الرئيسية سوس بلوس TV هل الحل الأنسب لإلغاء صندوق المقاصة هو توزيع الدعم المباشر على الفقراء؟

هل الحل الأنسب لإلغاء صندوق المقاصة هو توزيع الدعم المباشر على الفقراء؟

كتبه كتب في 15 فبراير 2013 - 12:23

من خلال تتبع عمل حكومة بنكيران ومشاريعها يتضح أن توزيع مساعدات مادية، بشكل مباشر على الأفراد والأسر، يشكل أهم أولوياتها التي أكد عليها عبد الإله بنكيران مند توليه رئاسة الحكومة. فقد كشف في إحدى الجلسات الأخيرة للمساءلة الشهرية بمجلس النواب بعض ملامح إصلاح صندوق المقاصة، حيث قال إنه يعتزم توجيه مساعدات إلى الأشخاص الفقراء تتراوح بين 250 و300 درهم، وستصل قيمتها الإجمالية إلى 24 مليار درهم في السنة، لكن العديد من المهتمين وكذا السياسيين يرون بأن هذا الدعم المباشر يجب أن توضع له أولا الميكانيزمات الكفيلة بإنجاحه، بينما ترى بعض جمعيات المستهلكين أن المغرب لا يزال في حاجة إلى صندوق المقاصة في الوقت الحالي.

خلال جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس المستشارين في 26 نونبر المنصرم، أكد محمد نجيب بوليف، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، بأن الحكومة منكبة على إصلاح صندوق المقاصة، وبأنها اعتمدت في ذلك، من بين ما اعتمدت عليه، الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، وكشف في حوار صحافي أجراه مؤخرا عن بعض جوانب وترتيبات هذا الإصلاح وكيفية توزيع هذه المساعدات المادية بشكل مباشر على حوالي مليوني أسرة، أي حوالي عشرة ملايين مواطن ومواطنة، وقدر هذه المساعدات بقرابة 1000 درهم في الشهر للأسرة.

مباركة صندوق النقد الدولي
في خطوة نالت دعم صندوق النقد الدولي، تهدف حكومة بنكيران إلى إصلاح أوضاعها المالية بتقليص الدعم وتركيز الإنفاق على الفقراء، وقال وزير الشؤون العامة والحكامة نجيب بوليف في بيان نقلته وكالة المغرب العربي للأنباء إن إصلاح نظام الدعم جاهز تماما من الناحية الفنية. وأضاف أنه فور استكمال المحادثات واتخاذ القرار سيتم تدشينه على الفور.
وأضاف أن المغرب يستعد للبدء في إصلاح نظامه الشامل لدعم المواد الاستهلاكية والطاقية في شهر يونيو المقبل، إذا اتخذ قرار سياسي بذلك، حيث بلغت قيمة الدعم الحكومي أزيد من 53 مليار درهم في 2012 بما يعادل 15 بالمائة من إجمالي الإنفاق العام مقابل 48.8 مليار درهم في 2011، و29,8 مليار درهم في2010. وتعتزم الحكومة تغيير نظام الدعم الحالي لتحل محله مدفوعات نقدية شهرية قيمتها ألف درهم لنحو مليوني أسرة فقيرة. وفي حالة تنفيذ الإصلاح بالكامل فإنه قد يقلص حجم الدعم السنوي إلى 24 مليار درهم، حسب تكهنات الحكومة.
وأضاف بوليف أن الإصلاح سيستغرق نحو أربعة أعوام وربما يسفر في النهاية عن ارتفاع معدل التضخم إلى سبعة بالمائة مقابل أقل من اثنين بالمائة حاليا، حسب البيانات الرسمية. بينما يرى وزير المالية والاقتصاد نزار بركة في مناقشة برلمانية أن خطورة الإصلاح تكمن في إفقار الطبقة المتوسطة. وكان صندوق النقد الدولي قد وافق في غشت الماضي على تخصيص خط ائتمان احترازي للمغرب بقيمة 6.2 مليارات دولار على مدار عامين، بينما حث على إصلاح نظام الدعم، لكنه لم يربط رسميا بين الإصلاح والمساعدات. وتهدف الحكومة إلى تقليص العجز في ميزانية الدولة إلى 4,8 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2013 مقابل ستة المائة في العام الماضي. وتتوقع أن يكون نمو الناتج المحلي في حدود 4.5 بالمائة هذا العام بعدما كان 3.4 بالمائة في 2012.

