الرئيسية أخبار الجمعيات استغلال قاصرين جنسيا في الإنترنيت.. كابوس يهدد الأسر المغربية

استغلال قاصرين جنسيا في الإنترنيت.. كابوس يهدد الأسر المغربية

كتبه كتب في 4 فبراير 2013 - 15:32

أغلب الحالات تظل طي الكتمان خوفا من الفضيحة أو من المتابعة القضائية.. في سبتمبر 2006 نشر مركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقريرا أشار فيه إلى أن المغرب صار هو الآخر مهددا بالجرائم الالكترونية، بعد أن بدأت تعرف طريقها إليه. التقرير أكد أيضا أن القاصرين هم الفئة الأكثر تعرضا لتهديدات هذه الجرائم، خصوصا تلك المرتبطة بالاستغلال الجنسي للأطفال أو ما يعرف بالبيدوفيليا. هذا المعطى ستثبته العديد من الوقائع والجرائم الجنسية التي سقط ضحيتها أطفال لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة عاما، كانوا يجدون أنفسهم أحيانا، ودون وعي منهم، ضحية استغلال جنسي مضاعف: استغلال جنسي في الشبكة العنكبوتية، واستغلال آخر  في الواقع.

في يوليوز 2005 تعرضت شركات أمريكية عملاقة لهجوم إلكتروني. ضرب الهجوم الـ«سي إن إن» و«نيويورك تايمز» و«مطار سان فرانسيسكو» والـ«بوينغ» و«كاتر بيلار» وشركات أخرى كانت تشتغل كلها بنظام الويندووز 2000. أثيرت حالة طوارئ في شركة مايكروسوفت، مالكة نظام الويندووز.كما في الـ«إف بي آي»، الذي انتقل إلى المغرب خصيصا لاعتقال منفذ الهجمات بعدما رصد مصدرها. وكانت المفاجأة صادمة حين اكتشف الجميع أن الهاكر الذي أرعب الأمريكيين لم يكن سوى مراهق لم يتجاوز بعد عتبة الثامنة عشرة.بعد سنة سيحاكم الهاكر المراهق، وسيكون أول قاصر يتابع بقانون 03/07 المتعلق بالجريمة الالكترونية.

ما حدث صيف تلك السنة نبّه عددا من المختصين إلى خطورة تورط القاصرين أو استغلالهم في جرائم معلوماتية يعاقب عليها القانون. وسيتأكد هذا التخوف أكثر بعد أشهر قليلة فقط عن الجريمة الأولى.لكن هذه المرة لم يكن الضحية سوى قاصرات استغلهن صحافي بلجيكي ونشر صورهن رفقة نساء أخريات في أوضاع جنسية مهينة على الإنترنيت.بعد سنة سيثير تقرير صادم حول «القاصرون وجرائم الإنترنيت بالمغرب»، نشره مركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نفس التخوفات، وسيؤكد أن المغرب صار هو الآخر مهددا بالجريمة الالكترونية.

