الرئيسية تربويات معاناة تلاميذ صم بإنزكان .. غياب “الإشارة” وحُرقة “العبارة”

معاناة تلاميذ صم بإنزكان .. غياب “الإشارة” وحُرقة “العبارة”

كتبه كتب في 26 مارس 2017 - 13:04

أشار أستاذ اللغة العربية إلى تلميذة أن تنهض نحو السبورة لتقرأ نصا قصيرا.. كانت تنظر إلى زملائها وزميلاتها بعيون مفعمة بالأمل..تنظر إلى كل كلمة ثم تلتفت إلى زملائها لتقوم بحركة معينة بيديها، مستعينة بملامح وجهها فتنقل إليهم المعنى، ثم تنتقل إلى كلمة أخرى، إلى أن أنهت النص القصير المكتوب على السبورة.

كان النص المكتوب على السبورة يتحدث عن خادمة فقيرة، توجهت نحو المدينة للاشتغال عند أحد الأغنياء.. كانت ملابسها بالية وقلبها مليء بالحزن؛ لكن الفقر وحاجة أهلها إلى المال يدفعانها لتغادر أسرتها الصغيرة، والخوف يستحوذ على أمها.

يتنافس التلاميذ والتلميذات لقراءة النص بلغة الإشارة، ويتفقون كلهم على القيام بالإشارة نفسها وهم يقرؤون كلمة “فقيرة” وكلمة “غني” وعبارة “ملابس بالية”، وكلمة “الحزن”، ويستعينون بملامح وجوههم لنقل معنى كلمة لأقرانهم الذين حُرِمُوا من نعمة السمع ونعمة الكلام، لكنهم يملكون أحساسيس كبيرة تساعدهم في التعبير عما يخالج دواخلهم، وهم يقومون بحركات بأصابعهم للدلالة على معنى هذه الكلمة أو تلك.

تجربة فريدة

يرتبط وجود الصّم وأنشطتهم بفضاء الجمعيات، ومن النادر أن نجد لهذه الفئة فصولا دراسية، خاصة داخل مؤسسات تعليمية عمومية، لكن تجربة الثانوية الإعدادية علال الفاسي بمديرية إنزكان حالة خاصة بالمغرب، فهي تضم فصلين دراسيين للتلاميذ الصم33) تلميذا)، يدرسون بشكل عادي رفقة نظرائهم، وهم مدمجون بأسمائهم في منظومة “مسار” مثل بقية التلاميذ، بعد أن اجتازوا امتحان السادس ابتدائي كأحرار، لا تكدر صفو أيامهم الدراسية إلا بعض الصعوبات التي لم تجد لها الوزارة الوصية حلا إلى حد الساعة.

هسبريس تنقلت إلى هذه الثانوية الإعدادية، وحضرت حصة دراسية رفقة تلاميذ السنة أولى إعدادي في مادة اللغة العربية، وحصة العلوم الفزيائية رفقة تلاميذ السنة الثانية إعدادي، ونقلت أجواء التمدرس بالنسبة لهذه الفئة من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وسيط لنقل المعلومات

في غياب تكوين للأساتذة في لغة الإشارة، فإن هذه المؤسسة تعتمد على “وسيط” ليتمكن كل أستاذ من نقل المعارف إلى تلاميذه، ففي كل فصل من الفصلين الدراسيين للصم توجد أستاذة متخصصة في لغة الإشارة، تكون دائما بجانب هؤلاء التلاميذ، وهي عبارة عن قناة لنقل المعارف من الأستاذ نحو التلاميذ، كما تنقل أيضا أسئلة التلاميذ وارتساماتهم إلى الأستاذ.

“أشرح الدرس أولا للمرافقة، ثم تقوم هي بترجمته إلى لغة الإشارة لهؤلاء التلاميذ..والمعلومات التي تنقلها تتعلق أولا بفهمها هي ومدى قدرتها على استيعاب المعارف والمكتسبات التي أنقلها إليها”، يقول أستاذ العلوم الفزيائية بثانوية علال الفاسي، ثم يضيف: “هؤلاء التلاميذ يجدون صعوبة كبيرة في كل ما يتعلق بالتعبير، وأحاول أن أكَيّف الامتحانات مع ظروفهم الخاصة؛ فلا يمكن مثلا أن أطلب منهم أن يعطوني تعريفا لظاهرة فزيائية من الظواهر التي أطلب تعريفها من غيرهم من التلاميذ”.

أما الأستاذة التي انتدبتها الإدارة لشرح الدروس بلغة الإشارة، فتؤكد أن المشكل في المقررات التي يجب أن تتكيف مع وضع هذه الفئة حتى تتم العملية التعليمة بشكل جيد؛ وإن كانت مُجازة في القانون إلا أن عملها يتطلب منها نقل المعارف في كل المواد العلمية والأدبية، إذ تصغي أولا إلى الأستاذ الذي يشرح ثم بعد ذلك تقوم بنقل المعلومات بلغة الإشارة إلى المتعلمين الصم.

