الرئيسية ارشيف رمضان بتاونات: عادات مختلفة وطقوس مختفية

رمضان بتاونات: عادات مختلفة وطقوس مختفية

كتبه كتب في 12 أبريل 2023 - 19:11

حركة غير عادية تشهدها مدينة تاونات ونواحيها قبل حلول شهر رمضان الكريم بأسابيع، تشهد الأسواق الأسبوعية والمركزية انتعاشا ملحوظا، فتتكفل النساء باقتناء ما يحتاجه المطبخ خلال هذه الفترة المميزة من توابل وحبوب ومكسرات وتمور وفواكه جافة كل حسب مقدرته الشرائية، وهكذا تبدأ التحضيرات لاستقبال الشهر الفضيل، من تنظيف المنزل وتحضير ما يحتجنه لإعداد “سلو” في المنازل، و تعمد النساء إلى تشكيل مجموعة من الجارات أو القريبات لتحضير حلوى ” الشباكية” أو ” الورقة” لإعداد البريوات، وهكذا تحضى كل منهن بمساعدة المجموعة، في حين  بينما تفضل بعض الأسر شراء الشباكية و بعض الحلويات الرمضانية كالشباكية من تاونات بكميات كبيرة توضع في أواني بلاستيكية.

رمضانانتعاش تجاري

يتغير روتين الحياة اليومية بحلول رمضان، وتنشط الحركة بالشارع التاوناتي في الصباح ويشتد الزحام بين الحابل والنابل ، فعند مدخل شارع 11 يناير يتنشر باعة التين اليابس والأخضر، وبعض الخضر الطرية التي تجد إقبالا ملحوضا خلال الشهر الكريم، أما السوق المركزي فيشهد حركة دؤوبة خاصة عند موعد الظهيرة لاقتناء السمك وهو أشهر طبق لدى الأسر التاوناتية والتي تحرض أغلبها على تواجده إما مشويا أو مقليا أو على مطهيا مع الخضر” طاجين”، ورغم الأنواع المختلفة التي يتم تزويد السوق بها خلال هذا الشهر إلا أن الإقبال ينصب غالبا على سمك السردين نظرا لقيمته الغذائية المرتفعة ، فيما يعتبر ثمنه خاصة عند ارتفاع العرض مناسبا لكل الأسر فقد ينخفض ثمنه إلى 5 دراهم وقد يصل أحيانا 15 درهما، كما يحرص البعض على شراء الفواكه وخاصة التين اليابس والأخضر لفوائد الكثيرة ولا تكاد تخلو مائدة الأسر من هذه الفاكهة التي تعرف بعض مناطق إقليم تاونات إنتاجا مرتفعا.

المتاجر وبعض المحلات لها نشاطها في هذا الشهر الفضيل، فيحاول كل منها عرض سلعته بأفضل شكل، من عصائر ومشروبات وأجبان وتمور …أما المخبزات فتعرف حركة نشيطة خاصة ساعات قليلة قبل أذان المغرب، فتحرص نسبة مهمة من الساكنة لى اقتناء ” الكومير”، فيما تفضل  بعض الأسر الخبز المنزلي وخاصة ذلك المطهي في الأفران التقليدية المسماة” الفورنة”…

مع أذان العصر تخف الحركة بالشارع التاوناتي، فيفضل البعض الخلود للراحة لبعض الوقت وقد يمارس البعض الآخر بعض الرياضات كالمشي أو الجري حيث تفضل الخروج للجري قبل أذان المغرب  في اتجاه سد الساهلة أو ” الميمات” كيلومترات عن المدينة.

قبل الآذان بفترة، يعم هدوء في الشوارع والأزقة، فيما يفضل البعض الذهاب للمسجد والإفطار على بعض التمر والماء وأداء صلاة المغرب، قبل العودة للمنزل لإتمام الإفطار. ويتربع السمك على عرش المأكولات في مائدة الأسر التاوناتية وخاصة المشوي أو ” الطاجين”، وقد يفضل البعض طبق ” البيصارة” كبصمة تميز المائدة التاوناتية وكأسلوب لتغيير روتين ” الحريرة”، بالإضافة إلى العصائر والألبان والتمور والتين الذي قد لا تخلو مائدة منه بأنواعه كالنابوت، الفـاسي، المري ، الغندال ، السبتي ، الحمري، كرش اجمل..