فعل غير قانوني

عادة ما تعرف الجريمة الالكترونية أو المعلوماتية بأنها كل فعل غير قانوني يقترف عبر استغلال الإنترنيت أو أي تقنية معلوماتية من أجل الاعتداء على أي مصلحة مشروعة، سواء كانت مادية أو معنوية. وهي تأخذ أشكالا عدة، منها: قرصنة البرامج، اختراق المواقع الالكترونية وتدميرها، النصب والاحتيال عبر الإنترنيت، تزوير الوثائق المعلوماتية، الاختلاس والتحويل غير المشروع للأموال عبر الإنترنيت. يضاف إليها الاستغلال الجنسي للأطفال أو ما يعرف بالبيدوبورنوغرافيا، الذي يعد أحد أخطر هذه الأشكال. وقد  حددت الاتفاقية الأوربية، التي صادق عليها المجلس الأوربي في بودابست بهنغاريا سنة2001 ، أوجه هذا الاستغلال الجنسي في:
• إنتاج مواد إباحية متعلقة بالأطفال من خلال نظام معلوماتي.
• تقديم أو توفير مواد إباحية خاصة بالأطفال عبر نظام معلوماتي.
• توزيع أو نقل مواد إباحية من خلال نظام معلوماتي.
•التزود أو تزويد شخص آخر بمواد إباحية للأطفال عبر نظام معلوماتي.
• حيازة مواد إباحية للأطفال في نظام معلوماتي أو في وسيلة لتخزين المعطيات المعلوماتية.
وتوضح اتفاقية بودابست أن عبارة «المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال» تشمل كل مادة إباحية تصور بصريا:
• قاصرا منكبا على ممارسة الجنس بشكل صريح.
• صورا واقعية تمثل قاصرا يمارس الجنس بشكل واضح.
كما توضح الاتفاقية أن لفظة «قاصر» تعني كل شخص دون الثامنة عشــــرة من عمـــره.
ورغم أن عدد القاصرين ضحايا الاستغلال الجنسي في الإنترنيت غير محدد، فإن تقديرات المفوضية الأوربية تشير إلى وجود «أزيد من مليون صورة للأطفال ضحايا الاستغلال الجنسي في الإنترنيت». تضاف إليها سنويا 50 ألف صورة، حسب الأمم المتحدة. هذه الصور تسوقها مافيا دعارة الأطفال عبر المواقع البيدوفيلية، التي تزايدت أكثر من أي وقت مضى، كما يعترف بذلك الأنتربول. وبالأرقام، هناك أزيد من أربعة ملايين موقع في الإنترنيت تبث صورا لأطفال يستغلون جنسيا، حسب دراسة رعتها الأمم المتحدة قبل ثلاث سنوات، بعد أن  كان عددها لا يتجاوز الثلاثة آلاف موقع سنة 2006، حسب منظمة «إنترنيت واتش فونديشن»، وهي منظمة بريطانية مستقلة. الأخطر من ذلك أن هذه المواقع تصعب جدا مراقبة أنشطتها بسبب التكنولوجيا المتطورة، التي تحجب هويتها، كما يوضح علي العزوزي، الخبير في الأمن المعلوماتي، في كتابه cybercriminalité au maroc (الجريمة الالكترونية في المغرب). وهذا يعني أن هذه المواقع تكون في الغالب بمنأى عن أي متابعة قانونية، رغم التداعيات الخطيرة المترتبة عن استغلال الأطفال في صناعة جنسية