الرئيسية مجتمع عُمّال المُوقْفْ .. سواعد تَتَلَقَفُ “طرف الخبز” تحت الشمس

عُمّال المُوقْفْ .. سواعد تَتَلَقَفُ “طرف الخبز” تحت الشمس

كتبه كتب في 28 أبريل 2014 - 14:43

ما منْ سيارة تقف على مقربة من “المُوقْفْ”، وإن بشكل عرَضي، إلَّا وكانت بالضرورة مشروع عمل، بالنسبة إلى هؤلاء العمال، الذين يركضون تجاه صاحب السيارة، ليعرضوا خدماتهم.

” خاصك صبّاغ أ الحاج؟ “؛ ” بلومبي أ الحاج؟ “؛ ” نجّار أ لالّة؟ “؛ ” خاصّك تْرِيسْيَانْ؟”.. مهن كثيرة، وسواعد فتية تعرض خدماتها تحت الشمس في انتظار طالب خدمة.

هم صيادون لا يملون من رمي صناراتهم في يم هائج، وإن كانت نادرا ما تظفر بصيد. كذلك شأن هؤلاء الشباب،الذين يُقَرفِصُونَ في انتظار من يطلب خدماتهم المتعددة. يزجون الوقت في أحاديث جانبية أمام مُعدّات عمل مُنتظر، كُلٌّ حسب تخصصه : “ملاّسة “، “ميزان الما ” خيوط وأسلاك، سطل صباغة فارغ، فؤوس ومعاول، عربات يدوية وما يحتاجهُ أي مْعلّم ليَحصل على “طرف الخبز”.

اقتربنا بحذر من مُوقْف المسيرة بأكادير، حيث لا يحب الكثير من العمال وسائل الإعلام، حتى وإن كان هناك من يريد أن ينقل مُعاناتهم وهمومهم البسيطة إلى الناس.

“بماذا ستفيدنا الجريدة سوى الكلام” يقول عامل، “والهْضرة ماتشْري خضرة” يضيف نفس العامل، متحدثا مع زميله. بيد أن مْعلّم بناء قبل التحدث إلى هسبريس.

تصعد الرواتب أو تنزل، نحن خارج اللعبة..

“” نحن فئة خارج حسابات السياسيين ومُخططاتهم، بربك أي نقابة هاته التي تُدافع عن حقوق طَالْبْ معاشُو مثلي؟ وكيف ستضغط على مُشَغّلي المجهول، وهو يتغير كل يوم، ولا أجد من يُشغّلني، فأفترش هذه المطارق والأدوات إلى مغرب الشمس دون أن أحصل على درهم واحد وأعود إلى أسرتي خاوي الجيب، فيما الأثمان في ارتفاع، ومداخلينا غير مُنتظمة، والشكوى لك يا سيدي ربّي”. يقول عبد الله الذي يتحدث بحرقة.

الساعة تشير إلى الثالثة زوالا، والمُوقف ما يزال يَعُج بعمال ينتظرون الرزق، لكنه يبدو أنه تأخر كثيرا.

يبقى الأمل سيد الموقف، حتى وإن بدأ المساء يلتهم ما تبقى من اليوم، فإن العمال ما يزالون ينتظرون فرصة عمل، ” أحيانا لا يطرق الحظ بابنا إلى المساء، وما علينا سوى الصبر، وعدم فقدان الأمل، قد يأتي من يريد إنجاز “بريكول” ليلي، أو من يبحث عن عامل ليوم غد، لذلك لا نستسلم لليأس بسهولة، هناك من يمل ويغادر، لكن أغلبنا يبقى هنا حتى المساء .

وأحيانا يحصل المْعلّم على تعويض مهم ينسيه أشعة الشمس الملتهبة ويقصد أطفاله فرحانا، خاصة عندما نُصادف أرباب عمل أسخياء يُقدّرون ثمن عرق الجبين ويُحبون طالبي الرزق الحلال”. كما يقول أحد الذين تحدثنا إليهم.

عامل المُوقف.. مهضوم الحقوق

يتحدث امحند (46 سنة) عن تجربته المريرة في الموقف ؛ ” كنت قد اشتغلت عند رجل ثري في الڤيلا بحي الشرف، ولم يدفع لي ما حتى نصف ما اتفقنا عليه، وما إن طالبته بحقي حتى عجّل بطردي مهددا إياي بالسجن. لو طلب حضور الشرطة، من سيُصدّقون في نظرك ؟ أنا أم الحاج الغني؟ لا وجود لمن يستمع لشكوى الضعفاء سوى العلي القدير”.

لا يفكّر امحند في مستقبله، ولا يهمه سوى أن يعود كل مساء ببعض الدراهم التي يحصل عليها بعرق جبينه، كعامل يقوم بأي شيء،” مُنذ 5 سنوات فقط وأنا أتردد على لْمُوقف، وفي كل مرة أقول بأنني سأجد عملا قارا في شركة ما، لكن عملي لا يدوم لأجدني هنا، مقرفصا تحت الشمس أو تحت المطر في انتظار عمل”.

وعندما تشيخ؟ ألا تفكّر في كيفية تدبير تقاعدك عندما لا تستطيع العمل؟ أسأل المْعلّم امحند، فيقول وفي عينه قناعة ورضى:

ـ “الأعمار بيد الله، ومن هنا لتمّا يحن الله! “

عامل المُوقْفْ .. يموت كما تنفق شاة

تحدث بعض عمّال الموقف عن زميل لهم، أصيب بكسر في يده قبل شهر أثناء هدم أحد المنازل، فأقنعه زملاؤه بعدم جدوى طلب الإستشفاء في مستشفيات الدولة خاصة في حالة الكسور. وأن ما عليه سوى الإسراع نحو ” طبيب تقليدي يثقن الجبيرة “.

لحظات المحن تؤلف قلوب الكادحين، لذلك لم يبخل عليه زملاؤه في “الموقف ” ببعض المساعدات المادية ليرحل مكسور اليد والخاطر نحو بلدته في الراشيدية، ليمكث هناك حتى تلتئم عظامه وفي قلبه ذكرى هذا الموقف، ذكرى سيخرج منها معافًى أو بعاهة مستديمة.

عُمّال المُوقْفْ.. “كُسلاء يبحثون عن الهْمزة”

“لا أُشَغّلُ أبدا عُمال المُوقف. عامل الموقف فْنيَانْ” يقول حمزة وهو رئيس ورش. مؤكدا أن هذا الصنف من العمال ” لا يُحبون العمل المتواصل والجاد، وإنما يقضون معظم وقتهم في لعب الورق و الضاما في انتظار الهْمزة. أما العمّال الجيّدون فهم لا يتكئون في الأرصفة في انتظار من يطلبهم، بل يطرقون الأبواب ولا يملّون الطرْق، إلى أن يعثروا على عمل مناسب لمستواهم التعليمي والعضلي أيضا”.

بين من يراهن من “الباحثين عن الهمزة” ومن يرى أنهم فئة “مهمشة مهضومة الحقوق “، يجتمع عمّال الموقْفْ، زُرافات ووحدانا، أمامهم أدوات عملهم يُلصقون كل مآسيهم بـ”الظروف” و ” ماكاينش القانون لّي يحمي الضعيف” وغير ذلك من العبارات التي يُكرّرها هذا الشعب، يشتغلون يوما ويفترشون الإسمنت لأيام أُخَر، في انتظار أن ينزل عليهم الحل من السماء كما ينزل المطر.

هسبريس ـ ميمون أم العيد

 

مشاركة