الرئيسية اراء ومواقف اسبانيا آيت باعمران : ألــمُ الحنين في ذكرى سايس ابريل

اسبانيا آيت باعمران : ألــمُ الحنين في ذكرى سايس ابريل

كتبه كتب في 20 أبريل 2013 - 22:17

لطالما كثر الحديث عن تجربة اسبانيا في ايت باعمران، من مواقع مختلفة ومرجعيات متفاوتة وأجيال متعاقبة، من سنة 34 إلى سنة 69 هي مرحلة مهمة في تاريخ ايت باعمران كمجال ومجتمع، ثمة أحداث ومجريات كبيرة ومهمة، سعيدة ومؤلمة..

اليوم نذكر ونتذكر هذه الفترة التي كان فيها علم اسبانيا يرفرف فوق سطوح البنايات التي شيدها “كاباص” في افني. وبعيدا عن قراءة الحدث واستعراض الوثائق والمعارك وردود أفعال الزعماء والفقهاء والشيوخ. نرى انه من الأهم استقراء وتتبع حضور تجربة الوجود الاسباني أو بالأحرى اسبانيا في الذهنية المحلية والمتخيل الجماعي لايت باعمران وفقا للواقع الذي نعيشه اليوم، بمعنى كيف نرى تجربة الاستعمار وكيف نستحضرها ونتفاعل معها بعيدا عن العواطف والحماسة الوطنية الزائفة والمصطنعة؟

صحيح أن أجدادنا وأمهاتنا وآبائنا قاوموا ببسالة الشجعان الوجود الاسباني إلى أخر رمق في حياتهم، ومازالت تيمة هذه المقاومة تهيمن على ذاكرتنا الجماعية، فكل البحوث الجامعية التي أنجزت حول التاريخ المحلي ركزت على ملاحم وبطولات الباعمرانيين، معارك وانتصارات، انتفاضات، شعر المقاومة، سير الزعماء والشيوخ….ودائما ما نفتخر في نقاشاتنا وفي الخطب الرسمية والشعبية فوق المنصات والصالونات ونركز دائما على روح المقاومة والجميع ينتشي  بالنصر…

لكن عندما نتأمل اليوم الهروب الكبير نحو اسبانيا وحضورها في الوجدان المحلي، ونتجرع مرارة فقدان شباب في عمر الزهور فوق أعالي البحار، ونلاحظ رغبة الشباب وحتى النساء الهجرة إلى أوروبا بكل الوسائل، ربما ننسى في رمشة عين صفحات المقاومة والبطولات والانتفاضات….

طُردت اسبانيا من افني ولكن أبناء ايت باعمران يركبون قوارب الموت في الظلام الدامس من اجل الوصول إلى جزر هي الأخرى مستعمرة من قبل اسبانيا،،، الآباء والأمهات الذين كانون بالأمس يجاهدون لطرد الاسبان من افني اليوم يبيعون الأملاك والأبقار والحلي والفضة وربما الذهب لإرسال أولادهم إلى الفردوس الاسباني إما عن طريق شراء الفيزا أو البحث عن كوبل للزواج أو أداء ثمن رحلة  بحرية سرية وذلك اضعف الإيمان…

هل كان السابقون حينما كانوا يقاومون الأسبان-إيرومين- في افني وامستثتن واملو وتانكارفا وغيرها،،، أن اللاحقون سيضحون يوما ما بأرواحهم من اجل الوصول إلى بلد الاسبان..كانوا يجاهدون في سبيل طردهم وها نحن نجاهد، نكابد لكي نصل إليهم…نريد ان نعيش بين أحضانهم ونتزوج ببناتهم ونشتغل في شركاتهم ومعاملهم وفنادقهم آو حتى في منازلهم…في حين كنا بالأمس نصفهم بأبشع الصفات والنعوت.

في سنة 1947 اقترحت اسبانيا قانونا للتجنيس أبناء ايت باعمران، وقامت القيامة وبدات الانتفاضة والثورة ضدهم وتعالت أصوات الجهاد وكان لذلك الحدث ما بعده…واليوم نعرف جميعا ماذا يعني الحصول عن الجنسية الاسبانية عند الباعمرانيين وغيرهم،،،لا يمكن وصف سعادة ونشوة من يغير لون جواز سفره…من يحس انه مواطن اسباني. بل اكثر من ذلك فقد ظهرت بعض إشكال الاحتجاج على الإدارة المغربية برمي بطائق الهوية والتلميح باللجوء إلى ما يشيه الحماية الجديدة.