رمضان ليس فقط بنهارهولكن بلياليه

رمضان ليس فقط بنهاره ولكن بلياليه…مباشرة بعد الإفطار يتوجه التاوناتيون للمساجد لأداء صلاة التراويح والاستماع إلى المحاضرات والمواعظ الدينية، تليها طقوس دأبت عليها نسبة كبيرة من التاوناتيون وهي صلة الرحم وزيارة بعض أفراد الأسرة، فيما تفضل فئة من الرجال وخاصة الشبان الذهاب إلى المقاهي أو نوادي الأنترنيت لندرة الأنشطة الثقافية في وقت تعرف المدينة احتضارا لمعظم الأنشطة الثقافية بشهادة الأغلبية مع غياب مندوبية للثقافة وكذا بعض الجمعيات الثقافية التي إجهضت أو عرفت فتورا في أنشطتها هذه السنة، ونظرا للظروف المناخية المواتية هذه السنة تعرف الحديقة الوحيدة بتاونات وفودا كبيرة من السكان وخاصة الشباب والأطفال للاستمتاع بالجو واللعب، بينما تفضل بعض النساء البقاء بالبيت لإعداد وجبة السحور، من الأسر من تقتصر على كل ما هو خفيف على المعدة وتتجنب الأطعمة الدهنية والمرق، خاصة التي تتشبث بوجبة العشاء، وتحضر النساء البطبوط أو المخمر الذي يطبخ في ” الفراح” وهو مقلاة تقليدية كمرافق لطبق السحور أيا كان نوعه، ومباشرة بعد التسحر يتوجه الرجال إلى المسجد للصلاة فيما تؤدي النساء فريضتهن بالبيت ويخلدن للنوم بعد يوم حافل بالأشغال المنزلية، وقد تختار النساء بعد فراغهن من الأعمال المنزلية، للسمر بجانب أبواب المنازل التي تتحول إلى حلقيات للحكي والفكاهة كبديل للعديد من النساء عن تتبع البرامج التلفزيونية التي تقدم مسلسلات وسيتكومات وسلسلات لا تتوفر لهن جو المرح والفكاهة الذي يوفرنه لأنفسهم وهن يحكيهن قصصا حفظناها عن أمهاتهن وما فتئن يحكينها لأبنائهم، في وقت يجدن فيما تقدمه مختلف قنوات المغرب “ضحك على الذقون” لن ينطلي عليهن مهما كانت طريقة إشهار العمل الفني الذي “يفتقد إلى الفنية”. وفي بعض المناطق القروية فيفضل الفلاحون بعد التسحر التوجه إلى الحقول لإحضار بعض العلف لماشيتهم ثم الخلود للنوم بعد صلاة الفجر والصبح.

ليلة النصف والسابع وعشرونعادات وطقوس

تشهد المدينة حركة دؤوبة في النصف من شهر رمضان، يصر البعض على اقتناء الدجاج البلدي وذبحه، فيما يعارض البعض الآخر هذه العادة ويعتبرونها بدعة دخيلة على هذا الشهر الكريم،أما الأيام الأخيرة منه فله نكهة أخرى، تنشط الحركة بالمتاجر لاقتناء لوازم إعداد حلوى العيد لأخيرة من شهر رمضان الفضيل، وكذا ملابس العيد للأطفال، أما ليلة القدر فلها طقوس خاصة بكل بيت، تمتلئ المساجد بالمصليين ويفضل البعض البقاء بها إلى وقت متأخر لنيل الأجر والتواب، وتحضر بعض الأسر الكسكس ويرسل إلى المساجد كصدقة في تلك الليلة المباركة، وتفضل أخريات الذهاب إلى ضريح” سيدي بوزيد” والتحلي بأفضل زينة علهن يلتقين بفارس الأحلام، بينما لا يصبح هم بعض الفتيات سوى الجلوس بالعمارية لدى الحلاقة وارتداء ألبسة تقليدية وأخذ صور وتخضيب أيديهن بالحناء، حيث تحرص بعض الأمهات والآباء على إدخال السرور على قلوب أطفالهن، وتعرف مهنة النكافة أو الحلاقة المتخصصة في تنظيم الأفراح انتعاشا خاصا في الثلاثة أيام الأخيرة من شهر رمضان. وتحرص الأمهات في ليلة السابع والعشرون على  تعطير المنزل بالعود أو ” الند” والتكحل وإبقاء الأضواء بالبيت مضاءة كفأل خير في تلك الليلة المباركة. وتجد بعض الأسر الفرصة لزيارة بعض مقابر الأقارب والترحم عليها والتصدق ببعض الدريهمات أو الخبز.

فحياة رمضان تبدأ بعد الإفطار، النهار باهت لا تسمع فيه بكل مكان إلا رمضان كريم، وقد تحتد فيه النفوس أو يضيق الخلق أو تنعس العيون بعد العصر، فإذا جاء الليل بسط رمضان أجنحته الملائكية روحانية عميقة هادئة، الأطفال يصومون حتى الظهر ولإغرائهم بالصيام تقوم بعض الأسر بتدليله، خاصة الفتيات فهن يحضين بأمسية وحناء…كما تعرف مهن موسمية خلال رمضان نشاطا وانتعاشا خلال شهر رمضان بتاونات، بائعي الحلويات الرمضانية، مواد غذائية في عربات مجرورة، بائع الحلزون…

رمضان بتاوناتطقوس اختفت وعادات اختلفت

رمضان بتاونات… اختفت بعض طقوسه فيما حلت أخرى، لم يعد هناك مكان ” للنفار” شخص عهدناه في صبانا، والتصقت صورته بذهننا، وبقي دوره شبه ثانوي في بعض المدن الأخرى، فقد تم تعويضه في المدن الصغرى على الخصوص بالمدفع أو الإكتفاء بالأذان…عهدنا النفار كل ليلة بزقاق الأحياء يتجول بين الدروب لإيقاظ الصائمين، وفي فترة الزوال بآخر أيام الشهر الكريم كان يجوب الأزقة ليجمع مساهمات السكان كطريقة لدفع أجره، فيما مضى كان ” النفار” يجوب الأزقة على ظهر دابة صحبة أحد أبنائه يجمع ما تيسر من دقيق، سكر، زيت…وبكل بساطة كان يشكر هذا وذاك وينسحب لمنزله لينام حتى يعاود السهر في اليوم الموالي. كما يوعد “النفار” في العيد ب”العيدية” اعترافا بدوره طيلة الشهر، حاليا تكاد تغيب صورة هذه الشخصية ولم يبقى منها إلا الظل الباهت في بعض الأزقة القليلة جدا، ومن عادات التاوناتيين قديما أن الجار يقوم بإيقاض جاره إذا أحس أنه لم يستفق.

اختفت طقوس أخرى من قبيل ليلة رؤية الهلال، في ما مضى كانت الأعين والآذان تترقب رؤيته، الأتقياء في المساجد و الباعة يعدون أنفسهم للسهر الطويل، اللذين اعتادوا العبث تابوا منذ تلك الليلة ودعوا الكؤوس والأوتار وأدوات القمار شهرا بأكمله…حاليا التلفاز والإذاعة هو معلن ثبوت الهلال من عدمه، رغم أهمية أجهزة الإعلام طبعا إلا أن نكهة خاصة اختفت، وقد يعمد الكثير من الشباب خاصة من الذين لا يقصدون المساجد للصلاة إلى الاجتماع في المقاهي حيث تحلو جلسات التنكيت والضحك وممارسة مختلف الألعاب الترفيهية للترويح عن النفس، البعض يقضي الليل في المساجد قائما قاعدا في صلاة التراويح، أوقارئا القرآن، بعضهم يفضل المقاهي … والناس أهواء وأشتات.

 

 

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *