الرئيسية ثقافة وفن مهن تندثر…البردعة تقاوم في زمن “التريبورتو”و “ترانزيت”

مهن تندثر…البردعة تقاوم في زمن “التريبورتو”و “ترانزيت”

كتبه كتب في 19 أبريل 2023 - 21:15

أمينة المستاري

البردعة…من “ريحة الأجداد” التي تكابد من أجل البقاء في عصر تم تعويض الدابة التي تنقل الأشخاص والسلع بوسائل النقل “التريبورتور والترانزيت”. هي لباس يوضع على ظهر الدابة، تسهل ركوبها وتحول دون جرحه.

وقد عرف بهذه الحرفة بعض اليهود الذين عاشوا في المدن العتيقة كفاس ووزان وشفشاون…يصنعونها ويبيعونها في الأسواق، وتعلم منهم مجموعة من الحرفيين المغاربة المسلمين، وتعلمها الأحفاد عن الأجداد، قبل أن تدخل وسائل النقل من دراجة هوائية ونارية، والدراجات الثلاثية العجلات…وبقي استعمال البردعة في البوادي، يقتنيها القرويون للتنقل في المناطق الوعرة والضيقة التي لا تلجها السيارات ووسائل النقل السري “الخطاف”.

تراجعت هذه الحرفة تدريجيا، خاصة بالمدن، بعد أن كانت حرفة العشرات من الصناع، ممن دأبوا على صناعة البردعة سواء للحمار وطولها يقارب 80 سنتمترا، أما طول بردعة البغل فتصل 1 مترا و20 سنتمترا.

بدوار إداومحيا بماسة، وعلى بعد 500 متر من الطريق الرئيسية، يقطن ابراهيم دكاك، “البرادعي”، ستيني من ذوي الاحتياجات الخاصة، لم يتعلم الحرفة على يد معلم، بل تعلم بمفرده صناعة “البردعة” في سن 15 سنة، ويعد “برادعي” الوحيد بالمنطقة حاليا، بعد أن توفي مجموعة من حرفييها القدامى.

لم تمنعه إعاقته “على مستوى الأرجل” التي أصيب بها في سن الرابعة من العمل، لم يتزوج رغم بلوغه 64 سنة، وفضل العيش قرب أسرته المكونة من شقيقتين وشقيقين ووالدين توفيا، ويقوم بعد الانتهاء من عمله بقضاء بعض مآرب شقيقه عبد الله في المركز والسوق، بعد أن أصبح هذا الاخير بصيرا بسبب مرض السكري والقصور الكلوي.

ابراهيم أتقن حرفته وأصبح سكان الدوار والدواوير المجاورة يلجؤون إليه لصنع “البرادع” لدوابهم، فهو يقتني مستلزمات حرفته من الخنشة، والتبن، والخيط أو القنب ، ويستعمل المخرز لخياطتها، وتستغرق مدة صناعة بردعة يوما أو يومين حسب حجمها.

ابراهيم الوحيد ضمن أسرته وأهل الدوار الذي يتقن الحرفة، لذلك يزروه الزبناء في منزله لعدم قدرته على التوجه إلى السوق الأسبوعي أو المركز، فغالبيتهم يستعملون الحمير في الضيعات لنقل الكلأ لأبقارهم و”الفصة”…فهي تقليدية قديمة .

ويصنع ابراهيم البردعة باستعمال كيس مصنوع من الخيش، يقوم بملئه بالتبن حتى تمتلئ، ويخيطه بخيط متين من الخيش، ويقوم بوضع رباط يلف حول بطن الدابة، إضافة للجام أو الصرع وهو حبل يصنع من الجلد مهمته شد رقبة الحمار وتوجيهه من طرف الراكب بواسطة هذا الصرع، فالبردعة تصنع لراحة الدابة والراكب، لذلك يجب أن يتوفر فيها الإتقان وتظهر من خلالها مهارة الصانع.

يمكن أن تدر عليه البردعة الواحدة ما بين 120 و150 درهما، أما بردعة “البغل” فيمكن أن يصل ثمنها 250 درهما، وقد يعمل يوما وينتظر أياما أخرى من أجل تلقي الطلبيات، التي قلت بعد دخول الدراجات والسيارات “الترونزيت” أو الدراجات ثلاثية العجلات إلى الدوار، وقل استعمال الدواب في التنقل بين الدواوير.

لم تثبط الإعاقة عزيمة ابراهيم، فقد تعلم بمفرده، ويعمل بجد وبإتقان حتى أصبح معروفا في منطقة ماسة، بقوة عزيمته وتفانيه في عمله، ورغم الحاجة وقلة المدخول لا يمل، يجلس لساعات يعمل وعندما يتعب يخلد للراحة.

كانت هذه الحرفة قديما تعيل أسرا في البوادي كما في الحواضر، لكنها الآن تقاوم وتأبى الاندثار والدليل على ذلك أن ابراهيم الوحيد في منطقة ماسة الذي يصنعها ويتشبث بها، بعد أن تخلى عنها العديدون واعتبروا أن المهنة زال وقتها ولا تدر مدخولا مهما بعد أن عوض “الترانزيت” الحمار في المناطق القروية، وابراهيم يقاوم حتى تظل البردعة حاضرة ضمن تقاليد البادية، وفي خدمة الفلاح والدابة.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *