الرئيسية بيزنس أسر من سوس: آل واكريم …رحلة تيه مع القوافل توصلهم إلى هرم المجد المالي

أسر من سوس: آل واكريم …رحلة تيه مع القوافل توصلهم إلى هرم المجد المالي

كتبه كتب في 7 أبريل 2023 - 18:00

أمينة المستاري

 

من الأسر التي ذاع صيتها بسوس، على امتداد جيلين أو ثلاث، أسرة محمد بن ابراهيم واكريم، الذي يتحدر من قرية أداي بتافراوت، بلدة صغيرة تنام بين الجبال، غير أن روايات وقصص نجاح شبابها وما حققوه بمدن كالدار البيضاء تصل حد الصخب…

صداها وصل الشاب محمد بن ابراهيم واكريم المزداد في 1874، قليل التجربة، مع ذلك قرر خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر بانتقاله إلى طنجة من أجل العمل، عابرا المسافات الطوال مشيا على الأقدام. شق الطريق عبر فج “تيزينتاست” ومنه عبر إلى مراكش، متجها صو فاس، ومن يمم وجهته نحو طنجة ضمن قوافل تجارية تقطع مئات الكيلومترات لأسابيع، كان زاده حفنة من “البسيس” والعسل والسمن وأركان والفواكه الجافة.

مكنت الرحلة الطويلة محمد من التعرف على عادات وتقاليد المناطق التي مر بها، تعلم الدارجة المغربية بفضل مخالطته لسكان القرى والمدن التي حطت بها القوافل، رغم عدم تتلمذه بالكاتاتيب، كان ذكيا، فكر طيلة رحلته بأن يجمع بعض المال لاستغلاله، فعمل مكلفا بخيول السلطان مولاي عبد العزيز، ووفر من عمله بعض المال، استثمره في محل اقتناه بطنجة.

بعد أن استثب به الأمر واستقر بعروس الشمال، استقدم ابنه أحمد من أجل تعليمه وتلقينه أصول “الحرفة” لإيمانه بالمثل الشائع:”حرفة بوك لا يغلبوك”، فأصبح مساعدا لوالده عارفا بخبايا التجارة.

رأى محمد صلاحا في ابنه أحمد، آمن بقدراته وبرغبه في السير على خطاه وحبه للتجارة، فقرر أن يدفع به خطوة إلى الأمام، فاشترى له متجرا بالسوق، ثم استقدم ابنه الأصغر حسن وزوج أخته عبد الله واكريم، ليقوما بمساعدة أحمد في محله الجديد، فتمكن من تحقيق استقرار مادي وأرباح بمتاجرهما.

عزم محمد واكريم مغادرة الدار البيضاء، بعد انتشار خبر اندلاع المقاومة بقبيلة آيت عبد الله، المتاخمة لبلدته، ترك تجارته في أياد أمينة، ليلتحق بالزعيم عبد الله زاكور، وبعد انتصار المقاومين عاد إلى الدار البيضاء ونصح ابنه بالعودة إلى “لبلاد” للزواج، اختار هذا الأخير مصاهرة أسرة أخنوش بقرية “أكرض أوضاض”، فتزوج شقيقة أحمد أولحاج، وعاد بزوجته للعيش بالعرائش بعد أن اقتنى له والده محلا ليستقل بذاته.

قرر محمد واكريم أخذ استراحة محارب، وتخصيص وقته للفلاحة، تاركا التجارة لأبنائه. اختار منطقة هوارة حيث اقتنى ضيعة اشتغل بها محققا رغبة لطالما راودته في شبابه، غير أن شح المياه دفعته مع مرور الوقت إلى التوجه نحو الغرب وشراء ضيعة أخرى، قبل أن يعود إلى الدار البيضاء ويكمل مشوار حياته بها، إلى أن توفي سنة 1964.

كان أحمد واكريم الإبن، قد جمع ثروة من تجارته، ثم قرر العودة للاستقرار بالدار البيضاء، اختار محلا بمركز تجاري مهم بالمدينة “درب عمر”، وبدأ شطرا آخر من حياته العملية، أصبحت بحوزته متاجر في مجموعة من المدن، كلف بعض أصدقائه وأقاربه بإدارتها وتسييرها، كما هي عادة التجار السوسيين العصاميين.

ما كان يميز أحمد واكريم، تطلعه لأن ينوع نشاطه التجاري، وعدم البقاء محصورا في نوع واحد من التجارة، ترك المتاجر ليديرها شقيقه حسن الذي “شرب الحرفة” بالتعبير المحلي وباقي أصدقائه ممن وثق بهم، ليدخل في شراكة مع صهره أحمد أولحاج أخنوش . انتقل إلى شراء العقارات فبدأ مرحلة جديدة تمثلت في اقتناء الشريكين أول محطة بنزين في أواخر الأربعينيات، كانت تابعة لشركة “موبيل أويل” فقام واكريم وأخنوش بتغيير اسمها لتحمل اسم “افريقيا” لما لها من دلالة في ظل ما تعرفه إفريقيا من أحداث واستعمار مجموعة من الدول.

وعلى مسار والده، انخرط أحمد واكريم بدوره في المقاومة، تحت غطاء التجارة، فكان يمول المقاومين ويستقبلهم وشريكه أخنوش بمحطة البنزين حيث يجتمعون، قبل أن يقوم المستعمر بغارة اعتقل فيها شريكه أحمد أولحاج، وظل بعد الواقعة واكريم الحارس الوفي، أمينا على أعمالهما، إلى حين استعادة شريكه لحريته، ثم كونا الشركة المغربية لتوزيع الوقود، وطورا أعمالهما حتى أصبح واكريم الإبن، رجل أعمال معروفا ذائع الصيت، أكمل مشوار والده، فأكمل الجيل الثالث من الأحفاد ما بدأه الجيل الأول في شخص علي واكريم، ابن أحمد واكريم، الذي ظل بعيدا عن الأضواء، فواصل مشوار والده أحمد وأعماله بل وقام بتحديثها إلى جانب قريبه عزيز أخنوش.

قصة واكريم الأب والابن والحفيد مثال للسوسي المثابر الذي تحدى كل المعيقات الجغرافية والاجتماعية لتأسيس عمل تجاري ” نقطة نقطة يحمل الواد”، بل المثير للاحترام أن السوسي إذا حقق نجاحا في عمله، فهو يستقدم أبناء بلدته وكل أفراد القبيلة، لتعليمهم أصول التجارة حتى يصبحوا في يوم ما أصحاب متاجر ومحلات، فيعم الخير على القبيلة ككل.

مشاركة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *