الرئيسية مجتمع قَبْل 14 عَاماً.. هَذِه آخِر كَلِمَات الْحَسَن الثَّانِي لِلْمَغَارِبَة

قَبْل 14 عَاماً.. هَذِه آخِر كَلِمَات الْحَسَن الثَّانِي لِلْمَغَارِبَة

كتبه كتب في 23 يوليو 2013 - 18:42

يكمل الملك الحسن الثاني، اليوم، 14 عاما من “الرحيل” عن ساحة التدبير السياسي للبلد.. فالرجل الذي وجّه آخر خطاباته نحو الشعب في الـ9 من يوليوز العام 1999، بمناسبة “عيد الشباب”، وهو ذات الملك المصرّ على مشاطرة الفرنسيّين “عيد نصرهم” في الـ14 من نفس الشهر بانتقاله شخصيا نحو باريس بمعية عناصر لامعة من استعراضيّي حرسه.. فارق الحياة بتاريخ لم يكن غير حصيلة الجمع بين 9 و14.. وتحديدا بُعيد عصر يوم الـ23 من شهر يوليوز المنتمي لآخر سنة في القرن العشرين.

قلائل هم من يتذكرون ملامج آخر خطاب للملك الراحل رغما عن الكاريزمية التي كان يتحلَّى بها مُلقيه، وضدّا على توقيته الذي كان بإمكانية أن يجعل هذا الكلام الصادر عن المدبّر الأوّل لشؤون البلد في مرتبة “الوصيّة”.. هو تعاطٍ تنَاسَى كلاما عن “معركتنا الأولى وهدفنا الأسمى بعد قضيتنا الترابيّة” وفق التعبير المستعمل من لدن الحسن الثاني حينَهَا.

الملك الراحل، وفي خطابه الأخير، كان قد اختار الحديث عن مسؤولية الدولة في تشغيل الشباب قبل عِقد ونيف من لجوء عبد الإله بنكيران لمقولة “الرزق عند الله” لتبرير “تحريم” حكومته للتوظيف المباشر.. “منذ سنة 1998 إلى يومنا هذا تمكنا من أن نشغل 11 ألفا من متخرجي التكوين المهني، و8800 من الذين لهم شهادة في مستوى الإجازة، و2000 فقط من الدكاترة أو المهندسين ذوي المستوى العالي، وهكذا نصل إلى 21800 في سنة واحدة لم نكن مهيّئين تمام لاستيعابها، ولكن الله سبحانه وتعالى أيدنا بقوته فأعطانا المخيلة اللازمة والإقدام اللازم لإدراك هذا الهدف” يقول الحسن الثاني الذي أعلن أيضا: “في إطار تشغيل الشباب هناك آمال كبيرة مفتوحة أمامنا، ولكن المغاربة سواسية عندي وسواسية أمام القانون فيما يخص حقوقهم، فلا يمكن لي شخصيا وللدولة المغربية أن تنكب فقط على ملف الشباب الحامل للشهادات، فالتشغيل هو واجب على الدولة بالنسبة لكل واحد. وهو حق من الحقوق الدستورية لكل واحد من المغاربة ذكرا كان أم أنثى..”.

“المغرب يخلق لنفسه تلقائيا ما بين 200 ألف و250 ألف منصب شغل سنويا، ويبقى كل سنة، تقريبا، 60 ألفاً يمثلون الرّاسبين في امتحاناتهم، سواء في السلك الثانوي أوالعالي، وإذا نحن زدنا 6 آلاف على 60 ألفا رأينا أن هذا الرقم يتراكم ويصبح رقما ضخما جدا يصعب استيعابه في سنة واحدة” يضيف الحسن الثاني في “الخطاب الأخير” قبل أن يتجه نحو إبداء الشكر للقطاع الخاص الذي أقدم، سنة 1998، على تشغيل 28730 من الخريجين في مناصب قارّة، وكذا 22300 في أنشطة موسمية.

تصوّر الحسن الثاني لمجهودات الدولة التي ينبغي أن تبذل من أجل محاربة العطالة، وهي الآتية في آخر السنين الـ38 التي حكم فيها البلد، عرفت إشهاره لتخطيط مالي يخصص لإدماج العاطلين، وذلك وفق تصوّر يجعل من الجماعات المحلية تضخ لهذا الغرض 713 مليار سنتيم من ميزانياتها، و1800 مليار سنتيم توفرها المؤسسات والمكاتب العمومية المختلفة، فيما تتكلف مصالح الدولة بقيمة مالية حددها في 1000مليار.. “في ظرف ثلاث سنوات إن شاء الله، من الآن إلى عام 2001، سنتمكن بحول الله وقوته وبإرادتك شعبي العزيز وشبابي العزيزمن أن نقوم بوثبة جبارة، لا أقول بمعجزة لأن المعجزات تخص الرسل، ولكن بكرامة شعبية متضامنة، فنكون في ظرف ثلاث سنوات قد استوعبنا تلك الأعداد التي تراكمت على المغرب وشباب المغرب بوتيرة 60 ألف شاب وشابة في السنة”.