أما عبد الواحد أولحاج، أستاذ اللغة العربية بالمؤسسة نفسها، فيقول إن “عملية دمج هؤلاء التلاميذ تتطلب تكوين المدرسين في لغة الإشارة أولا، وتكييف المناهج الدراسية لتلائم وضعية هذا الصنف من المتعلمين”، وزاد: “نحن الآن نشتغل بالمقرر نفسه مع الصم وغيرهم”.

وزاد المتحدث ذاته أن هذا الدمج يتطلب أيضا “تجهيز قاعات خاصة بوسائل بصرية وضوئية، مع ضرورة تحسيس وتوعية السامعين بخصائص الصم واحتياجاتهم”.

وقد استقينا آراء مجموعة من التلاميذ داخل الفصل عن هذه التجربة بمساعدة الأستاذة المتخصصة في لغة الإشارة، فعبر أغلب المستجوبين حسب حديث المترجمة عن حبهم لظروف التدريس بهذه المؤسسة، وعن أنهم يشكرون كثيرا أساتذتهم، ويرغبون في مواصلة دراستهم والتفوق وتحقيق أحلامهم، وأن علاقات جيدة تربطهم بنظرائهم التلاميذ غير الصّم، خاصة في الفترة الأخيرة؛ ورغم أن بعض التلاميذ كانوا يسخرون منهم في البداية، إلا أن الأنشطة الرياضية والثقافية المشتركة ربطت وشائج الود بينهم بمختلف وضعياتهم.

من جهته يقول أمين عبد القادر، مدير مؤسسة علال الفاسي الإعدادية، إن هؤلاء التلاميذ مميزون ويحصلون على نقاط جيدة ومرتفعة في المواد العلمية، ويحصلون على نقاط ضعيفة في التعلمات التي تتطلب التعبير، وزاد مستدركا: “إلا أن التجربة عموما ناجحة، فالأساتذة يقومون بجهدهم من أجل شرح الدروس، والنتائج مرضية إلى حد الساعة”.

المتحدث نفسه أضاف أن المقررات يجب أن تلائم قدرات هذه الفئة من المتعلمين، وزاد: “كما يجب التفكير أيضا في توظيف وسائل ديداكتيكية حديثة والاستفادة من الأجهزة الرقمية؛ خاصة أنهم تلاميذ متميزون ويمكن أن يتفوقوا إذا وجدوا الظروف التعليمية الملائمة، كما تبين ذلك نتائجهم، فهم مقبلون على التمدرس، ويشاركون بشكل فعال في أنشطة المسرح والرياضة، وغير ذلك من الأنشطة الموازية؛ لكن المشكل هو أين سيذهبون بعد أن يجتازوا السنة الثالثة إعدادي، لذلك يجب التفكير منذ الآن في مصيرهم”.

معاناة مع النقل العمومي

وتصادف وجودنا بهذه المؤسسة مع قدوم أحد الآباء، الذي جاء يستفسر إدارة المؤسسة عن بطاقة تخول لابنه الذي يدرس ضمن فصل خاص بالصم التنقل مجانا عبر حافلة النقل العمومي من الدراركة نحو الدشيرة، حيث توجد هذه المؤسسة التعليمية.

“لسنوات كان ابني يتنقل مجانا عبر حافلات النقل العمومي، ومنذ أيام فُرِض عليه الأداء، لذلك جئت إلى المؤسسة التي يدرس بها لأستفسر عن حل، بعدما رفضت الشركة المالكة لحافلات النقل كل التبريرات التي قدمتها لها”، يقول أب تلميذ لهسبريس، ثم يردف: “لقد استبشرنا خيرا بمبادرة متابعة أبنائنا لدراستهم بهذه المؤسسة، بدل تكرار الفصل نفسه لسنوات داخل مجموعة من الجمعيات، لكن مشكل التنقل مؤرق بالنسبة لنا.. والأمر لا يتعلق بابني فقط، بل كل زملائه لا يسكنون هنا في الدشيرة، ويأتون من أحياء بعيدة يوميا، ويجب أن يتنقلوا بشكل مجاني كما جرت العادة”.

وفي معرض رده على المشتكي لم ينكر أمين عبد القادر، مدير مؤسسة علال الفاسي، الأمر، بل أكد “انقطاع تلميذين من الصم في الآونة الأخيرة بسبب مشكل النقل”، وزاد: “الأمر يخرج عن تدبيرنا اليومي وإرادتنا”.

وزاد أمين موضحا: “الأمر يتعلق بشركة النقل وقوانينها، وقد يتعلق بسلطات المدينة، ولا دخل لنا كمؤسسة تربوية في الأمر..إلا أننا نتمنى أن تصل الأطراف المعنية إلى حل، كي يصل تلامذتنا الأعزاء إلى أقسامهم ولا ينقطعوا عن دراستهم”.

ميمون ام العيد

مشاركة