الرئيسية اراء ومواقف عظمة على عظمة ياست

عظمة على عظمة ياست

كتبه كتب في 11 ديسمبر 2016 - 18:43

وفجأة ودون سابق إنذار إكتشفنا أن رئيس حكومتنا السيد عبد الإلاه بنكيران يعشق السِّتْ، ويطرب لمغناها ويتسلطن في أوقات يختلسها من بين الساعات التي نُثقل فيها على عاتقه بهمومنا.
السيد عبد الإلاه بنكيران يطلق العنان لصوته متماهيا مع آهات العشق وبوح الهوى، ويستريح في خلوة موسيقية مع هاتفه وصوت أم كلثوم الصداح، تناجيه ويرد عليها في فيديو بث على اليوتوب. إستغرب الجميع من محتواه وتوقيت نشره الآن بالذات ونحن في عز الحملة الإنتخابية، وعن الأيدي الخفية التي كانت وراء ذلك.
أغلب الظنون راحت لخصوم حزب رئيس الحكومة، ولا أخفيكم سرا أنني فكرت في ذلك، وتخيلت سيناريوهات جديرة بالأفلام الهوليودية، وأن بنكيران كان ضحية كاميرا خفية دُسَّت في سيارته لتتصيد له الهفوات وتخرجها في الوقت المناسب، لزعزعة ثقة الناخبين في الزعيم المكتسح لكل التوقعات والإحتمالات.
لكن الفرجة والتشويق لم يدوما طويلا، حيث سرعان ما عرفنا من كان وراء تسريب الفيديو، وأن خيالنا كان جامحا حين ذهب إلى نسج حكايات المؤامرة، وتورط الخصم اللدود في إقتحام خصوصية رئيس الحكومة. فمن كان يصور الزعيم هو واحد من الرفاق، ولم يكن يريد به شرًّا ولا زعزعة ثقة ناخبيه، بل بالعكس أراد أن يُظهره حداثيًّا محبا للموسيقى ولمواويل أم كلثوم، ونافيا عنه تهم التزمت والأخونة التي خرج سابقا أُنَاسٌ ينددون بها و بما أسموه أسلمة السياسة، في مظاهرة لم نعلم لحد الآن من كان ورائها تحديدا.
أنا لست ضد بنكيران ولا ضد ميولاته الفنية، بل يسعدني جدا أن أرى أنه يتذوق الفن بهذا الإحساس الكبير، وأنا مع أن يمارس حريته كما يحب، إنما ما يؤلمني هو إزدواجية الخطاب والإرتجالية الكبيرة في التعامل مع المشهد السياسي، وعدم إحترام ذكاء شريحة كبيرة من المواطنين.
خمس سنوات عجاف لا ثقافة ولا فن فيهن، إنتكاسة حقيقية وتراجع إبداعي كبير في هذا المجال، فخطاباته كانت تحمل في طياتها دائما تسفيها للعمل الفني وكلام عن فن نظيف وآخر غير ذلك. فبعد أن كان هناك حديث لدى سابقيه عن تحرير القطاع السمعي البصري مثلا وعن مشاريع قنوات تلفزية خاصة سترى النور، لم نعد نأمل ولا حتى نتوقع حصول ذلك. ففي زمن أصبح التلفزيون يعاني فيه من زحف وسائل تواصلية جديدة تهدد وجوده، لازلنا لا نتوفر في المغرب ولو على قناة تلفزية خاصة، تترجم إلى صور ما يعرفه البلد من تحول يراد له أن يعطي صورة حداثية عنه.
لا أحد من العقلاء يمكنه أن ينكر أهمية الغذاء الروحي بالنسبة للأفراد، وتحديدا الجيل الناشىء، غذاء هو في حاجة إليه ربما أكثر من أي شيء آخر، ليخلق مجتمعا متصالحا مع كل مكوناته، يناقش قضاياه الحيوية بروح المنطق الذي يخوله الفكر الناضج الذي يحتاجه الوطن، ولا شك أن تجليات ذلك كانت ستظهر في الإنخراط في بناء مشروع تنموي بدل العزوف الذي نعرفه.
دعونا إذا نستمتع جميعا بأم كلثوم وفيروز، وبأهازيجنا الشعبية كذلك، نريد أن نعلم أبنائنا تذوق الباليه، وإحترام التراث وحرية إختيار وتجريب أنواع أخرى من الفنون، كفانا من تفريخ عقول جوفاء لا لمسة إبداع تتقنها ولا نهضة فكرية نرجوها منها…
ماذا كانت تقول الست يا سي بنكيران :

من زمان طال انتظاري واحتمالي ولا انت داري …نار بعادك واصطباري كل ده علشان عنيك
ياما حبيت في الجوارح كل قول قاسي وجارح …اسمعه واصفح واسامح والحنان يزداد إليك …
عظمة على عظمة ياست!!!

فاطمة النوالي آزر

مشاركة