يتراوح رقم معاملاتها بين 3 مليارات و20 مليار دولار، حسب تقرير للأمم المتحدة. وقد استفادت هذه المواقع كثيرا من اتساع دائرة استعمال الإنترنيت، التي جعلت الإباحية في مختلف صورها (أشرطة، صور، شات إيروتيكي…) في متناول الجميع، وخاصة القاصرين والأطفال. وهو ما يجعلهم في كثير من الأحيان ضحية سهلة في قبضة البيدوفيليين. إذ حسب دراسة نشرت سنة 2010، فإن قاصرا من أصل خمسة قاصرين في العالم يتعرض للتحرش الجنسي في الإنترنيت. وفي المغرب  سجلت  مديرية الأمن المغربي في السنة نفسها وقوع 22 حالة تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال في الإنترنيت. فيما أشارت إلى وقوع 9 حالات فقط سنة 2011. وإن كانت هذه الإحصائيات لا تكشف سوى الجزء العائم من جبل الجليد لأن العديد من الجرائم الجنسية المرتكبة ضد القاصرين في الإنترنيت تظل طي الكتمان إما لأن أهلهم يخشون الفضيحة، أو لأن العديد من الضحايا «لا يضعون شكاياتهم لدى الأمن خوفا من متابعتهم قضائيا لأنهم يكونون أنفسهم أخلوا بالأخلاق العامة» كما يوضح حماد لكبير، رئيس جمعية «ضحايا الويبكام وعدم المس بالخصوصية الفردية»، أو لأن القاصرين أنفسهم  يكونون غير واعين بأنهم سقطوا فعلا ضحية مثل هذه الجرائم. وهذا ما يشير إليه مركز حرية الإعلام بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي توصل – من خلال بحث أجراه على عينة من 106 أطفال تتراوح أعمارهم  بين 10 سنوات و17 سنة –  أن أغلبهم لا يكونون واعين بالمخاطر المتربصة بهم في الإنترنيت.
ومن الحقائق المثيرة التي كشف عنها البحث أن 83 طفلا من العينة المذكورة يدردشون عبر الإنترنيت مع أشخاص غرباء. فيما صرح ربع المستجوبين بأنهم تلقوا عروضا وهدايا عبر الشبكة العنكبوتية. منهم من قال إن تلك العروض تتعلق بلقاءات ثنائية، وآخرون قالوا إنهم تلقوا عروضا للقاء في المنازل. فيما صرح مستجوبون آخرون بأنهم تلقوا دعوات لتناول الأكل بماكدونالدز، وأكدت فئة أخرى بأنها تلقت عروضا للزواج وأيضا للسفر خارج المغرب!.
ورغم أن هذا البحث يظل غير كاف،  حسب مركز حرية الإعلام، «لاستخلاص نتائج يمكن اعتمادها علميا»، فقد استطاع على الأقل أن يرج مياه بحيرة راكدة، وأن يثير أسئلة مقلقة حول طبيعة علاقة القاصرين بالإنترنيت. كما كشف حقيقة صادمة، وهي أن أي قاصر يبحر في الشبكة العنكبوتية يمكن أن يتورط في أي جريمة إلكترونية أو يكون ضحية استغلال الجنسي، سواء في العالم الافتراضي أو في الواقع، خصوصا أن «أغلب المستجوبين- كما يوضح المركز- صرحوا بأنهم لم يتلقوا أي معلومات أو عمليات تحسيس حول جرائم الإنترنيت».

مدونات و«سكوبات» فضائحية

غياب جمعيات تدافع عن القاصرين ضحايا الإنترنيت، وكذا عدم وجود برامج حكومية للتحسيس بمخاطر الجريمة الالكترونية، وخاصة البيدوفيلية، قد يفسر العدد الكبير من القاصرين الذين تورطوا في فضائح جنسية على الإنترنيت منذ فضيحة «بورنوغراف أكادير» سنة 2005، مرورا بنشر صور جنسية لتلميذات قاصرات في المدونات الالكترونية كما حدث سنة 2006 لتلميذات إحدى ثانويات تاونات، ولاحقا لتلميذات من فاس ومكناس والرباط والدار البيضاء وغيرها، وصولا إلى موضة «السكوبات» الجنسية التي بدأت تجتاح مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي مثل «سكوب مراكش» أو «سكوب سطات» وصفحات أخرى تنشر صورا أو أشرطة فيديو لفتيات، ضمنهن قاصرات، في وضعيات مخلة بالحياء. مثل هذه الأشرطة، التي تمس بالقاصرين عادة ما تدفع بجمعية «ضحايا الويبكام وعدم المس بالخصوصية الفردية»، التي تنشط منذ سنة 2007 في مجال الدفاع عن ضحايا التشهير بالإنترنيت، إلى مراسلة خلية الجريمة الالكترونية بالأمن الوطني من أجل التدخل لحماية الضحايا القاصرين، يقول حماد لكبير. لكن «الجمعية غالبا ما تصطدم بوجود فراغ قانوني في المغرب، يتمثل في أن النيابة العامة لا تتدخل حتى تتوصل بشكايات من الضحايا، رغم أن العديد منهم لا يستطيعون ذلك». ويضيف حماد أن هناك إكراهات قانونية في هذا المجال لأن «القانون المغربي لا يساير التطور الرقمي».نفس الأمر يردده نجيب حجي، محامي جمعية ما تقيش اولادي، الذي يؤكد بأنه «يجب تحيين النصوص الجنائية لمعاقبة مقترفي الجرائم الجديدة التي دخلت حيز التطبيق مع دخول التكنولوجيا وتطورها، والتي يكون تأثيرها سلبيا جدا على الأطفال، حيث تستعمل من أجل تسهيل هتك أعراضهم». فيما يوضح عمر أوسي، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن المشرع المغربي سن فعلا قوانين تعاقب مقترفي هذه الجرائم الحديثة. وكمثال على ذلك يشير إلى القانون 03/07، الذي يعاقب على الجرائم التقنية التي تمس بقاعدة المعطيات، وأيضا إلى الفصل 2 – 503 من القانون 24/03، المتمم للقانون الجنائي، والذي يجرم أي تحريض أو استغلال جنسي للقاصرين، كيفما كانت الوسيلة المستعملة. وينص هذا الفصل على أنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف إلى مليون درهم كل من حرض أو شجع أو سهل استغلال أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد إباحية، وذلك بإظهار أنشطة جنسية بأية وسيلة كانت سواء أثناء الممارسة الفعلية أو بالمحاكاة أو المشاهدة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للأطفال يتم لأغراض ذات طبيعة جنسية». ويوضح أوسي أن «عبارة «بأية وسيلة كانت» الواردة في هذا الفصل تتضمن جميع الوسائل التي ترتكب بها جريمة استغلال القاصرين جنسيا، وضمنها الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل الإنترنيت والحاسوب. فلو أن المشرع حدد الوسيلة المرتكب بها الفعل الجرمي سيكون حصرها في تلك الوسيلة بعينها. وبالتالي إذا ارتكب الفعل الجرمي ذاته بوسيلة أخرى لم ينص عليها المشرع فذلك يعني أن متابعة الفاعل على جريمته تلك تصبح غير ممكنة على اعتبار أن المشرع لم يشر إليها تطبيقا لمبدأ: لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص». ورغم ذلك يلاحظ أوسي أن المغرب يفتقر إلى ترسانة من النصوص القانونية لتجريم الجريمة البيدوفيلية في الإنترنيت وحيازة الصور الإباحية للقاصرين كما هو موجود في عدد من الدول. فيما يرى محمد أمغار، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني والمحامي بهيئة الدار البيضاء،  أن «القصور الحقيقي الذي لايزال يعاني منه التشريع والعمل القضائي بالمغرب يتجلى في الجانب المسطري المتمثل في وسائل إثبات الجريمة الالكترونية.ذلك أن السرعة الهائلة للابتكار في هذا المجال تجعل إثبات هذه الأفعال أمرا صعبا في غياب أو قلة الخبراء المختصين في هذا المجال وصعوبة استعمال وسائل الإثبات التقليدية لإثبات الجريمة الالكترونية»، مضيفا أن «الجرائم الالكترونية غالبا ما تتم عبر الإنترنيت وعن طريق الربط بين مختلف الشبكات على المستوى الدولي. لذلك تواجه السلطة العامة صعوبات بالغة في إثبات ارتكاب الجريمة وتحديد الفاعل ومكان ارتكابها بشكل دقيق». هذه التحديات التي بدأ يستشعرها المغرب في مواجهة الجريمة الالكترونية، خصوصا بعد سلسلة الفضائح الجنسية التي هزت الفضاء الافتراضي بالمغرب، وتورط عدد من القاصرين فيها، دفعت الحكومة المغربية إلى المصادقة نهاية دجنبر الماضي على مشروع القانون رقم 12-136، الذي يوافق بموجبه المغرب على اتفاقية الجرائم المعلوماتية الموقعة ببودابست سنة 2001 وبروتوكولها الإضافي الموقع في ستراسبورغ سنة 2003. وهذا يعني أن المغرب سيصبح ملتزما بتطبيق بنود هذه الاتفاقية، خاصة الجانب المتعلق بمحاربة الجريمة البيدوبورنوغرافية. فهل سيكون ذلك بداية فعلية لمحاربة الاستغلال الجنسي  للقاصرين في الإنترنيت؟.

 سياح يستغلون الأطفال..وأحكام قضائية متساهلة معهم

 

العديدون يتذكرون طبعا فيليب السرفاتي، الذي ترك جرحا مايزال طريا في الذاكرة المغربية.في دجنبر الماضي بدأت محاكمته بعد ثمان سنوات عن جريمته الشهيرة التي هزت المغرب سنة 2005. لكن المحاكمة لم تكن في المغرب، بل في بلجيكا، والتهم الموجهة إليه هي التحريض على دعارة قاصر، عرض وتوزيع صور إباحية، بث صور إباحية لقاصرات.فيما أسقطت عنه تهمة اغتصاب قاصر. وكيفما كان الحكم عليه في هذا الشهر فإن المحاكمة في حد ذاتها أعادت الاعتبار لضحاياه. كما أنها كانت «صفعة للسياسة الجنائية بالمغرب في تعاطيها مع الأجانب، الذين يأتون إلى المغرب لممارسة شذوذهم وأمراضهم النفسية، وعدم التشويش عليهم، وصفعة للدولة المغربية التي قد تبدو للرأي العام الدولي بأنها  غير جادة في تعاملها مع الجريمة التي يكون طرفها أجنبي متهم باعتداء جنسي على طفل». يقول نجيب حجي، محامي جمعية «ماتقيش اولادي».
جريمة «بورنوغراف أكادير»، وهي الصفة التي صارت لصيقة بالسرفاتي، تعود إلى سنوات 2001/ 2004 حين كان يتردد على أكادير بحثا عن ضحايا من كل الأعمار يغريهن بكل شيء قبل أن يمارس عليهن شذوذه الجنسي ويصورهن في أوضاع إباحية مهينة. في سنة 2005 سينشر السرفاتي، الذي كان آنذاك صحافيا بجريدة «لوسوار» البلجيكية، أزيد من 192 صورة لحوالي 80 مغربية، ضمنهن قاصرات، في أوضاع جنسية مختلفة على موقع إباحي. أثارت الصور ضجة مدوية بالمغرب بعد أن تم تحميلها ونسخها في أقراص مدمجة بيعت في أكادير ومدن أخرى. كانت تلك أول جريمة جنسية إلكترونية تشهدها البلاد قبل أن تبدأ سماء الإنترنيت تمطرنا في كل مرة بفضائح جنسية، من صنع محلي هذه المرة. ألقي القبض على السرفاتي بعد أن تقدمت إحدى ضحاياه  بشكوى ضده إلى مصالح الأمن بأكادير. بعد ذلك سيطلق سراحه ويغادر المغرب بدون رجعة.فيما توبعت ثلاث عشرة من ضحاياه كان مصيرهن السجن، وفرت الأخريات.

أحكام مخففة

  ماحدث مع السرفاتي سيتكرر أكثر من مرة نتيجة الطريقة التي كانت السلطات المغربية تنهجها تجاه مرتكبي الجرائم البيدوفيلية، سواء في الواقع أو في العالم الافتراضي. وهو ما جنب العديدين منهم السجن أو صدرت في حقهم أحكام مخففة، ما عدا حالات قليلة كانت أبرزها  حالة الإسباني دانيال فينا كالفان، الذي أدانته استئنافية القنيطرة قبل عامين تقريبا بثلاثين سنة سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم بعد متابعته بتهم عدة، منها هتك عرض قاصرات بالعنف وإنتاج مواد إباحية بعد أن ضُبطت في مفتاحه الـ«يو إس بي» صور فاضحة لضحاياه القاصرين وهو يمارس الجنس عليهم. مثل هذه الصرامة في الأحكام ظلت تعوز القضاء المغربي أحيانا. إذ كان متساهلا, في بعض المرات, مع مثل هؤلاء المجرمين، خاصة الأجانب. تساهل يعتبره نجيب حجي «خرقا للمحاكمة العادلة واعتداء جديدا على الضحية، بل اعتداء خطيرا، لأنه صادر عن الجهة التي من المفروض أن تحميها وأن تجبر ضررها». كما يرجعه إلى «عدم استقلالية القضاء التي تجر إلى أحكام غير نزيهة». قضية جاك هنري صومير، المدير السابق لمسرح «موغادور» بباريس، كانت مثالا صارخا عن مثل هذه الأحكام. في 24 أبريل 2006 داهم رجال الأمن فيلا صومير بمراكش، واعتقلوه رفقة طفل قاصر وشاب آخر بعد أن ضبطوا لديه ذكرا اصطناعيا وقطعة حشيش ومجموعة من الأوقية الذكرية وصورا بورنوغرافية في حاسوبه وهواتفه المحمولة. وقد اعترف الشاب بأنه جاء بالقاصر إلى الفيلا لممارسة الجنس مع صومير. نفس الشيء سيعترف به القاصر أيضا، لكن المحكمة ستدين الفرنسي الستيني بأربعة أشهر حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 5000 درهم بعد مؤاخذته بتهمتي الشذوذ الجنسي وحيازة المخدرات، فيما أسقطت عنه تهمتي تحريض قاصر على البغاء، وحيازة أشياء وصور بورنوغرافية، اللتين وجهتا إليه في البدء. فيما حكم على الشاب بأربعة أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها 5000 درهم!.

صناعة جنسية

مثل هذه القضايا، التي تورط فيها صومير وكالفان وآخرون تظل مجرد عينات بسيطة لما شهدته المحاكم المغربية في السنوات الأخيرة.قضايا تمتزج فيها الجرائم البيدوفيلية بالجرائم الالكترونية.إذ عادة ما تكون بحوزة المتورطين، الذين يلقى عليهم القبض متلبسين بممارسة الجنس مع القاصرين، صور أو أشرطة جنسية لأطفال مغاربة في وضعيات مخلة بالحياء. ويكون التبرير الجاهز الذي غالبا ما يقدمه هؤلاء لرجال الأمن هو أن هذه الصور للاستعمال الشخصي. تبرير تعتبره نجية أديب، رئيسة جمعية «ما تقيش اولادي»، واهيا لأنها ترى أن ليس هناك استعمال شخصي لمثل هذه الصور. قبل أن تؤكد أن هذه الصور الإباحية الملتقطة لقاصرين تكون موجهة عادة إلى شبكات متخصصة في صناعة الجنس. نفس المعطى تؤكده أيضا الشرطة الدولية (الإنتربول)، التي تشير إلى استفحال تجارة الصور الجنسية للأطفال في الإنترنيت، موضحة أن قيمة مثل هذه الصور ترتبط بتفاصيل محددة مثل سن الطفل، هويته، وحداثة الصورة.
هذه التفسيرات تكشف سر الكم الهائل من الصور الإباحية، التي كانت قوات الأمن تضبطها بحوزة عدد من السياح والأجانب المقيمين بالمغرب في السنوات الأخيرة. إذ في سنة 2005، مثلا، عثر  رجال الأمن في حاسوب سائح فرنسي يدعى هيرفي كلونيك على 140.000 فيديو بورنوغرافي و17.000 صورة إباحية لأطفال قاصرين كان يقوم بإنتاجها وبيعها لمواقع إباحية. وفي 2006 ضبط الأمن في آلة تصوير سائح فرنسي 117 ألف صورة جنسية لقاصرين، ضمنهم 50 طفلا مغربيا. كما اعتقل سنة 2010 بأحد رياضات مراكش وكيلا عقاريا فرنسيا شهيرا، متلبسا بممارسة الجنس مع قاصر يبلغ من العمر 14 سنة، وبحوزته أفلام وصور إباحية بلغ عددها 117 ألف صورة. وفي صيف السنة الماضية ضُبط في حاسوب باتريك فيني، مدير أحد الفنادق الفخمة بمراكش، الذي فر من المغرب بعد افتضاح جريمته، كمّ من الصور قدرت جريدة «لوموند» الفرنسية عددها بـ 15 ألف صورة لضحايا في وضعيات جنسية، إضافة إلى حوالي 30 شريطا جنسيا كان يوثق فيها فتوحاته الجنسية.