دون أن ننسى أن جميع الشباب الذين جربوا الهجرة السرية والذين ما يزالوا يفكرون فيها، يتمنون لو توفر أبائهم أو أجدادهم على بطاقة  الدوكيمينتو تظهر فيها صورة صاحبها وعليها خاتم الإدارة الاسبانية، ونعرف شبابا استعانوا بهذه البطاقة ووثائق أخرى للجندية في إحراز أوراق الإقامة في اسبانيا بعدما دخلوها بطرق غير قانونية…

قد يقول قائل؛ إننا نقارن في مجال لا تصح فيه المقارنة، كما انه لا يمكن قرائة أحداث تاريخية خارج سياقاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية….وقد يذهب البعض إلى القول بان الاستعمار يبقى استعمارا في أخر المطاف ولا احد يستطيع تزكيته وقبوله….فالحرية هي أفيون الشعوب…جميل؛ لكن لو كان أجدادنا يعلمون أن أولادهم سيهربون يوما من جحيم الوطن إلى الفردوس الاروبي عبر قوارب الموت هل سيقاتلون الاسبان؟ هل سيرفضون التجنيس؟ هل سيفجرون أنفسهم في التكنات الجيش الاسباني؟

نعود إلى التاريخ ونعلم أن اسبانيا دخلت إلى افني عبر اتفاق امزدوغ المشهور وقرائتنا لبنوده نخلص إلى أن المسألة كل ما فيها هو اتفاق سياسي وتجاري بين موقعيه كل يلتزم باحترام الأخر وخصوصياته الدينية والثقافية…. ومن سنة 34 إلى 47 كان التواجد الاسباني في المنطقة لم يطرح أي مشكل بل بالعكس تفاعل مع الباعمرانيون ساهم الاسبان في خلق دينامية اقتصادية واجتماعية محلية غير مسبوقة؛ شيدوا مدينة جميلة وادخلوا سلعا جديدة وخلقوا إدارة حديثة لم نكن نتوفر عليها كما وفروا مناصب شغل مختلفة استفاد منها الفقراء ومازالوا إلى اليوم وخاصة التجنيد…ويمكن للجميع أن يسأل عن هذا التغيير وهذا الرخاء فمازال الناس يتذكرونه جيدا؟

وفي سنة 47 اظطربت الأوضاع بفعل قانون التجنيس؟ ولكن السؤال المطروح الذي يهمله الباحثون هو من كان وراء الحملة المغرضة ضد هذا القانون بالرغم من وجود عناصر كثيرة تفاعلت معه؟ الم تكن لهم علاقات مع عناصر خارج مجال ايت باعمران؟ ما هي مرجعيتهم السياسية والإيديولوجية ؟ الم يكن بعض زعماء قبائل ايت باعمران على علم بهذا القانون؟ أو بالأحرى الم يشاركوا في إعداده؟ وفي الأخير الم يكن قانون التجنيس يخدم مصالح الباعمرانيين..

ولنتحدث بلغة الواضح من أعد لوائح فيها أسماء عشرات من الباعمرانيين أبرياء يعتبرونهم “خونة” لأنهم يشتغلون في الإدارة الاسبانية أو يتعاملون معها وبدأوا في تصفيتهم…؟

ما الفائدة من استقلال لم يضمن للناس كرامتهم ولم يوفر للشباب مناصب شغل ولا لأطفال فرص التعلم ولا للنساء خدمات صحية؟ ماذا استفادت ايت باعمران من 69 إلى اليوم؟ انضمت فيها المنطقة إلى دولة انخرها الفساد تحتقر مواطنيها وتنهب ثرواتها وتغتصب أراضيها، ألا ترون معي أن قوانين تحديد الملك الغابوي التي تشرف عليها  اليوم المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر أخطر بكثير من قانون 47؟

هنالك أسئلة عديدة تحتاج إلى بحث عميق لاستبيان حقائق مخفية في تاريخ التواجد الاسباني في ايت باعمران، أبحاث نريدها أن تغير من نظرتنا لهذه الفترة المهمة من تاريخنا، تلك النظرة التقليدية التي تضع “الاستعمار الأجنبي” في مقابل “مقاومة وطنية عظيمة”…اعتقد أن هذه الثنائية تحجب الكثير من الظل..الم تكن تلك التجربة ايجابية وتركت أشياء عظيمة مازلنا نستفيد منها…جعلتنا نعرف حقيقة أنفسنا.

وإذ نخلد يوم 6 ابريل فكم من باعمراني وباعمرانية تمنى لو بقيت اسبانيا في افني؟

عبدالله بوشطارت

 

مشاركة