الرئيسية مجتمع دواوير “آيت حمو” المنسية تكابد الفقر وراء جبال ورزازات

دواوير “آيت حمو” المنسية تكابد الفقر وراء جبال ورزازات

كتبه كتب في 8 أغسطس 2017 - 11:00

يتطلب الوصول إلى دواوير انديلي وتماغيت وتزارين، المحسوبة على قبيلة آيت حمو الواقعة بالنفوذ الترابي لجماعة وسلسات بإقليم ورزازات، من أجل زيارة العائلة أو أحد الأقارب، الاستعانة بسيارة “بيكوب”، التي تقطع مسافات طويلة عبر طريق غير معبدة وغير صالحة للاستعمال، قد تعرض حياتك في أية لحظة للخطر، بسبب تضاريسها الوعرة وكثرة المنعرجات.

الجريدة قامت بزيارة إلى تلك المنطقة التي لا يزال أهلها يعيشون على هامش الحياة ويقاومون الزمن والمناخ من أجل الحفاظ على أرضهم ومواشيهم، منتظرين أن تنال منطقتهم حقها في التنمية أو زيارتهم من لدن المسؤولين للوقوف على حقيقة وضعهم المعيشي.

بمجرد وصولنا إلى الدواوير سالفة الذكر، استقبلتنا الساكنة بفرحة وابتسامة وكلها أمل في أن تجد مطالبها آذانا صاغية من لدن المسؤولين المحليين والإقليميين والجهويين، لانتشالها من بين مخالب الفقر والتهميش والنسيان وراء جبال لا تعلم الجهات المسؤولة بوجودهم إلا في فترات الانتخابات كما قالت الساكنة.

ولم تخف الساكنة معاناتها اليومية مع الجماعة الترابية المنتمين إليها ، حيث أكدت “أن القائمين على تدبير شؤون جماعة “وسلسات” لا يفكرون في الساكنة إلا في أوقات الانتخابات، وبعد أن يجمعوا أصواتهم يغيبون عن الأنظار”؛ “ولكن، مرة أخرى، نقوم بتوعية الساكنة لمقاطعة الانتخابات إلى حين الاستفادة من حقوقها المشروعة”، يقول أحد المواطنين.

عبد الله آيت بوزيد، من أبناء المنطقة، كشف بعض المشاكل التي تعانيها الساكنة؛ “منها بعض الوثائق التي تتطلب من المواطنين استخراجها في الجماعة الترابية وسلسات”، مشيرا إلى أن “استخراج عقد الازدياد بالجماعة يتطلب مبلغ 200 درهم ويحتاج يومين من الوقت”.

صنابير الماء حلم الساكنة

“معندناش الماء… كنجيبوهم من الآبار بعيدة على ديورنا بالبغال، وعلى كتافنا”، جملة يرددها الصغير قبل الكبير من السكان منذ أن وصلنا إلى الدواوير المذكورة أعلاه، مؤكدين أنهم ما زالوا يعيشون حياة التخلف والتهميش، بالرغم من كل الامتيازات التي جاء بها دستور المملكة لسنة 2011، والرامية إلى تحسين عيش المواطن وحفظ كرامتهم، مشددين على “أن أهل المنطقة في أمس الحاجة إلى هذه المادة الحيوية التي لا يمكن لأحد العيش بدونها، خصوصا في مثل هذا الوقت من كل سنة، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها”، مسترسلين: “بغينا شي مسؤول اجي ادوز معانا غير نهار واحد إلى لقا هادشي طبيعي حنا مابقينا محتاجين والو”.

وطالبت الساكنة الجهات المسؤولة بضرورة تخصيص ميزانية لهذه الدواوير من أجل تزويدها بالماء الصالح للشرب.

وحمّل السكان، المسؤولية لـ”عامل إقليم ورزازات، باعتباره ممثلا للملك بالإقليم، على مختلف مظاهر الإهمال والتهميش الذي طالت هذه المنطقة، خصوصا أنها توجد ضمن التراب المغربي”.

ولم تستبعد الساكنة الانتفاضة في وجه المسؤولين في حالة عدم التدخل وزيارتهما للقيام بواجب، حيث قالت بعبارة صريحة: “صبرنا كثير، وصبرنا تقضا والدولة غادي تشوف منا وجه آخر”.

سيارة إسعاف

بملامح حزينة مرسومة على تجاعيد وجهها البئيس، قالت للا إيجا البالغة من العمر حوالي 100 سنة، إن “غالبية أهل المنطقة لا يعرفون شكل سيارة الإسعاف، إذ لم يسبق لهذه الأخيرة أن زارتهم أو نقلت أحد المرضى”، مشيرة إلى “أن العائلات في حالة مرض أحد أفرادها تضطر الاتصال بسائق سيارة بيكوب، الذي يأتي من ورزازات لنقله إلى المستشفى؛ لإنقاذ روحه أو يموت في الطريق”.

وأوضحت المتحدثة أن “المسؤولين بالجماعة الترابية وسلسات و”المخزن” أهملوا ساكنة هذه المنطقة التي تعيش وراء الجبال، ولم يفكروا يوما القيام بزيارة تفقدية والوقوف على معاناتهم”، مذكرة بـ”أن المسؤولين الذين يعينهم سيدينا الملك لا يقومون بواجبهم اتجاه المواطنين”، مناشدة الملك محمدا السادس من أجل “إقالة كل من ثبت في حقه التهاون في عمله وعدم قدرته على إنصاف الفقراء”، حسب تعبيرها.

وعن النساء الحوامل، أفادت السيدة البالغة من العمر حوالي 100 سنة بأنهن “يتألمن كلما جاء المخاض إحداهن؛ فهناك من تلد بالدوار، بالرغم من الألم الذي تعانيه وغياب الأدوية، وهناك من تتألم فوق سيارة “بيكوب” للوصول إلى مستشفى ورزازات لتضع هناك مولودها”.

وزادت للا إيجا: “النساء والأطفال الصغار هم الأكثر تضررا، بسبب وضع المسلك الطرقي غير الصالح للاستعمال وغياب سيارة الإسعاف”، مختتمة قولها: “نطالب بتحسين وضعنا المعيشي، باعتبارنا حراس الوطن في هذه الهوامش المنسية”.

أطفال لا يعرفون القراءة

أطفال في عمر الزهور؛ منهم من فاته السن القانوني الدراسي، ومنهم من على وشك وصوله، ومنهم من يوجد في السن القانوني للدراسة، إلا أن غياب أيّ قسم دراسي بالمنطقة وبعد المدرسة بالعشرات من الكيلومترات على هذه الدواوير يعدان من بين المشاكل التي حطمت أحلام هؤلاء الأطفال للالتحاق بفصول الدراسة والتعلم إسوة بباقي الأطفال الذين هم في سنهم.

وخلال الجولة الاستطلاعية التي قام  بها الموقع بالمنطقة ذاتها، على جملة من الانشغالات ذات الأولوية التي تأمل الساكنة تحقيقها من قبل المسؤولين محليا وإقليميا وجهويا ومركزيا؛ منها توفير قسم دراسي لتمكين أبنائها من التعلم، وانتشالهم من الوضع الحالي الذي يعيشون فيه بالرغم من سنهم الصغير، والمتمثل في امتهانهم رعي المواشي.

كما عاينت الجريدة، خلال وجودها بالمنطقة، فتيات في مقتبل العمر يجلبن المياه الشروب من آبار بعيدة عن مساكن أسرهن؛ وهو ما يشكل خطرا حقيقا على حياتهن، خصوصا أن تلك الآبار غير مبنية وآيلة للسقوط في أية لحظة.

وفي هذا الإطار، قالت الطفلة فاطمة ذات العشر سنوات من عمرها: “بسبب غياب مدرسة، نحن الفتيات نتكلّف بجلب المياه الصالحة للشرب؛ فيما يتكلف الذكور برعي المواشي بمساعدة الآباء”.

وأضافت المتحدثة قائلة بلهجة أمازيغية: “اود نكني نرا لمدرسة انغر اونري انك امعدار امكينا ران ايت المخزن”، أي “نحن بدورنا نريد مدرسة لنتعلم القراءة ولا نريد أن نبقى أميين كما يريد المخزن”، وفق تعبير الصغيرة.

من جهته، أكد مصطفى أكدي، وهو طفل يبلغ من العمر حوالي ثماني سنوات، “أن أبناء المنطقة لا يعرفون القراءة”، مشددا على “أن حلمه وحلم باقي الأطفال يتجلى في توفير مدرسة أو قسم لتعلم بعض الحروف الهجائية، لعلها تنفعهم في سفرهم أو في بعض الإدارات العمومية التي يقضون فيها أغراضهم”.

محمد ايت حساين

مشاركة