” ( التسلطية ) فالجامعة في تصورها تشكل تهديدا لاستمرارها و بقاء مصالحها ، لأنها منبع العلم و المعرفة ، والوعي بالإشكالات المجتمعية الفكرية والسياسية ، الاقتصادية و الاجتماعية .
وضمن هذا السياق اقدم المغرب على مجموعة من الاصلاحات عبر عدة محطات زمنية ، كان اخرها اصلاح 2003 -2004 ، او ما اصطلح علية ” بميثاق التربية و التكوين “.
فما هي حقيقة هذا الاصلاح ؟
رسميا روجوا على ان المغرب في حاجة الى اصلاح جامعي على شاكلة الجامعات الغربية ، فالغوا نظام السنوات ، و قامو بإقحام نظام الوحدات و المجزءات ، و النقطة الموجبة للرسوب ، وربط الجامعة بمحيطها السوسيواقتصادي …لكن هذه التجربة انعكست سلبا على الطلبة و طرق تحصيلهم العلمي ، بحيث اصبحوا يجدون صعوبة في استيعاب الكم الهائل من الدروس و المقررات ، وإلزامية الحضور الاجباري في الوقت ان اغلب الفئات التي تلج الجامعات تنحدر من الطبقات الفقيرة و البعيدة عن تمركز المؤسسات الجامعية.
فبعد الاعلان عن تطبيق هذا الاصلاح ، قامت الحركة الطلابية برفضه جملة و تفصيلا ، بعد تقديمها لقراءة نقدية له ، مقاطعة للدراسة في عدة جامعات مغربية احتاجا على هذا الاجراء ، معتبرة اياه اجهازا على حق الطبقات الفقيرة في التعليم . و تطبيقا لسياسات ” ليبرالية ” ( توصيات المؤسسات الدولية ) تسعى لجعل الجامعات المغربية سوقا لمراكمة الارباح ، في افق خوصصتها ، و ضرب حق ابناء الشعب المغربي في حقهم في التعليم. وقد اتضحت هذه الحقيقة بعد مرور سبع سنوات على هذا الاصلاح بعد تدني المستوى المعرفي و التحصيل العلمي للطلاب ، بل اكثر من ذلك جعل الطلبة يتركون الجامعات و يتوجهون الى شعب التكوين المهني او ما شابه ذلك مقتنعين بان الجامعات لا تسمن و لا تغني من جوع ، ليكونوا بذلك قد وقعوا في الخطاب التيئيسي الذي روجه اصحاب هذا الاصلاح.
ففشل هذا الاصلاح اذن لم يقتصر تأكيده على الجهات الغير الرسمية ( الحركة الطلابية ) ، بل اعترفت به حتى الوزارة الوصية ، لتقوم بمحاولة استدراك ما فات معلنة بذالك اطلاق مخططا اخرا حمل اسم ” المخطط الاستعجالي “وهو استعجال تنفيذ ميثاق التربية والتكوين الذي ثم تدشينه سنة 2009 .
. ورغم تصريح المسؤولين عن هذا القطاع في الفترة الاخيرة عى انه فشل ( الميثاق ) إلا انهم نجحوا في تحقيق اهدافه الغير المعلنة ، بعد محاولتهم ضرب مجانية التعليم ، و تشجيع القطاع الخاص ، و رفع عتبات ولوج للمعاهد العليا ( النخبوية ) ، وسيادة مجموعة من الممارسات التي كانت غريبة على الحرم الجامعي ( المخدرات – الميوعة -…) ، اضافة الى التضييق على العمل النقابي و السياسي من داخل الحرم الجامعي . فكل هذه الاجراءات اشرت على ان هناك نية مبيتة في تهجين المستوى المعرفي و الادراكي للطلبة ، و صنع ” مواطنا صالحا ” غير قادر على تحليل واقعه المادي ، بل قصوره حتى تقديم و لو قراءه مبسطة لمحيطه .
ودون الاغراق في التفاصيل و الحيثيات ، و لمعرفة حقيقة هذا الإصلاح ، وما آل اليه وضع الجامعات ، و المستوى المعرفي بشكل عام ، يكفي ان تخضع للمقارنة طلبة جيل الثمانينيات مع طلبة اليوم……