إشكالية تصنيف الأسر الفقيرة
شرح نجيب بوليف في حوار صحافي مؤخرا الطريقة التي ستعتمدها الحكومة في تصنيف الأسر وتحديد من سيستفيد من الدعم المباشر ومن يتحمل عبء الزيادات التي ستترتب عن رفع الدعم عن المواد. إذ أشار وزير الشؤون العامة والحكامة إلى إمكانية تحديد الفئات الفقيرة والهشة من خلال تعبئة ورقة تعريفية بالأسرة تضم أربعة معايير هي مستوى عيش الأسرة، وقدرتها الشرائية، ومستوى الغنى، أي الممتلكات، وحجم استهلاكها للمواد المدعمة. ويرى بعض الباحثين الجامعيين أن هذه المعايير التي ستحدد من خلال تعبئة بطاقة معينة لا يمكن أن تعطي صورة واضحة عن الوضعية الاجتماعية والاقتصادية لملايين المواطنين، خاصة أنها ستعتمد على التصريح الطوعي والتمثيلية الأسرية وتعبئة البطاقات، وربما رأي «المقدمين والشيوخ» واقتراحات أو تزكيات ممثلي الأحزاب بالدوائر الانتخابية. ويضيف هؤلاء الباحثون أن العملية، في ظل الشروط والوضعية الاجتماعية التي تحيط بحياة الأسر والأفراد والدواوير والأزقة والدروب في القرى والمدن المغربية، يمكن أن تتيح فرصا جديدة للاستغلال السياسوي والحزبي، وأن تتحول إلى أداة تأثير وتوجيه، وأن تنتج عنها مظاهر استغلال وإساءة للعملية الديمقراطية والإرادة الشعبية في العديد من المناطق والجهات.
وسبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن أكد مؤخرا، في تقرير حول «النظام الضريبي المغربي٬ التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي»٬ أن إصلاح صندوق المقاصة من شأنه توفير موارد هامة للدولة. لكنه أكد أن إصلاح نظام المقاصة ينبغي أن يكون موضوع نقاش وطني مفتوح قصد تحديد الإجراءات الخاصة أساسا بتحديد الشريحة المستهدفة وأدوات التنفيذ، والتأثير المحتمل على القوة الشرائية للطبقة المتوسطة. وفي الحوار المذكور أكد بوليف بأن الدراسات المتوفرة لديه تفيد بأن تحرير الأسعار للمواد المدعمة ستؤدي إلى زيادة 570 درهما كنفقات شهرية على الأسر المغربية. كما رجح خيار أن تكون أول المواد المحررة هي المحروقات، التي سيتحمل المواطنون من مختلف الفئات والطبقات وبشكل مباشر أو غير مباشر الفرق بين السعر الحقيقي والمدعم.

الدعم والانتخابات الجماعية
يرى محللون اقتصاديون أن المغرب سيشهد تأجيل أحد أمرين، إما تأجيل الانتخابات الجماعية، أو تأجيل إصلاح صندوق المقاصة وتوزيع الدعم على الفقراء. أما الوزير المكلف بالشؤون العامة والحكامة، فقد صرح بأن إصلاح صندوق المقاصة جاهز من الناحية التقنية، ويحتاج فقط إلى قرار سياسي. لكن مصادر مقربة من الحكومة استبعدت أن تقدم الحكومة حوالي ألف درهم تقريبا للمغاربة المعوزين قبل الانتخابات، بسبب خوف العديد من الأحزاب السياسية أن يستغل العدالة والتنمية ذلك ويكتسح الانتخابات المقبلة.وقالت المصادر إنه إذا حصل توافق حول تنظيم الانتخابات الجماعية قريبا، فإنه من المؤكد أن يتم تأجيل تطبيق إصلاح صندوق المقاصة، لكن إذا تم تأجيل موعد الانتخابات من جديد، فإن إصلاح صندوق المقاصة، والشروع في توزيع الدعم، سينطلق في يونيو المقبل.
من جانبه، اتهم عادل الدويري، رئيس رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، حزب العدالة والتنمية بمحاولة استغلال البرنامج الحكومي للدعم المالي المباشر للأسر الفقيرة لأهداف انتخابية. وقال إن الحزب الإسلامي يسعى من موقعه في رئاسة الحكومة إلى اعتماد برنامج لتوزيع مساعدات مالية مباشرة وغير مشروطة على مليوني شخص مع اقتراب الانتخابات الجماعية المقبلة، مضيفا أن برنامج الدعم المباشر للأسر الفقيرة كان يندرج في الأصل في إطار إصلاح صندوق دعم الأسعار الداخلية، وأن حزب الاستقلال خلال رئاسته للحكومة السابقة اقترح ربط المساعدات المالية المباشرة للأسر الفقيرة بشروط منها إرسال الأطفال إلى المدرسة، واستفادة النساء من الرعاية الطبية. وقال خلال مشاركته في منتدى باريس الاقتصادي بالدار البيضاء مؤخرا «ما تسعى إليه الحكومة الحالية من منح دعم مالي غير مشروط لبعض الأسر سيدخل البلاد في مأزق يصعب الخروج منه، لأن أساس منح هذا الدعم غير محدد. كما أننا لا نعرف ما هي أسس اختيار الأشخاص الذين سيستفيدون من المساعدة المالية».