 تسونامي البيدوفيليا

تزايد عدد المتورطين في مثل هذه الجرائم تربطها جمعية «ما تقيش ولدي» باستفحال السياحة الجنسية في المغرب، سيما بعد التسونامي، الذي اجتاح جنوب شرق آسيا في دجنبر سنة 2004، حيث تحول المغرب إلى وجهة مفضلة للعديد من السياح الجنسيين.هذا الوضع المستجد «أفرز أنماطا من الدعارة غير المألوفة» تقول زهرة المنشودي، منسقة جمعية «ما تقيش ولدي» بجهة ماسة درعة في تصريح سابق لـ«المساء». وتفسر المنشودي هذا التحول قائلة: «كنا معتادين على رؤية عاملات جنس مع أجانب.أما الآن فنرى أجانب متقدمين في السن يجلسون في مطاعم ومقاه رفقة أطفال لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة دون أن يسائلهم أحد». وتضيف بأن شبكات السياحة الجنسية تستخدم طرقا متعددة لاستقطاب زبائنها، منها استغلال القاصرين للإيقاع بالسياح عبر الإنترنيت.نفس اللعبة يلجأ إليها السياح أيضا.إذ يستغلون هم الآخرون مواقع الدردشة على الإنترنيت لاقتناص فرائس فتية.في قضية جاك هنري صومير، التي عرضت على ابتدائية مراكش سنة 2006، كشف القاصر الذي ألقي عليه القبض رفقة الفرنسي بأنه تعرف عليه عبر الإنترنيت في موقع إباحي يدعى «فـاي سبيرمان.كوم». نفس الاستراتيجية كان ينهجها باتريك فيني.إذ كان هو الآخر يقتنص ضحاياه من مواقع الدردشة، وكان يرسل إليهم رسائل عشق إلكترونية، مرفوقة بصوره العارية، وبعضهم كان يستدعيه إلى إقامته بمراكش. نفس السيناريو سيتكرر تقريبا في حالة أخرى بالدارالبيضاء، التي عرضت محكمتها الابتدائية قضية سائح، هو الآخر فرنسي، هتك عرض قاصر بعدما رمى بحباله عليها في موقع للدردشة، حيث تواعد معها على اللقاء في الدار البيضاء، وهناك هتك عرضها في شقة استأجرها لهذا الغرض. وقد ظلت الطفلة برفقته ثلاثة أيام، فيما كانت عائلتها تبحث عنها.
مثل هذه العلاقات التي تنسج عادة في مواقع الدردشة الالكترونية قليلا ما يُؤبه بخطورتها، رغم أنها تكون العتبة الأولى في درب السقوط في مصائد الباحثين عن اللذة الجنسية الشاذة، خصوصا مع سهولة الولوج حاليا إلى الإنترنيت بسبب ارتفاع عدد مقاهي الشبكة العنكبوتية في المغرب، التي صارت تستقطب كثيرا من القاصرين، حيث يسهل عليهم غالبا استهلاك المواد الجنسية في غياب أي مراقبة أو وجود حواسيب آمنة خاصة بالأطفال. كما قد يدخلون في علاقات مشبوهة مع بيدوفيليين دون علمهم. لكن الخطر الأكبر يكمن  حين تتحول مثل هذه اللقاءات الافتراضية إلى لقاءات واقعية. في هذه الحالة يصبح القاصر على حافة الهاوية.

3 أسئلة ل : نجية أديب  *  رئيسة جمعية «ما تقيش اولادي »
 صور الأطفال المستغلين جنسيا هي الأغلى في الإنترنيت

– لوحظ في العقد الأخير ارتفاع في عدد الجرائم الجنسية المرتكبة ضد القاصرين، والتي اعتقل مرتكبوها وفي حوزتهم صور وأشرطة جنسية. غير أن هؤلاء عادة ما يعترفون بأن هذه الصور للاستعمال الشخصي فقط.كيف تفسرين ذلك، رغم أن هذه الصور تكون بكميات كبيرة؟
<  لا يوجد استعمال شخصي، فممارسة الجنس، اليوم، على رضيع هي أغلى صورة، حيث تساوي الملايين لأنها تمثل «قمة النشوة الجنسية»، لأنه ببساطة توجد هناك شبكات دولية وصناعة «سينمائية» للجنس على القاصرين تباع بأثمنة باهظة. هذه الشبكات تقصد بعض الدول التي لا تهتم بهذه الأمور ولا تضع قوانين زجرية وصارمة لمثل هذه الممارسات، مثلما يكون فيها الفقر متفشيا، وهذه المكونات هي التي تشكل النواة الرئيسية للاعتداء على الأطفال وممارسة الجنس عليهم «على عينك يا بن عدي». هي إذن صناعة مقننة تقف وراءها شبكات متخصصة وكلما كانت سن الطفل الذي يمارس عليه الجنس أصغر ارتفعت قيمة الصورة أو الشريط، وكلما كبر الطفل تراجع سعر الشريط. هناك من يتلذذ بهتك عرض طفل بريء، فمرتكبو هذه الجرائم يتخذون من هذه العملية حرفة وتجارة للكسب السهل والسريع. وليس بالضرورة أن يكون تجار هذه الأشرطة ممارسين فهناك أباطرة لبيع وترويج المخدرات لا يستهلكونها ومع ذلك يتاجرون فيها بسبب الكسب الوافر والمريح.
– نرى أن الجمعيات المدافعة عن الأطفال تتحرك فقط أثناء الاعتداءات الجنسية على القاصرين، لكنها لا تتحرك بالفعالية نفسها عندما يتعرض القاصرون للاستغلال الجنسي على الإنترنيت. ألا يستحق هؤلاء الاهتمام أيضا؟
< أرى هنا أن الأسرة تكون هي المقصر الأول في حق أطفالها والمسؤولة بالدرجة الأولى عن انفتاحهم الالكتروني على بعض المواقع الإباحية، وأنه من هذا المنطق يجب على الأسر أن تنهض بدورها من أجل حماية أطفالها من هذا الخطر الالكتروني الذي يحدق بهم. الجمعيات طبعا تعمل في إطار ما هو مسموح به وفي إطار إمكانياتها الخاصة، فمثلا نحن نقوم بمجموعة من الحملات التحسيسية في أوساط التلاميذ من أجل توعيتهم بمثل هذه المخاطر، غير أنها تظل غير كافية. لذلك قلنا إن مسؤولية الأسرة تظل أكبر، وتبقى مشتركة مع جهات أخرى، منها المشرفون على مقاهي الإنترنيت، حيث إن أغلب الأطفال- منهم من يكون في سن السابعة أو الثامنة أو التاسعة- ينزوون في أركان هذه المقاهي ويلجون مواقع إباحية دون حسيب أو رقيب، والقليل فقط من المشرفين عليها يراقبون هؤلاء الأطفال ويطلبون منهم المغادرة أو إغلاق هذه المواقع. وحتى إن كانت الأسرة توفر لأطفالها الحواسيب بالمنزل، فإن المراقبة يجب أن تظل حاضرة بقوة من قبيل وضع الحاسوب بمكان يجعله تحت المراقبة طيلة استعمال الطفل لهذا الجهاز لردعه عن دخول هذه المواقع. وهنا يحضر أيضا الوازع الأخلاقي والديني والتربوي للطفل، الذي كلما كان متشبعا به يرفض من تلقاء نفسه الإبحار في هذه المواقع.
– هناك غياب شبه كلي للحملات التحسيسية بمخاطر الإنترنيت  وعلاقتها بالاعتداءات الجنسية على القاصرين. كما ليست هناك جمعيات تهتم بالقاصرين ضحايا البورنوغرافية الإلكترونية. ما سبب هذا الغياب في نظرك؟
< السبب هو غياب الآليات. والمقصود بها خلق وحدات تابعة للدولة مهمتها نصب كمائن لكل من يستغل سذاجة الأطفال وبراءتهم عبر الإنترنيت وإحالتهم على العدالة، وهي التجربة التي تعمل بها مجموعة من الدول في الغرب، والتي تم بواسطتها توقيف عدد من الشواذ في وضعية مخلة وهم بصدد ممارسة الجنس على الأطفال، بعدما استطاعوا أخذ العنوان الذي يقطن به هؤلاء الأطفال وحلوا بمنازلهم لاستغلالهم. ويودع هؤلاء الشواذ بالسجن، وعندما يغادرونه تعمل الجهات المختصة على وضع ملصقات بالحي الذي يسكن به هؤلاء وتنبيه السكان بأخذ الحيطة والحذر لأنه يوجد في الحي الذي يقطنون به «شاذ جنسيا» يشكل خطرا على أطفالهم. هذا لا يوجد حاليا في المغرب، ونحن في حاجة إلى تشكيل وحدات وبعثها إلى الخارج لاكتساب التجربة وتعميمها في جميع المدن المغربية حماية لأطفالنا، الذين هم، للأسف، آخر ما نفكر فيه لأننا ببساطة مجتمع منافق لا نطبق ما نقول.

عبد الله عرقوب

مشاركة