الرئيسية اراء ومواقف عبد الرفيع حمضي يكتب: المتسولون الجدد

عبد الرفيع حمضي يكتب: المتسولون الجدد

كتبه كتب في 3 يونيو 2024 - 11:30

من منا لا يصادف يوميا متسولين يلتمسون الإحسان من المارة ، في جميع المناطق والأحياء والمرافق، لا فرق بين مداخل المساجد وأبواب المستشفيات وغرفها أو حتى المول والأسواق الممتازة ، أما الأسواق الشعبية ومدارات الشوارع والمحطات الطرقية فتلك حاضنة مستمرة لهم ولبداية المشاور.

هذا التعميم صالح في الزمان والمكان مع فرق بسيط في الدرجة وليس في النوع.
الغريب عندي أن المتسولين يفضلون “العمل” بالمناطق الشعبية منها على المناطق الميسورة ، مادام أن منطق التسول إن كان له ذلك – يقتضي أن يستنجد الفقير بالغني أو على الأقل بالأحسن حال.
التفسير المختصر للأمر يمكن أن يقودنا إلى أنه بالمناطق الراقية يتم إبعاد المتسولين بشكل مستمر وطيلة اليوم. مما يجعلهم يهجرون هذه المناطق ويفضلون الاحتماء بالمناطق الآهلة بالسكان .ولعل هذا الأمر فيه من الوجاهة ما لا يمكن نفيه.
لكن الأمر يتجاوز ذلك إلى ما هو ثقافي أساسا لكون الحمولة العاطفية في سلوك الفئات الشعبية لها من الزخم والقوة ما يشل التفكير العقلاني ،وطرح الأسئلة الموضوعية .وما يعمق هذا السلوك هو نوع العلاقة المنسوجة مع الدين لا كنصوص ولكن كسلوكيات مجتمعية يختلط فيها ما تفرق في غيرها.
وبالتالي فالفئات المحدودة الدخل هي الأكثر خوفا من أن يجدون أنفسهم في نفس الوضع في يوم ما.فيعطون القليل لكن عددهم كثير .
ولعل ما أوحي بهذا الكلام ، اولا هو مناقشة سريعة هنا ،و بدون شاي مع زملاء ونحن نرصد عدد المتسولين الذين نلتقي بهم في شوارع عاصمة العالم. بما فيها الشارع المجاور للبيت الأبيض.
أما عندما يسدل الليل ستاره فيصبحون هم سادة المكان بدون منازع .وثانيا هو النقاش الذي أثاره تقرير أخير صدر حول اشكالية التسول ببلادنا ويتعلق الامر بالإجابة على سؤال مركزي قوامه ، ألا يشكل الاستمرار في تجريم الظاهرة مس بحرية الأشخاص وحقوقهم ،؟ادا ما اعتبرنا ان التسول هو طلب مال أو طعام من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم من أجل العيش .وبالتالي عوض التجريم يجب مقاربة الظاهرة في بعدها النسقي systémique و البحث عن حلول لمواجهتها وهو امر ،لا بالهين ولا بالسهل ما في ذالك شك ، كما انه ليس مرتبط فقط بتوفر الإمكانيات .
في حين يبقى النوع الآخر من طالبي الاحسان العمومي والذين لا يدخلونه من باب الحاجة والأمل في العيش وضمان قوت يومه فقط ،بل من باب الإحتيال والنصب
والمتاجرة بعواطف المارة واستفزازهم ،مادامت كل الوسائل مباحة ويمكن استعمالها من اجل الكسب .وبالتالي فممارسوه نصابون ومحتالون لا متسولون.
ويبقى تجريم سلوكهم هو حد اذنى لأنهم في غالب الاحيان يتحولون إلى شبكات للاتجار في البشر وينخرطون في جرائم اخرى .
ولعل هذا المنحى هو الذي سارت عليه المحكمة الاروبية عندما اعتبرت ان القضاء السويسري قد اخطأ الصواب في قضية السيدة Lacatus الرومانية الجنسية عندما قضت بتغريمها او سجنها خمسة ايام لأنها ضبطت تطلب عطف المارة بجنيف عدة مرات .مع الاشار ان المشرع البلجيكي سبق ان ألغى تجريم التسول منذ سنة 1993 وان كانت البلديات لازالت تمنع التسول بمقررات بلدية محلية .
اعتقد ان هذا الموضوع لازال سيثير نقاشا مجتمعيا في السنوات القليلة القادمة، لانه عمليا في الواقع التجريم معطل إلا في حالا ت نادرة ،وهذا معطى جيد ولكن ايضا يبقى تجميع المتسولين في (مراكز اجتماعية ) لها ما لها وعليها ما عليها بدون ارادتهم اصبح يطرح بقوة مشروعية هذا الإجراء حتى وان كان له سند إداري .
وبالتالي فاستحضار التجارب الدولية وابتكار اخرى وطنية لتدبير الظاهرة اصبح يقتضي فتح حوار وطني وجهوي تكون الادارة الترابية احد اطرافه الرئيسيين.
وفي الأخير يبقى ان دراسة المجلس الاقتصادي والإجتماعي والبيئي غاب عنها ان تتناول بالتحليل “النيو متسولين “. فاذا كان النوع التقليدي من المتسولين يتميز مظهره بالملابس الرثة والنظافة المحدود ويثير الشفقة فان النوع الجديد يتميز بالياقات البيض والملابس النظيفة واللغة العالمة ويتابع ويحضر اللقاءات والندوات ،ولاينهي بومه إلا ( بعشاء عمل )هنا وهناك
وهو نوع ابتليت به جميع المهن والمؤسسات الرسمية والمدنية من جمعيات وغيرها .وان كان العقلاء بها لازالوا يقاومون لتحصين مهنهم ومؤسساتهم وهيئاتهم من هؤلاء الأشباه .
فهذا يتسول امام الإدارات العمومية وهو يحمل “مقالا” ينتظر موعدا مع المسؤول ليرقص أمامه وهو متحزم بأوراقه.وذاك يلهث وراء تمويل نشاط غير موجود ، والآخر “خبير في غير مجاله ” إلا انه نافد وصالح لكل زمان ومكان ولا يعشق إلا الجملة التالية :
ديرو ليه شي كونترا وعطيوه شي حاجة واريحوني من الصداع ديالو ”
حتى ان الغريب في هذه الحكاية ان احد الزعماء الجدد كان يقود قطاعا وزاريا في فترة معينة تعاقد مع أستاذ للأدب العربي ليكون مستشاره القانوني .انه العبث.
فهل سيستدرك سي رضى الشامي دراسته ؟

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.