الإشكالية لا يمكن حلها  بـ300 درهم
أكد شمس الدين عبداتي، رئيس المنتدى المغربي للمستهلك في اتصال مع «المساء»، أن صندوق المقاصة ما زالت الحاجة ماسة إليه في ظروف المغرب الحالية، ولكي يتم التخلص منه لابد من بناء استراتيجية تدريجية مبنية على دراسات واقعية تصنف للمغاربة المستويات المعيشية والطبقات الاجتماعية وقدراتها المعيشية وفقا للمعطيات الجغرافية والدخل الاقتصادي لكل فئة، ومصادر هذا الدخل ومدى استقراره من عدمه، ثم وضع مرحلة تجريبية لمن هو مؤهل للدعم، ومن هو في حاجة إليه أكثر، وما مقدار هذه الحاجة، وما هو  تقدير هذه الفترة: هل سنة أو عشر سنوات، وما هي الدعائم والإجراءات التي تمكن الأفراد في وضعية الهشاشة والفقر وضعف الدخول وعدم استقراره، من تجاوز مرحلة الحاجة إلى دعم هذا الصندوق.
ولذلك، يضيف رئيس المنتدى المغربي للمستهلك، فإن الملف لا يمكن إغلاقه  بـ 300 درهم، مؤكدا بأنه لابد من التريث والاستئناس ببعض تجارب الدول العربية كمصر والسعودية والعراق والكويت من أجل إجراء دراسة مقارنة حول بطائق الدعم وكيفية منحها ومعايير تصنيف الفقير والمعدم والعاجز عن الكسب، مضيفا أن ذلك يحتاج إلى إشراك الجميع في نقاش عمومي مع المجتمع المدني والمنظمات المتخصصة والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.

المساعدة المباشرة للفقراء نوع جديد من الريع

حذر نزار بركة، وزير الاقتصاد والمالية، من أن تخلق المساعدة المباشرة للفقراء، في إطار إصلاح صندوق المقاصة، «نوعا جديدا من الريع الذي لا يقابله عمل تنموي أو مجهود مواطناتي». وأكد بركة، الذي كان يتحدث في اليوم الدراسي الذي نظمته فرق الأغلبية حول إصلاح صندوق المقاصة، أنه ينبغي أن تأخذ الأهداف الأساسية للمنظور الشمولي للإصلاح بما جاءت به المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من أفكار هدفها إخراج المستضعفين من فقرهم.وأكد الوزير على ضرورة اتخاذ الحكومة للتدابير المواكبة «حتى نتمكن من ضمان استقرار اجتماعي وفي الوقت نفسه تطور اقتصادي»، مضيفا أنه «إذا كان هناك إجماع على ضرورة الإصلاح فهناك إجماع أيضا على صعوبته».وأشار بركة إلى أنه لابد لأي إصلاح أن يكون في إطار تشاوري وتشاركي مع جميع الفعاليات من أجل مواجهة هذا الإشكال الكبير الذي أصبح يهدد استقلالية القرار الاقتصادي في بلادنا، مؤكدا أن إصلاح المقاصة مرتبط بتكامله مع إصلاحات أخرى كالإصلاح الضريبي.

سعيد الطواف
سوس بلوس

 

مشاركة
تعليقات الزوار ( 1120 )
  1. وجدت أحسن حل لصندوق المقاصة في أحد المنتديات. وهو حل لا يثير أي فتنة. وأوافيكم الآن بعنوان المنتدى والحل. وأرجو الصبر على طول المقال النسبي.

    السبيل القويم لحل إشكالية الدعم.

    شملادر

    كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الإجراءات الواجب اتخاذها من لدن الحكومة من أجل حل إشكالية صندوق المقاصة. ونحن ، وإن كنا قد اطلعنا على بعض الآراء القيمة والمهمة التي أدلى بها بعض الباحثين في هذا الصدد، إلا أننا لا نعلم على وجه التحديد ما الذي تزمع الحكومة القيام به من أجل التصدي لهذه المعضلة؛ وإن كنا نظن أن الاتجاه الحكومي يسير بصفة عامة في سياق التخلي التدريجي عن هذا الدعم، لكي يتم الخلوص في النهاية إلى تحرير الأسعار مع تمكين الفئات الفقيرة من دعم مالي مباشر. غير أن كل التدابير التي تنحو هذا النحو لن تحل الإشكال، بل إنها ستؤدي إلى فتنة، الله وحده يعلم مداها.

    ولذلك ارتأينا أن نقدم بعض الحلول العملية البسيطة؛ وهي حلول تستند -في نظرنا- إلى تدبير استراتيجي عقلاني، وليس إلى سياسة ترقيعية مؤقتة. وقبل صياغة هذه الحلول، أصرح منذ الآن أنني لست متخصصا في مجال الاقتصاد، وإنما انطلقت من باب أنني أحسست بالمشكلة وألممت بها وأعطيتها ما تستحق من الفكر والعناء وشفعت ذلك بشيء من الدراسة، هذا من جهة ، ومن جهة أخري فإني لا أدعي أن هذه الحلول هي آخر ما نزل، بل ينبغي فقط التأكيد على أنها تدخل في إطار المثل القائل : “أول الغيث قطرة”.

    ثم إن الذي دعاني إلى التفكير في هذا الموضوع من الزاوية التنظيرية، هو ما يتم تداوله من طرف مؤيدي الحكومات المتعاقبة ومعارضيها على السواء من أن هذه الحكومات لا تمتلك من التدابير لحل المعضلات إلا ما كان موضة جاهزة دون أن تبذل ما يكفي من الوسع والاجتهاد من أجل ابتكار حلول جديدة. ومن قبيل ذلك أن الحكومات ليس لها من الابتكار إلا الزيادة في الأسعار من أجل ترقيع ثقوب الميزانية،فهذا مما تواصى به المسئولون أولهم وآخرهم. ويكمن الاختلاف فقط في أن الحكومات السابقة كانت تستغل انشغال المغاربة بمباريات كرة القدم لكي تزيد في الأسعار من طرف خفي؛ بينما لم تفعل الحكومة الحالية ذلك إلا بعد أن أشعرت المغاربة بالأزمة إعلاميا ثم عولت على صبرهم وتفهمهم.

    وبطبيعة الحال نحن لسنا ضد الرفع من الأسعار إن كان ذلك ضروريا ويحتمه التدبير الاستراتيجي، خاصة إذا لم يؤثر هذا الرفع على القدرة الشرائية للمواطنين،وأيضا إذا صاحبه صدق وشفافية يفضيان إلى إعادة إنزال الأسعار إلى مستواها بعد زوال موجبات الرفع منها، وهذا لعمري لا يتوقعه أحد إلا أن يكون الاستغراق في الحلم دأبه.

    نعم قد تتبنى الحكومة بعض الإجراءات الموازية الهادفة إلى التقليص من حدة الأزمة أو إلى التمهيد لتقبل الإجراءات اللاحقة ، وذلك كما فعلت بخصوص الزيادة في منح الطلبة ورواتب المعاشات؛ ونحن وإن كنا لا نقلل من أهمية تلك الإجراءات الفريدة، إلا أننا ومن باب النصيحة للحكومة وفي إطار يرمي إلى النقد البناء لعملها والتنويه بما كان حسنا منه،ندلي بالمقترحات التي سنصوغها في هذا المقال. ولا تدخل مقالتنا في إطار خطاب تحريضي يرمي إلى مواجهة الحكومة بعبارة من قبيل:”لا حسن إلا ما قبحتموه ولا قبيح إلا ما حسنتموه”.وبالطبع عندما نتحدث عن الحكومة فإننا لا نتحدث عن حزب بعينه،بل إننا نعني جميع مكوناتها التي تستحق التنويه والدعم المعنوي بسبب تحملها المسؤولية في هذا الظرف الحساس من تاريخ المغرب.

    وإذا كانت الحكومات ، ومن بينها الحكومة الحالية قد دأبت لحد الآن على تبني حلول الموضة-إلا في ما ندر- فنحن نستغرب لذلك من جهتين؛ تتعلق أولاهما بمدى وجود أو عدم وجود أناس أكفاء متخصصين ممن ينتمون إلى الأحزاب يبتكرون الحلول الناجعة وغير المكلفة، وتتعلق الثانية منهما بأن الابتكار في مجال الحلول لا يستدعي بالضرورة الإتيان بشيء جديد خلق من عدم لم يسبق إليه أول ولا آخر، بل إن هذه الحلول تجدها مبثوثة في بطون الكتب ، ومنها ما تبنته تشريعات الدول المتقدمة في الإطار الذي يناسب أعرافها، فلا ضير من الاقتباس مع مراعاة السياق، بل إن أعظم تلك الحلول هي تلك التي أشبعها فقهاؤنا المسلمون دراسة ولاسيما المالكية منهم ، إذ لم يتركوا بابا من أبواب المعاملات إلا وأحاطوه بالتقعيد والتنظير، فقط لو كان أصحاب الأحزاب ووزراء الحكومة يدرسون.

    ألا ترى كيف أن علماء اليابان ذهبوا إلى الشريعة والفقه الإسلاميين واقتبسوا من مبادئ الأولى وأحكام الثاني بعضا مما حلوا به أزمتهم المالية، ونحن أولى منهم بذلك إذ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها، وليس في هذا الأمر دعوة إلى تطبيق الشريعة حتى لا يؤخذ الأمر بحساسية، إذ لا أحد يستطيع أن يتهم اليابان بأنها طبقت الشريعة.

    ونحن نرى في كل الأحوال أن الشريعة الإسلامية مطبقة في العالم بأسره لأن معظم التشريعات تستند في سن الأحكام المدنية والتجارية على الخصوص إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي ليست في مجملها إلا نواميس كونية بثها الله في الطبيعة لا تحابي مؤمنا ولا كافرا ، فمن أخذ بها أخذ بحظه من العلم والتقدم ومن تركها كان له كفل من الجهل والتخلف. ومن هذا القبيل ما ذكره ابن تيمية رحمه الله من أن الله ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.

    إن التدابير التي ندعو إلى اتباعها تحتاج إلى أن تستند إلى عقيدة اقتصادية تتبناها الدولة في إطار استمرارية أداء المرافق والمؤسسات، ومن مقتضى تلك العقيدة أن النظام الاقتصادي ينبغي أن يكون قائما على الهداية لا على الجباية، فمن غير المعقول أن تظل الدولة معولة في أغلب مواردها على ما تحصله من الضرائب.ومن مقتضاها أيضا الرأفة بالمواطنين والحفاظ على قدرتهم الشرائية من منطلق أن ذلك هو الذي سيفضي إلى الإنتاج بما يقلص التضخم أو يلغيه، وليس من مقتضيات العقيدة الاقتصادية للدولة أن تترك المواطن المسكين عرضة لشركات التدبير المفوض تنهب المواطنين وتثري على حسابهم بدون سبب.فلا ينبغي أن تتراجع الدولة عن واجب المراقبة والردع مهما كانت المبررات، فهذا هو الذي يضفي عليها الهيبة ويجعل المواطنين المستضعفين يثقون فيها.

    وبناء على ما ذكر فإن التدابير المباشرة التي ندعو إليها لحل مشكل صندوق المقاصة تتلخص في ما يلي:

    1-ينبغي أن تؤسس الدولة مجموعة شركات تابعة لها تتشكل من شركة قابضة وشركات فرعية، وتتكلف كل واحدة من هذه الشركات بتدبير إحدى القطاعات الحيوية التي تحظى حاليا بالدعم، كأن تتكلف شركة بالسكر والأخرى بالدقيق والأخرى بغاز البوطان وهكذا، على أن لا يسمح بتأسيس أكثر من شركة على مستوى القطاع الواحد . ولا يضر الدولة أن تستعين بأطر القطاع الخاص وبالرأسمال الأجنبي طالما أن الدولة هي الشخص المعنوي المخول له تسيير تلك الشركات، لكن ينبغي أن تكون كل تلك الشركات مغربية.

    2-ينبغي أن تعمل الدولة على الدعوة – عبر المساطر القانونية المتبعة- إلى إنشاء شركات يملكها الخواص، تعنى كل واحدة منها بتدبير قطاع من القطاعات التي تحظى بالدعم حاليا، وينبغي أن لا يسمح بأن تتأسس أكثر من ثلاث شركات على مستوى القطاع الواحد وألا يسمح للشركات بالاندماج أو تأسيس مجموعة شركات إلا إذا كانت كل منها تتصرف في قطاع مختلف عن الآخر، فيجوز مثلا أن تتحد شركة السكر مع شركة الدقيق والغاز، ولا يجوز للشركات الثلاثة المشتغلة في قطاع السكر أن تتحد في ما بينها. وأيضا لا ينبغي لهذه الشركات الخاصة أن تكون اتحادا مع أي شركة أخرى لا تشتغل في مجال القطاعات المدعمة.

    وينبغي أن تكون كل شركة من الشركات التي ندعو إلى إنشائها قادرة على تدبير جميع مراحل الدورة الاقتصادية للقطاع المدعم من إنتاج وتعبئة وتوزيع وغيرها.نعم يمكن أن تكون كل شركة من هذه الشركات هي الشركة القابضة لمجموعة من الشركات المتفرعة عنها بحيث يختص كل فرع منها بتدبير جزء من الدورة الاقتصادية المتعلقة بالقطاعات المدعمة.

    ونرى أنه لا مانع يمنع من أن تكون واحدة فقط من هذه الشركات شركة ذات جنسية أجنبية بحسب الأصل، إلا أن ذلك مشروط بأن لا تكون شركة قابضة لشركات أجنبية ولا فرعا لشركة أجنبية قابضة. ويمكن أن تتحد مع الشركات المغربية في السياق الذي ذكرناه آنفا.

    3-يتم إعفاء مجموعة الشركات التابعة للدولة من الضرائب، أما الشركات الخاصة فيتم إقرار امتياز ضريبي لفائدتها بحيث لا تؤدي أكثر من 9% من الضريبة على الشركات، مع وجوب إلغاء الضريبة على القيمة المضافة في مجال السلع الحيوية(المدعمة حاليا).

    4-ينبغي أن يتم إقرار سعر لكل مادة من المواد الحيوية بمراعاة الحد الأدنى والحد الأقصى، فالشركات العامة تبيع بالسعر الأدنى المحدد دون أن تنقص عنه ولو درهما، والشركات الخاصة تبيع بما لا يقل عن السعر الأدنى ولا يزيد عن السعر الأقصى، مع مراعاة أن الفرق بين السعرين لا ينبغي أن يتجاوز قدرا كبيرا، ونحن نحدده في الثلث يزيد قليلا أو ينقص . فمثلا يمكن أن يكون الحد الأدنى لغاز البوطان هو 40 درهما والحد الأقصى هو 54 درهما. فالشركات الخاصة تبيع ضمن هذه الحدود والضريبة التي تحدثنا عنها آنفا يزيد سعرها وينقص بحسب ذلك.

    وقد يقول قائل بأن الأسعار تتأثر بالتقلبات الاقتصادية الدولية، ونحن نواجه هذا الاعتراض بأن ارتفاع أسعار المواد الأولية المستقدمة من الخارج ينبغي أن يواجه بإقرار تخفيض من الضريبة أو الإعفاء منها في حق الشركات التي تنتج السلع المدعمة المستخرجة من تلك المواد كما هو الشأن بالنسبة لمادة البترول.

    5-ما تحصله الدولة من أرباح ينبغي أن يوجه لأداء أجور المستخدمين وتكاليف الإنتاج ، والباقي يستخدم من أجل إنجاز مشاريع لفائدة المواطنين وترقيع ثقوب الميزانية إن وجدت ، ويمكن أن يتم توجيهه لدعم بعض الفئات التي تعاني الهشاشة، في بعض الحالات لكن شريطة أن يتم ضبط هذا الأمر بصورة لا تؤدي إلى الفتنة الناتجة عن ادعاء الجميع الفقر والهشاشة.

    فمن شأن هذه الإجراءات أن توفر للدولة موارد خارج المنظومة الضريبية وأن تقوي القدرة الشرائية للمواطنين مما يدفعهم إلى الإنتاج ، وهذا خير من أن يقفوا في الصفوف والطوابير يستجدون الدعم القليل.

    وينبغي أيضا سن مجموعة من الإجراءات الموازية التي تؤدي إلى نجاح ما دعونا إليه، وذلك من قبيل أننا ندعو إلى أن لا يسمح المشهد التجمعاتي بظهور أكثر من عدد معين من الشركات داخل القطاع الواحد ، وقد حددناه نحن في ثلاثة، وذلك نشبهه بما يجري به العمل في الميدان البنكي ، إذ لا يسمح المشهد المصرفي لحد الساعة – بحسب علمنا- بظهور أكثر من سبعة بنوك على الساحة.

    ويعد تفعيل مجالس الرقابة داخل الشركات التي تشتغل في مجال السلع ( المدعمة) من أكثر الإجراءات التي ندعو إليها. كما ينبغي أن تظهر الرقابة المسندة إلى المحاكم المالية بصورة أعمق في هذا المجال.

    وينبغي أيضا أن تعمل الدولة على عدم تمتيع الشركات المنشأة حديثا سواء تلك التي تشتغل في قطاع (الدعم) أو تلك التي تشتغل خارجه بالإعفاء الضريبي إلا في حدود ثلاث سنوات ، وكل شركة قامت بالتدليس من أجل أن تخضع لمسطرة صعوبات المقاولة ينبغي مباشرة أن تؤمم من طرف الدولة ويعاقب المسئولون ؛ وبالطبع نحن لا ندعو إلى التأميم الدائم، بل إن هذا التأميم ينبغي أن يستمر إلى أن تصبح الشركة في ملكية شركاء آخرين ينتمون إلى القطاع الخاص.

    وقد يعترض على الإجراءات التي دعونا إليها خاصة ما تعلق بإنشاء شركات تكون الدولة هي التي تسيرها بأن الدولة لا ينبغي لها أن تجمع بين السلطة والثروة. ونحن نرد على ذلك بأن هذا الجمع لا يقضي بأن تذهب الأرباح إلى ملكية الدولة الخاصة بل هي تخصص لإنجاز مشاريع ودعم اجتماعي لفائدة المواطنين .

    وقد يقال بأن الامتياز الضريبي الذي تستفيد منه الشركات سيفضي إلى أن يسعى الجميع إلى العمل في قطاع الدعم. ونحن نقول إن الشركات المدعمة ينبغي إن تشتغل في إطار القيود التي رسمناها وتخضع لمسطرة شفافة عند انتقائها. ثم لا ضرر من استفادة عديد من القطاعات من هذه التقنية لأن الأموال التي كانت تنفق في دعم الشركات (الغنية) هي نفسها التي كانت تجنيها الدولة من المواطنين البسطاء إما عن طريق الرفع من الأسعار أو عن طريق الضرائب. أما وقد اكتفى المواطنون بأنفسهم ففي ذلك إيذان بأن تستغني الدولة عن الرفع من الأسعار وفرض الضرائب من أجل توجيه الموارد إلى الدعم.وبهذا الإجراء سترتفع القدرة الشرائية للمواطنين ومعها سيرتفع الإنتاج وينخفض التضخم، إذ أن ما حسبناه ضاع هناك هو الذي استرجعناه من هنا، فأبصر به وأعجب من مغنم لا يراه على الجلية إلا من غلب على فكره منطق الهداية لا منطق الجباية.

Comments are closed.