الرئيسية اراء ومواقف عبد الرفيع حمضي يكتب: الإحصاء بين “الكانون والطابليط “

عبد الرفيع حمضي يكتب: الإحصاء بين “الكانون والطابليط “

كتبه كتب في 29 يونيو 2024 - 16:45

كل الحضارات القديمة المصرية والصينية واليونانية والرومانية عرفت شكلا من أشكال الإحصاء العام للسكان ،والذي كانت تنحصر أهدافه اساسا ،في معرفة عدد الساكنة وضبط الثروة ،وتوزيع الضريبة .حتى انه في زمن فرعون إيمياسيس كان السؤال الذي يطرح على الساكنة “من أين اكتسبت رزقك “،ولم ياخد الإحصاء وظيفة جديدة ، الا مع إقرار « الدولة الأمة » État nation في القرن السادس عشر .حيث تطور الأمر لتشمل عملية الإحصاء العام جمع البيانات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تنطبق في فترة زمنية محدودة على كافة الأشخاص في بلد محدد . والأمم المتحدة نفسها عبر وكالاتها المتخصصة كانت توصي بعشر سنوات مابين إحصاء وآخر.

لكن تقدم علوم وتقنيات الاحصاء مع تطور الأنظمة المعلوماتية جعل عددا من الدول تتخلى عن عملية الإحصاء العام بطريقته التقليدية ، مقابل الاشتغال على عينات دقيقة ومحددة .وهكذا ففرنسا مثلا ،التي نظمت اول عملية إحصاء سنة 1801 فقد تخلت عنه نهائياً سنة 1999 . في حين كان آخر إحصاء عام ببلجيكا كذلك سنة 1991 بعدما كان الاول سنة 1846 .
ليبقى السؤال مشروعا ببلادنا هل سيكون الإحصاء العام للسكان والسكنى لهذه السنة هو آخر عملية بهذا الشكل ؟ خاصة وان المغرب أصبحت ،البطاقة الوطنية فيه معممة والسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد في طور التنزيل. اظافة إلى مركزة قاعدة المعطيات الخاصة والعامة .
اعتقد ان البينات التي ستوفرها هذه الأنظمة بعد تحليلها وفق المعايير العلمية الدقيقة من شأنها ان توفر المعطيات التي تتجاوز في دقتها ما يتم تحصيله في التعداد العام للسكان ،لكون هامش التقدير الذاتي للمعلومات جد محدود في ظل توجس المواطن من الباحث والتحفظ في الإفصاح عن المعلومات .وهذا ما اكدته دروس الدول التي استغنت عن شكله التقليدي .
مع الوعي التام ان التجربة المغربية في هذا المجال جد منفتحة بحيث رغم أنها اعتمدت على الأسرة كوحدة احصائية تدور حولها كل عملية الاحصاء. إلا أنها تعاملت مع الأسرة بمفهومها الشاسع كوحدة اجتماعية متعددة الاوجه وليس في دلالاتها الضيقة .وهكذا فالباحثون المغاربة الذين شاركوا في العمليات الستة السابقة ،يتذكرون مصطلحين أساسيين أطرا هذه العملية . الأول هو (الكاميلا) ويستعمل اساساً بالمناطق الحضرية أي ان الوحدة الاحصائية هي مجموعة الأفراد الذي يعيشون بسكن مشترك ويقتسمون المعيشة أي ان طنجرة الأكل مشتركة .وبالتالي كل التكييفات القانونية والفقهية للأسرة لا تجد لها موطن قدم في هذه المناسبة .
أما المصطلح الثاني والذي كان اكثر استعمالا عند الإحصاء بالعالم القروي ومحيط المدن هو مفهوم ( الكانون) المشترك
والكانون هو الموقد او ( المجمار ) في المشرق العربي اما عندنا فيقصد به احيانا المجمر من الطين او الحديد بل يقصد به حتى كل وسيلة تقليدية للطهي كما الحال ( للمْنَاصْب )وبالتالي تكون الاسرة كوحدة للإحصاء بالبادية هي مجموع من الأشخاص الذين يشتركون في اعداد الطعام .
حكى لي صديق ان في العملية السابقة للإحصاء 2014 كان يقيم بحي اكدال بالرباط مع زميل له في نفس الشقة. وعندما زارهم باحث الإحصاء و شرحوا له الوضع من كونهما لا يشكلان اسرة كما وردت في المدونة فقال لهما ( ليس لي استمارة خاصة بالزوافرية ولكن واش الكاميلة مشروكة ) فقام بالمتعين
رغم أنهما كوحدة احصائية لا علاقة لهم ب تمانية ملايين ونصف اسرة مغربية بمفهوم المدونة . وبالمناسبة ان كان عدد هذه الأسر يتنامى عدديا كل سنة ب 177 الف أسرة سنويا . فان حجم الاسرة اصبح ينكمش ويتراجع .وانتقل من 4,6 شخص في 2014 إلى 3,2 شخص سنة 2020 .
وفي الختم بعد شهر سيتحرك جيش من الباحثين 80 الف مجهزين باللوحات الاليكترونية الطابليط وسيجوبون المغرب طولا وعرضا . فهل سيسألون الآسر عن الكانون المشترك ؟ام الويفي المشترك ؟ هل سيسألون الآسر عن المساهمة في الكاميلة ؟او في fibre optique ؟الذي يضمن صبيبا مرتفعا ،في انتظار 5g.
وداعا الإحصاء العام للسكان والسكنى

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.