في بلادنا، الحرية سقف عالٍ جداً؛ بل لا سقف لها، هذا مكسب كبير، ولهذا فمطلبنا اليوم ليس المطالبة بالحرية الصحفية الموجودة أصلاً؛ ولكن كيف نحوّل الصحافة إلى «سلطة رابعة» تؤثر في مسار الأمور، وتهزُّ الفساد، وتقود الرأي العام؛ بل تسهم في إيجاد رأي عام قوي وفاعل..؟!.
أعتقد أننا بحاجة ماسة لإيجاد صحافة قوية ذاتياً، وقوة الصحافة لا تأتي إلا عن طريق قوة «الصحافي» نفسه، والقوة هنا هي قوة قيم وأخلاق مهنية، فالصحافة هي قيمة بحد ذاتها تحمل الإنصاف والحياد والمهنية، وإذا انعدمت لا تعود هناك صحافة، وقد تتحوّل إلى ساحة للارتزاق ومجموعة مرتزقة تسهم في تمييع الرأي العام، وتمكين الفساد، وتروّج للاستبداد.
لا يمكن للصحافي أن يكون مع جهة أو شخص على طول الخط أو ضد جهة أو شخص بصورة دائمة، الأحكام المسبقة تقتل مهنة الصحافة، وتحوّل الصحافي إلى «شاقي» «بموزة خاسعة» ومحل سخرية.
الصحافه التي تتحوّل إلى سُلطة؛ هي صحافة البحث عن الحقيقة وعدم السير وراء الشائعة، كما أن الصح في أن لا ينساق بعد المماحكات السياسية ولا يتأثر بها أو يحاول قدر الإمكان.. خاصة عند تعامله مع الخبر ـ أن لا ينساق بعد المكايدات ليتحوّل إلى «بوق» مع «زعطان أو معطان» الصحافي هو المحايد إلا من الحقيقة؛ يوماً تراه مع موقف هذه الجهة أو المسؤول؛ لأن الحقيقة معه، ويوماً ضدّه؛ لأن الحقيقة ضدّه، لا خصومة عند الصحافي مع أحد، ويجب أن يتخلّص من تأثير قناعته الخاصة إذا ما أراد النجاح.
الأمر بحاجة إلى مبدأ يُغرس لدى الصحافيين وأرباب الكلمة، وفي وقت التجاذبات وثقافة:
وما أنا إلا من غزية إن غزت غزيت وإن ترشد غزية أرشد
قد يكون صعباً وهو هنا يحتاج إلى نضال حقيقي مع النفس وتدريب على التجرُّد من أجل الوطن ومن أجل سلطة رافعة تهزُّ الأرض، وتؤسّس لبناء متين ويثق بها الناس.
إن الانسياق بعد الشائعات هو أول ما يفرغ الصحافة، وتحوّل الصحافي إلى شيء تالف لا قيمة له ولا معنى، والحياد والإنصاف والتأكد من المعلومة وترك التعصُّب للأشخاص والهيئات؛ هي القيم التي تعطي الصحافة قوة، وتجعل الصحافي قائداً حقيقياً وصانعاً للرأي العام ومراقباً عاماً وموجّهاً رفيع الأداء؛ ولأن الصحافة بهذا المستوى؛ فهي تحتاج من الصحافي إلى أن يكون سياسياً محنّكاً وفدائياً شجاعاً «يفهمها وهي طائرة» لا يخدعه أحد ولا يخدع أحداً.
الصحافة سلطة رابعة ليس بحرية الصحافة فقط؛ ولكن بنوعية الصحافي وقيمه وأخلاقه التي يحملها، وإذا أردت أن تنظر إلى مستقبل الصحافة، فعليك أن تنظر إلى مستوى الصحافيين ومستوى رجولتهم ونبلهم؛ إذ إن إيجاد الصحافي النبيل والمحايد، صاحب القيم هو من يوجد الصحافة ويحوّلها إلى سلطة رابعة تبني ولا تهدم، تحاصر الفساد ولا تصفق له، يصنع الرأي العام ويوجّهه، ولا يُستخدم أداة مع من هبّ ودب.
أهمية صناعة السلطة الرابعة والصحافي القائد تحتاج إلى جهد الجميع وإلى نقاشات ودراسات ولقاءات، وأعتقد أن الندوة التي أقامها مركز «معين» للتنمية المجتمعية يوم أمس كانت في هذا الاتجاه الذي يبحث عن إيجاد دور حقيقي للصحافة وقوة مهنية وقيمية للصحافي.
الصحافيون مطالبون بإيجاد أنفسهم ودورهم عن طريق إيجاد جواب عن سؤال: كيف نقيم صحافة قوية وسلطة رابعة فعلاً، كيف أكون صحافياً فاعلاً ومهنياً ومستقل الأداء..؟! الأمر بحاجة إلى تواصل ولقاءات عديدة بين الصحافيين أنفسهم حتى لا يتخطفهم الناس وتضيع الصحافة في مهب الأعاصير.
السلطة الرابعة.. وقوة الصحافي
مقالات ذات صلة
المغرب يمضي الى الامام : قفزة نوعية في حرية الصحافة و منارة إشعاع في شمال افريقيا
د. مهدي عامري كاتب، استاذ باحث، خبير الرقمنة و الذكاء الاصطناعي المعهد العالي للاعلام و الاتصال، الرباط يُشرّفني اليوم أن [...]
انفجار بَركان
د حنان أتركين عضو مجلس النواب بَركان أو بُركان…لم يعد الأمر مختلفا، فالانفجار قد أصبح مشتركا بينهما…لم يعد الإخوة المصريون [...]
النقابة الوطنية للصحافة المغربية: “لم تسجل أية متابعة لصحافي مهني بسبب مادة و موظفون يزاولون المهنة وينتحلون صفة صحافي
ذكرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية أن “مؤسسة النيابة العامة لم تنصب نفسها طرفا مدنيا في مواجهة أي صحافي مهني أو [...]
مقامات العميري…مرونة ورعونة في التعامل مع كرونة
اعتبر فن المقامة أحد الفنون اللغوية في الأدب العربي التي اشتهر بها بديع الزمان الهمذاني (969م/1007م) و الذي يعتبر مؤسس [...]