“يمكن لكم أن تتساءلوا عن سبب كون الذين حازوا على الشهادات العليا في العلوم الدقيقة جدا هم الذين يجدون صعوبات في إيجاد الشغل، إن الجواب سهل، هو أن جل هذه الآلاف قد درسوا إما البيولوجيا المتقدمة جدا وإما الفيزياء النووية أو ما هو في مستوى هذه العلوم المتقدمة جدا والمتطورة جداً، فكيف يمكننا أن نخلق مختبرا لكل شاب أو شابة له دبلوم في البيولوجيا، وكيف يمكننا أن نشغل، نحن في المغرب، شخصا حائزا على شهادة الفيزياء النووية” يورد الحسن الثاني قبل أن يسترسل: “هذه علوم تقتضي، في الواقع، من المربين والمدرسين والموجهين أن يحاولوا إبعاد أكثر ما يمكن من الناس عنها، لأنهم لن يجدوا مجالا للشغل ولا للتشغيل، فلهذا ترون أننا شغلنا 2000 فقط، وكيف تم ذلك حتى بالنسبة لهؤلاء: لقد وضعناهم رهن إشارة الصناعات المتقدمة جدا والمتطورة جدا برضاهم بالطبع، والتزمت تلك الشركات وأولئك المقاولون بأن يستفيدوا من الدراسات العليا التي يتوفر عليها هؤلاء ، وأن يدمجوهم ويبرمجوا ويكيفوا تلك المعلومات التي يتوفر عليها هؤلاء الدكاترة حتى يمكنهم أن يندمجوا في النسيج الصناعي الوطني.. وهناك أخيرا ميدان مهم جدا، ألا وهو ميدان الذين يخلقون لأنفسهم شغلهم فتعِينهم الدولة، وتعطيهم رأس المال، وينجحون نجاحا سارا وجيّدا، حيث إن أقل ما يشغله الواحد منهم معه هو ستة أو سبعة أو ثمانية أشخاص”.

ذات “خطاب ما قبل الرحيل” عرف انتقادا حادّا من الملك لمنظومة التعليم المعمول بها، إذ اعتبرها لم تأخذ بعين الاعتبار العمل والتشغيل، بل ذهب إلى اتهام أطر التوجيه بـ “عدم القيام بواجبهم”.. حيث قال عنهم: “أطلقوا العنان للعديد من الشباب ليجربون أنفسهم في هذه المادة أو تلك دون أن يكونوا عارفين لملف الطالب أو الطالبة ومدركين تماما لقابليته بالنسبة لهذا التخصص أو ذاك، وما هي قدرته بالنسبة لهذه المادة أو تلك”.. واعدا المغاربة بالتطرق للموضوع، إشكالا وحلاّ، ضمن خطاب الـ20 من غشت الموالي.. وهو التاريخ الذي سبقه الأجل.

الكلمات الأخيرة من الملك الحسن الثاني للمغاربة أثارت أيضا خوصصة الاتصالات عن طريق الرخصة الثانية لاستغلال الهاتف المحمول.. معلنا عن مبلغ مستخلص من قيمة الصفقة، حدد قيمته في 700 مليار سنتيم، توجّه للاستثمار.. “القرار الذي يجب أن يتخذ (…) هو ألا تمس السبعة ملايير درهم أبدا، وألاّ تذهب إلى خزينة الدولة، وألا تصرف في ميزانية التسيير أو لسد الثغرات، بل يجب أن تكون في حساب خاص، وهذا الحساب الخاص هو الذي سيجعلنا بهذا المبلغ الكبير نجعل من المغرب ورشا كبيرا يهتز من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه. يهتز بالعمل والبناء والتجهيز، لا بالأعمال التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا بالأعمال الاجتماعية الفارغة فقط، بل بالأعمال التي تخلف ما يشغل (…) هذه كرامة من الله ورزق ساقه الله إلينا..” يورد الحسن الثاني قبل أن يعد المغاربة بتوجيه ذات المال نحو فك عزلة العالم القروي ببناء الطرق الثلاثية وتوفير الماء الشروب، وإعطاء الأولوية كما كان ذلك من ذي قبل للري والسدود، والنظر في خلق شبكة قوية للصيد البحري تمكن أولئك الذين يصطادون في الشواطئ أو غير بعيد عن الشواطئ أن يكونوا سلسلة من المدن الساحلية، ثمّ بناء الطرق السيارة.

“..إن ما أقوله لك كان حلما وكان أمنية وأصبح اليوم حقيقة، وعلينا أن نحمد الله عليها، وفي القريب إنشاء الله، أي في سنة 2000، ولا يفصلنا عن سنة 2000 إلا ستة أشهر، وربما قبل ذلك، سوف ترى بنفسك؛ شعبي العزيز، بلدك يهتز طربا وعملا وبناء وتشيدا وافتخارا وآمالا، وسوف ترى كذلك العاطلين مشتغلين، وسوف ترى في كل ناحية من نواحي المغرب، القاصية منه والدانية، الأعمال والأوراش والمال مثل الماء يجري من هنا إلى هناك” يضيف الملك الراحل في خطابه الذي مرت عليه 14 سنة وزَاد في إبّانه: “مع ما حققناه بالنسبة للشباب، ومع ما أعدكم بإنجازه في ثلاث سنوات بالنسبة للفائض الذي تراكم علينا فيما يخص تشغيل الشباب، وما أعطانا الله سبحانه وتعالى من خيرات في هذه المقاولة وما در علينا من ملايير الدراهم، وسوف نرى إنشاء الله؛ شعبي العزيز، في أقرب وقت ممكن، الدنيا بألوان أخرى، وسوف تتسع الآفاق أمامنا إتساعا يليق بماضينا ويطابق مطامحنا، وسوف نطمئن على فلذات أكبادنا وعلى الأجيال الصاعدة”.

هسبريس ـ طارق العاطفي

 

مشاركة